نشر مركز ستراتفور الأمريكي للدراسات الأمنية والاستراتيجية، تقريراً حول توقعاته للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خلال الربع الرابع لعام 2019، وكان هذا أبرز ما فيه:
حافة الهاوية في الخليج
بعدما أوقف هجومٌ تم باستخدام الطائرات دون طيار والصواريخ 5% من إمدادات النفط العالمية، أظهرت إيران تهديداً عالي المصداقية لمنتجي الطاقة الإقليميين والاقتصاد العالمي ككل. وفي الوقت نفسه، وعقب صيفٍ من الهجمات السافرة على ناقلات النفط، كشفت إيران تحفُّظ ترامب الشديد على الدخول في حربٍ فوضوية أخرى بالشرق الأوسط، وكشفت كذلك مدى ضعف دول المواجهة الخليجية العربية في وجه الرد الإيراني خلال أي مواجهة عسكرية.
علاوة على ذلك، وفي ظل التباطؤ الصناعي الأوسع نطاقاً، والضغوط التي تفرضها عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وحالة عدم الغموض الناشئة عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على الاقتصاد العالمي، سيواصل أصحاب المصلحة الأوروبيون والآسيويون في الخليج تفضيل الوساطة مع إيران على المواجهة معها.
ومن ثَمَّ، يمكن الثقة بدرجة معقولة في أنَّه حتى حالات التصعيد الحاد ستقود إلى تهدئة سريعة تساعد فيها مجموعة من الوسطاء على مقايضة تهدئة التوترات في الخليج، ووقف الأنشطة النووية بتخفيف العقوبات. وسيحاول البيت الأبيض استنفاد خياراته غير العسكرية في التعامل مع إيران. لكنَّ طهران أيضاً على الأرجح وضعت في حسبانها تكلفة أي صراع محدود مع الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين، عند تخطيطها لهجماتها وتهديداتها.
في المدى القريب، ستكون السعودية قادرةً على اللجوء لطاقتها الفائضة من أجل تغطية النقص في الإمدادات، وتخفيف تعطُّل الإمدادات لأسواق الطاقة. كذلك أدَّى تراجع الطلب الناتج عن ظروف التباطؤ الاقتصادي بشكل عام إلى تخفيف جزء كبير من التأثير الناجم عن أهم هجوم على إمدادات الطاقة الخليجية في التاريخ.
أما وقد قلنا هذا، فلا يمكن للسعودية ودول الخليج الأخرى استبعاد وقوع هجمات إضافية على مراكز الطاقة الحيوية، بما قد يقود إلى تعطُّلات أطول في وقتٍ تقلَّص فيه الفائض السعودي، فيما تعمل المملكة على إصلاح الضرر في منشآت النفط في بقيق وهجرة خريص. وفي حال وقوع تصعيد ولحق مزيد من الضرر بالبنية التحتية في الخليج، فسيتعثَّر التنسيق الرامي لإدارة إمدادات النفط العالمية في مواجهة تراجع الطلب واستمرار إنتاج النفط الصخري الأمريكي بين منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" والمنتجين من خارج أوبك.
المواجهة مع إيران.. على كف عفريت
حتى تظهر إيران حزمها وتُوجِد أوراق ضغط يمكنها استخدامها في المفاوضات المستقبلية، فإنَّها ستخاطر بنشوب صراعٍ عسكري مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، في ظلّ اشتداد العقوبات الأمريكية.
وستستكشف كلٌّ من إيران والولايات المتحدة إمكانية إجراء محادثات تمهيدية في هذا الربع، في ظل سعيهما لزيادة أفضلية كلٍّ منهما والحفاظ عليها قبيل أي جلوسٍ للتفاوض. بالنسبة للولايات المتحدة، يعني هذا تشديد العقوبات واستخدام عقوبات هجومية أقل مثل الهجمات الإلكترونية، رداً على التهديدات الإيرانية.
وستتخذ إيران خطوات تصاعدية تدريجية –وليست مبالغاً فيها- بشأن أنشطتها النووية، وتزيد دعمها لوكلائها الإقليميين، وتواصل تهديد السفن وأصول الطاقة في الخليج. ستزيد أنشطة طهران خطر حدوث رد عسكري أمريكي، لكنَّ الرئيس دونالد ترامب سيظل متردداً في إشعال صراع كبير بالشرق الأوسط في الفترة السابقة على انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2020، وهو التحفُّظ الذي تتشاطره إيران معه، بسبب ظروفها السياسية الداخلية.
