تشهد إسرائيل منذ إعلان النتائج الأولية لانتخابات البرلمان (الكنيست) الأسبوع الماضي، سباقاً سياسياً ساخناً بين حزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو، وائتلاف "أزرق أبيض" بقيادة بيني غانتس، لحشد أكبر عدد من مقاعد البرلمان تؤهل أحدهما لتشكيل الحكومة المقبلة.
وعلى الجانب الآخر، فإن الفلسطينيين في قطاع غزة يترقبون نتائج هذا السباق الذي سيحدد سياسة حكومة تل أبيب المقبلة في التعامل مع ملفات القطاع، خاصة فيما يتعلق بإجراءات الحصار والتهدئة التي أبرمتها حكومة نتنياهو مع الفصائل الفلسطينية وإمكانية شن عملية عسكرية واسعة ضد غزة.
ومن المقرر إعلان النتائج رسمياً، الأربعاء 25 سبتمبر/أيلول 2019، لكنه ليس من الواضح، حتى الآن، من سيكون رئيس الحكومة، في ظل عدم حصول أي حزب أو "كتلة" على 61 مقعداً من مقاعد الكنيست الـ120.
ومساء الإثنين، عقد نتنياهو وغانتس اجتماعاً دعا إليه الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، لبحث إمكانية تشكيل حكومة وحدة، وانتهى بالاتفاق على عقد اجتماع آخر الأربعاء.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن 55 عضوَ كنيست أوصوا بتكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، فيما أوصى 54 بتكليف غانتس بالمهمة.
المماطلة أو الحرب
ويرى مراقبون أن نجاح نتنياهو في تشكيل الحكومة سيعني مواصلة سياسته تجاه القطاع التي من أهم معالمها المماطلة في تنفيذ بنود التهدئة، مع تقديم تسهيلات بين الفينة والأخرى.
أما بالنسبة إلى غانتس، فإن توليه لرئاسة الحكومة سيُحدث تغييراً مهماً بالسياسة تجاه غزة بحيث يكون التصعيد العسكري ومحاولة استعادة قوة الردع الإسرائيلية أبرز معالمها.
ومن وجهة نظر أخرى، فإن عملية عسكرية واسعة تنتظر القطاع سواء كان على رأس الحكومة نتنياهو أو غانتس، لأن الزعيمين وعدا ناخبيهما باستعادة قوة الردع ووقف إطلاق الصواريخ من القطاع.
ويقول عدنان أبوعامر، الباحث في الشؤون الإسرائيلية رئيس قسم العلوم السياسية والإعلام في جامعة "الأمة" بمدينة غزة، لمراسل الأناضول، إنه "من الواضح أن هناك خيارات متباينة لدى نتنياهو وغانتس بالسلوك تجاه القطاع".
ويضيف أبوعامر: "رئيس الوزراء الحالي نتنياهو يريد أن يُبقي على الأوضاع في القطاع على حالها حتى إشعار آخر، مع تنفيذ عمليات عسكرية واسعة أو محدودة تهدف لتقليم أظافر المقاومة الفلسطينية مع الإبقاء على حركة حماس كقوة مسيطرة على القطاع لكن بدون قدرات عسكرية تهدد إسرائيل".
القضاء على "حماس"
أما بالنسبة للجنرال غانتس، وهو رئيس الأركان السابق للجيش، فإنه يرى أن السياسة التي اتبعها نتنياهو مع غزة يجب أن تصل إلى نهايتها عبر القضاء على حركة "حماس" وإعادة السلطة الفلسطينية للقطاع والتفاوض معها، بحسب أبوعامر.
من جهة أخرى، يرى الباحث الفلسطيني أن حركة "حماس" لا تفضّل وصول غانتس لرئاسة الحكومة، لأنه يتبنى بقوة خيار الذهاب لعملية عسكرية واسعة ضد القطاع، وإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة ولو كان ذلك على ظهر دبابة، ليكون ذلك مقدمة لاستئناف المفاوضات معها.
ويقول أبوعامر: "سلوك غانتس بالنسبة لحركة حماس، يبدو أنه سيكون مرهقاً للحركة على اعتبار أنها حكومة جديدة وربما تعيد النظر بتفاهمات التهدئة التي أبرمتها حكومة نتنياهو مع الفصائل الفلسطينية، الأمر الذي سيدخل الوضع الاقتصادي والمعيشي في غزة بحالة من التدهور المتواصل".
وتوصلت الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، نهاية 2018، عبر وسطاء من مصر وقطر والأمم المتحدة، إلى تفاهمات تقضي بتخفيف الحصار عن القطاع، مقابل وقف الاحتجاجات الفلسطينية قرب الحدود.
