"ما ينتظر الحكومة المغربية سيكون أسوأ مما عشناه سابقاً"، كانت هذه الكلمات تعبيراً واضحاً عن أزمة التعديل الوزاري بعد انسحاب حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة المغربية.
وقال نبيل بنعبدالله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المغربي، لـ "عربي بوست"، إن "الوضع يزداد تأزماً مع اقتراب انتخابات 2021".
وقرر الحزب ذو المرجعية الشيوعية الانسحاب من الحكومة المغربية، تزامناً مع المشاورات التي يجريها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، من أجل تعديل تشكيلة الحكومة استجابةً لما جاء بخطاب الملك محمد السادس، في يوليو/تموز الماضي.
وأعلن المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية خروجه من حكومة العثماني، وقال في بيان إنه "اتخذ قرار عدم الاستمرار في الحكومة الحالية، على أساس أن يظل، من أي موقع كان، حزباً وطنياً وتقدمياً يعمل من أجل الإصلاح والديمقراطية، ويناضل من أجل تغيير أوضاع البلاد والشعب نحو الأحسن".
هذا الانسحاب لحليف يوصف بالاستراتيجي لـ "العدالة والتنمية"، يثير تساؤلات حول قدرة رئيس الوزراء، سعد الدين العثماني، على إتمام التعديل الوزاري الذي طلبه منه الملك محمد السادس.
ويتكون الائتلاف الحكومي بالمغرب من حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الذي تصدر الانتخابات التشريعية، وأحزاب "التجمع الوطني للأحرار" و "الاتحاد الدستوري" و "الحركة الشعبية" و "التقدم والاشتراكية" و "الاتحاد الاشتراكي".
لماذا جاء انسحاب حزب التقدم والاشتراكية المغربي من الحكومة في هذا التوقيت؟
أسباب خروج الحزب "سياسية محضة"، حسب نبيل بنعبد الله .
وقال إن عدداً من البيانات التي أصدرها الحزب خلال العامين الماضيين، حذرت مراراً من الجو السائد بالمجتمع المغربي والذي يتسم بالقلق والحيرة.
واعتبر أن الأجواء العامة داخل الأغلبية الحكومية لا تساعد على الاستمرار في الحكومة، قائلاً: "هناك فتور في العمل، وتطاحنات داخلية على مستوى الأغلبية، زيادة على الفراغ القاتل بالعمل السياسي".
وتابع بنعبد الله حديثه لـ "عربي بوست"، موضحاً أن حزب "التقدم والاشتراكية" ومنذ بداية المشاورات، نادى بضرورة إيجاد سياسات تحسّن من المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمغاربة، عوض أن يقتصر التعديل الحكومي على عدد الحقائب الوزارية وتغيير الأسماء فقط.
وقال إن الأمين العام للحزب المنسحب التقى رئيس الحكومة في إطار مشاورات التعديل الوزاري المرتقب، دون أن يجد جواباً لما طرحه حزبه، حسب قوله، وهو ما حدا بهم إلى اتخاذ قرار الانسحاب، الذي وصفه بـ "غير السهل".
بفقدان حليفه الاستراتيجي.. "العدالة والتنمية" أصبح محاصراً في ظل موقف صديق الملك
بخروج حزب التقدم والاشتراكية، وهو حليف استراتيجي لحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، فإن هذا الأخير "سقط سياسياً، ولم يعد لوجوده بالحكومة أو على رأسها أي مبرر، خصوصاً على المستوى الإصلاحي"، حسبما يرى المحلل السياسي بلال التليدي.
وقال التليدي لـ "عربي بوست"، إن حزب العدالة والتنمية "بات معزولاً ومحاطاً بأحزاب تضغط عليه وتعاكسه في التوجهات والقناعات".
ويرى صاحب كتاب "مراجعات الإسلاميين"، أن الحزب الإسلامي القائد للائتلاف الحكومي، بات يواجه تكتلاً داخل الحكومة نفسها يقوده الوزير الثري عزيز أخنوش الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار (الذي يوصف بصديق الملك)؛ وإدريس لشكر، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي، ممن يمارسون "مهمة تفكيك القوى السياسية للعدالة والتنمية"، وفق تعبيره.
وأوضح الباحث المغربي أن المستوى الأول لما سماه "مهمة التفكيك" كان بإبعاد الحزب الإسلامي عن خطابه الإصلاحي، وهو ما تم فعلاً، ليتم الانتقال إلى المستوى الثاني بتفكيك حلفاء "الحزب الحاكم"، حيث تعرَّض الحزب المنسحب لتضييق واستهدافٍ طيلة السنوات الأخيرة.
