بثت ميليشيا الحوثي التي تدعمها إيران، السبت 28 سبتمبر/أيلول 2019، صوراً لـ "انتصار" حققته على الحدود السعودية قبل يومين من تبادل سجناء برعاية الأمم المتحدة. وهي طريقة تدل في آن واحد على انفتاحها على عقد مفاوضات وعلى موقفها القوي على الأرض، كما تقول صحيفة Liberation الفرنسية.
وأظهرت تلك المشاهد تقدُّم مقاتلين مسلحين بالكلاشينكوف في الجبال، وسير دبابات في صف على طريق ممهد بين الصخور. ويُصيب صاروخ مضاد للدبابات إحدى المدرعات التي تنفجر، ويتوجه طاقم الدبابة المكون من خمسة رجال إلى المقاتلين الحوثيين، ويطلق المقاتلون صيحات "الله أكبر" و "الموت لإسرائيل"، وتختلط الأبخرة مع الغبار. ثم أُطلقت الصواريخ الباليستية بشكل مُتتالٍ مخلِّفةً خطوطاً من النيران في السماء السوداء، ويتقدم الأسرى في حالة من الاضطراب في خطوط طويلة.
هذا ما أذاعته قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين، في سياق ما أعلنه المتحدث باسم الحركة. ويندرج هذا الأمر في إطار "عملية واسعة النطاق" أُجريت منذ أكثر من شهر ضد القوات السعودية في محافظة نجران، على الحدود مع اليمن، شمال صنعاء.
وأسفرت المعركة المُسماة "نصر من الله" والتي دامت أقل من 72 ساعة عن سقوط ثلاثة ألوية عسكرية، وأَسر أكثر من 2000 جندي من التحالف الذي تقوده السعودية، فضلاً عن اغتنام مئات الآليات ومعدات أخرى، وكذلك السيطرة على 350 كم2 من الأراضي، كما أفاد الحوثيون، مؤكدين في الوقت نفسه، شن هجمات بالطائرات المُسيَّرة والصواريخ الباليستية على مطارات ومدارج الإقلاع بالسعودية.
مناورات دبلوماسية
في الوقت ذاته، تجاهلت وسائل الإعلام السعودية ما أعلنه الحوثيون بشأن ما لحِق بقواتها من أضرار، إلا أن وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، خرج أخيراً عن صمته مساء يوم الأحد. وأكد معمر الأرياني على تويتر، أن هذه "انتصارات وهمية" و "عملية قديمة فاشلة " جرت منذ عدة أشهر.
غير أن مسؤولاً عسكرياً يمنياً -طلب عدم الكشف عن اسمه لصحيفة ليبراسيون الفرنسية- أكد الأحد الماضي مصرع نحو 200 مقاتل من القوات الموالية للحكومة ووقوع أكثر من 1000 أسير في هجوم كبير بالقرب من الحدود السعودية، في أغسطس/آب الماضي. ومهما تكن حقيقة وظروف تلك المعارك، فإن إعلان الحوثيين لهذه "العملية النوعية"، التي من المرجح أن تكون جرت في 25 أغسطس/آب، يأتي في وقت يتسم بالمناورات الدبلوماسية المكثفة.
الحوثيون يبحثون عن موقف قوي
ومن جانبها، أكدت سماء الهمداني المتخصصة بالشأن اليمني في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن الإعلان عن هذا الأمر عشية عملية تبادل الأسرى مع قوات التحالف والتي ترعاها الأمم المتحدة لا يُعد سوى محاولة لعدم التصعيد وليس العكس، كما يُعتبر بمثابة انفتاح الحوثيين على خوض حوار ولكنهم يسعون إلى الوصول لموقف قوي.
وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الإثنين الماضي، أن الحوثيين أفرجوا عن 290 سجيناً من قوات التحالف. وهي مبادرة أشاد بها مبعوث الأمم المتحدة لليمن مارتن غريفيث والتي تندرج في إطار اتفاق ستوكهولم المُبرم في ديسمبر/كانون الأول 2018، بين أطراف النزاع اليمني.
وتضيف الهمداني قائلة: "تبدو اللحظة مواتية لبدء محادثات السلام"، مشيرة إلى أنه في إطار "مُناخ يتسم بالتوتر الشديد بين السعودية وإيران، من الممكن أن يؤدي اليمن دوراً لتقريب المسافات، خاصة أن هناك ضغوطاً دولية تهدف إلى خفض التصعيد، وأن هجمات أرامكو في السعودية والتي تبنتها ميليشيا الحوثي أظهرت للعالم بأَسره مخاطر نشوب حرب شاملة بالمنطقة".
هل تتجه المملكة نحو خفض التصعيد؟
في السياق، أكد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (الملقب بـMBS) لبرنامج "60 دقيقة" المذاع على قناة CBS الأمريكية، الأسبوع الماضي، أن "الهجوم على أرامكو يُعد عملاً حربياً، لكن يجب الرد عليه سياسياً وليس عسكرياً ". وأضاف مُحذراً: "إذا لم يتصرف العالم بقوة وبحزم لردع إيران، فسنشهد تصعيداً أكبر من شأنه تهديد المصالح العالمية". وقال "ستضطرب إمدادات النفط وترتفع الأسعار إلى مستويات لا يمكن تصورها ولم نشهدها في حياتنا". لكن دعوته إلى إيجاد حل سياسي مؤشر آخر على احتمال خفض التصعيد.
وفي الوقت نفسه، أعلنت إيران رسمياً أن رئيسها، حسن روحاني، تلقى رسالة من السعودية، نقلها رئيس دولة أجنبية أو أكثر، خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأنهم يجدون أنفسهم في خط المواجهة بين إيران والولايات المتحدة، ويبدو أن السعوديين مستعدون لخفض حدة التصعيد.