لكن الحكومة الإسرائيلية -بحسب الفلسطينيين- لم تلتزم بشروط التهدئة، ولم تخفف الحصار عن القطاع.
رؤية غير واضحة
من جانبه، يرى مؤمن مقداد، المختص في الشأن الإسرائيلي، أن رؤية غانتس بخصوص غزة "غير واضحة".
ومفسراً ذلك: "هو رجل عسكري سابق، ولم يدخل الحياة السياسية من قبل، لذلك فإن رؤيته السياسية بالتعامل مع ملف غزة حتى الآن غير واضحة بشكل كامل".
ويضيف: "في حال طبّق غانتس وعوده الانتخابية فإنه سيشدد الخناق على غزة، ويمنع دخول الأموال والوقود القطري إليها، وسيحاول القضاء على حكم حماس وإعادة السلطة الفلسطينية للقطاع".
وتوقع مقداد أن يخلّ غانتس بكافة التفاهمات التي أبرمها نتنياهو مع الفصائل بغزة، حتى يثبّت حكمه ويوحي للناخبين بأنه طبّق وعوده.
واستبعد المختص بالشأن الإسرائيلي أن يذهب غانتس إلى حرب شاملة ضد غزة، في بداية حكمه، لأن ذلك قد يتسبب بانهيار حكومته الجديدة.
إلا أنه يرى أن الجنرال الإسرائيلي سيشن هجوماً واسعاً على غزة، بناءً على ردة فعل الفصائل الفلسطينية المسلحة على تشديده لإجراءات الحصار، ووقف دخول الأموال والوقود للقطاع.
ويشير إلى أن حركة حماس والفصائل الفلسطينية ترغب ببقاء نتنياهو في رئاسة الحكومة، لأنها تفهم سياسته جيداً بناءً على تجربتها الطويلة معه.
ويقول المختص في الشأن الإسرائيلي: "نتنياهو دخل في حرب مع فصائل المقاومة الفلسطينية ويدرك قوتها، لذلك لن يدخل بمواجهة جديدة إلا إذا كانت الخيار الأخير، وهذه نقطة تفوق للمقاومة".
وشنت إسرائيل خلال السنوات الماضية، ثلاث حروب على غزة: أولها عام 2008، والثانية نهاية 2012، والثالثة عام 2014، نجم عنها مئات القتلى والجرحى، وتدمير آلاف الوحدات السكنية.
لا يوجد اختلاف
في السياق ذاته، لا يتوقع إبراهيم أبوجابر، مدير مركز الدراسات المعاصرة في مدينة أم الفحم (شمال إسرائيل)، أن يكون هناك اختلافات في سياسة نتنياهو وغانتس بالتعامل مع ملف غزة.
ويقول أبوجابر للأناضول: "أحد أهم بنود الدعاية الانتخابية للطرفين كانت تنفيذ حملة عسكرية مدمرة على قطاع غزة، وهذا الأمر قد يطبق على أرض الواقع سواء من قبل نتنياهو أو غانتس وذلك بهدف إرضاء الناخبين الذين صوتوا لحزب الليكود أو ائتلاف أزرق أبيض".
ويضيف: "هناك أصوات قوية داخل حزب الليكود والمجتمع الإسرائيلي بشكل عام تنادي بالرد الحازم على الصواريخ التي تنطلق من غزة، وغانتس وعد ناخبيه بعملية عسكرية ضد القطاع لذلك فإن احتمالات شن مثل هذه العملية كبيرة".
ويرى أبوجابر أنه قد يكون هناك اختلافات محدودة بين نتنياهو وغانتس، أبرزها أن الأخير ربما يفتح باب مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية، أما نتنياهو فسيعمل على ضم غور الأردن، و75% من مناطق (ج) بالضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية وفرض القانون المدني الإسرائيلي عليها.
وشرع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، الأحد، بمشاوراته مع الأحزاب الإسرائيلية، قبل إعلانه اسم المكلف بتشكيل الحكومة كما جرت العادة.
وأسفرت الانتخابات الأخيرة عن نيل تحالف "أزرق-أبيض" (33 مقعداً من أصل 120)، يليه "الليكود" (31 مقعداً)، ثم "القائمة العربية المشتركة" (13 مقعداً)، حسب نتائج رسمية شبه نهائية.
ويتشبث نتنياهو بتشكيل الحكومة على أمل سن قوانين توفر له الحصانة من المحاكمة في 3 ملفات فساد يواجه فيها تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ويتوقع أن تبدأ محاكمته فيها بعد جلسة استماع أوائل أكتوبر/تشرين الأول المقبل.