هل ينتهي الحزب الإسلامي بحلول 2021؟
وفي ظل غياب حليف استراتيجي لـ "العدالة والتنمية" داخل الحكومة، يتابع بلال التليدي، سيجد الحزب الإسلامي نفسه أمام قرارات تعاكس توجهاته، كما ستُفرض عليه شروط بقية الأحزاب المتحالفة دون أن يستطيع مقاومتها.
ويرى المتحدث أن التعديل الحكومي المقبل سيأتي بحكومة أكثر هشاشة تتأثر بالتكنوقراط والكفاءات، الممسكين بقوى الإنتاج، مقابل حضور ضعيف لـ "العدالة والتنمية"، سينتهي بتراجع كبير خلال انتخابات 2021.
التليدي خلص إلى أن المغرب يسير نحو إقرار حكومة لا علاقة لها بنتائج الانتخابات التشريعية التي أُجريت عام 2016 وتصدَّر فيها "العدالة والتنمية" الانتخابات.
الحزب الشيوعي أخذ أكبر من حجمه
حسن بويخف، عضو المجلس الوطني لحزب "العدالة والتنمية"، لم يتفق مع الطرح القائل بانعزال وحصار الحزب بسبب انسحاب "التقدم والاشتراكية".
وتساءل عن القوة الانتخابية والسياسية التي يمتلكها الحزب الشيوعي، (12 مقعداً بالبرلمان)، حتى يتسبب انسحابه في عزل حزب العدالة والتنمية المتصدر لنتائج الانتخابات، والذي يمتلك أكبر تمثيلية في البرلمان بـ125 مقعداً، زيادة على تسييره عدداً كبيراً جداً من الجماعات (بلديات) عبر البلاد.
وقال المتحدث، لـ "عربي بوست"، إن انسحاب "التقدم والاشتراكية" أمر مؤسف، لكنه يبقى اختياراً وقراراً "سيادياً" يخصه، معتبراً أن القول بحصار وعزل "العدالة والتنمية" بسبب مغادرة "التقدم والاشتراكية"، "أحكام لا أساس لها من الصحة، خاصة أنه الحزب الذي تعول عليه الدولة"، وفق تعبيره.
ولفت بويخف إلى أن الحزب المنسحب يجب أن يوضع في حجمه السياسي الحقيقي، مشيراً إلى أن "سياقاً معيناً جعل للحزب حجماً أكبر، خصوصاً خلال عهد عبدالإله بنكيران حين كان أميناً عاماً للحزب ورئيساً للحكومة".
وأشار إلى أن استمرار العثماني في إجراء مشاورات التعديل الحكومي بكل أريحية، أكبر دليل على أن "العدالة والتنمية" أبعد ما يكون عن الحصار والعزلة، على حد قوله.
تهديدات عديدة.. والانسحاب واحد
بيان "التقدم والاشتراكية" لم يكن الوحيد الصادر في سياق إنهاء التحالف مع حزب "العدالة والتنمية" والانسحاب من الائتلاف الحكومي، إذ سبقته عدة بيانات كانت تهدد مراراً بفك الارتباط والخروج نحو المعارضة.
ومن أقوى المحطات التي فكَّر خلالها الحزب في الانسحاب من الحكومة، إعفاء وزيرين من "التقدم والاشتراكية" بقطاعي الصحة والسكنى والتعمير، من قِبل الملك محمد السادس، في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
وفي أواخر 2018، أعفى الملك من جديد، شرفات أفيلال، كاتبة الدولة المكلفة المياه عن الحزب ذاته، باقتراح من سعد الدين العثماني، وهو ما أثار استهجاناً كبيراً، بسبب الطريقة التي دبَّر بها رئيس الحكومة هذا القرار.
تصريحات إعلامية عديدة لقياديي الحزب المكنى بحزب "الكتاب"، هددوا خلالها بمغادرة الحكومة، و "تجاوُز حالة التخبط والعبث السياسيَّين"، واصفين الائتلاف الحكومي بـ "المنخور من الداخل" وفق تعبيرهم، قبل أن يعلنوا انسحابهم رسمياً من الحكومة، من أجل الاصطفاف مع أحزاب المعارضة إلى جانب "الاستقلال" و "الأصالة والمعاصرة".