وسيُشجع الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الدول الإقليمية التي تخشى أن تعلق في إطلاق النيران بين الجانبين مثل عُمان والكويت، الولايات المتحدة وإيران على خفض التصعيد في مواجهتهما، وطرح مخرج في حال تصاعُد الأعمال العدائية.
وستنظر الولايات المتحدة كذلك في إمكانية إجراء مباحثات وتوسيع نطاق عروض "النفط مقابل الغذاء" المحدودة، لكبح مزيد من العدوانية الإيرانية، لكنَّ المفاوضات المباشرة لن تبدأ في هذا الربع. ولمعرفة المزيد بشأن استراتيجية إيران في مواجهة الولايات المتحدة، ألقوا نظرة على هذا التقييم.
إسرائيل ستصعِّد حربَها وتذكي الصراع الإقليمي
على الرغم من الاضطرابات السياسية الداخلية، ستُواصل إسرائيل ضرب الأهداف الإيرانية وحلفاء إيران في أرجاء المنطقة، لاسيما في سوريا والعراق ولبنان. وستُعرِّض الضربات إسرائيل لخطر الانتقام من جانب القوى الوكيلة لإيران. وستزعزع كذلك الاستقرار في الدولتين اللبنانية والعراقية الهَشَّتين بالفعل، وتُعزِّز القوى الداخلية العراقية الراغبة في مغادرة الولايات المتحدة للبلاد.
ستحسب إسرائيل أنَّ واشنطن ستدعم حملتها، لكنَّ الدعم قد يتراجع إذا ما هدّد بجرِّ الولايات المتحدة لحربٍ مع إيران. ومع ظهور حكومة إسرائيلية جديدة، سيظل احتواء إيران هي قضية السياسة الخارجية الأهم للبلاد، ولو أنَّ نهجها تجاه التهديدات الأمنية في الساحات اللبنانية أو السورية أو العراقية أو الوكلاء اليمنيين قد يتطور. والتحليل الآتي لمركز ستراتفور يختبر الدور الذي قد يضطلع به العراق في صراع الشرق الأوسط المقبل.
الجبهة الجنوبية تحتدم في اليمن
وفي اليمن، ستنتشر التصدعات داخل التحالف الذي تقوده السعودية، والمنخرط في الهجوم على الحوثيين، في ظل إضعاف الانسحاب الإماراتي الجزئي من الجبهات قدرة التحالف على التركيز على التهديد الذي تفرضه الحركة المتمردة.
وفي غضون ذلك، سيتحرك المجلس الانتقالي الجنوبي الحليف صورياً ضد إدارة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المدعومة من الأمم المتحدة، مُطالِباً بحكمٍ ذاتي أوسع وضمانات سياسية، في مسعاه طويل الأمد لاستعادة استقلال اليمن الجنوبي.
وسيؤدي تقلُّص الضغط المتضافر على الحوثيين إلى منحهم متسعاً لمواصلة مهاجمة الأهداف الاستراتيجية السعودية، فيما سيمنح مزيدٌ من التقاتل داخل التحالف الجهاديين في الجنوب فرصة أكبر للانتعاش. وعلى الرغم من الضغوط لدى التحالف المناهض للحوثيين، لن يؤثر التباين الإماراتي السعودي في اليمن على اصطفافهم في ساحات أخرى. واقرأوا هنا المزيد بشأن تداعيات حملة جنوب اليمن للاستقلال من جديد.
سعي تركيا لتحقيق توازن شمالي سوريا
سيتحدَّى النظام السوري والروس الخطط التركية شمال غربي سوريا، وتواجه رغبات أنقرة شمال شرقي سوريا بالفعل معارضة الولايات المتحدة. في الشمال الغربي، ستسعى تركيا لاتخاذ تدابير تحفظ ماء الوجه، في ظل تقلُّص نفوذها باطراد في إدلب، فيما يُهدِّد هجومٌ سوري متقطع مدعوم من روسيا وإيران بإشعال أزمة دبلوماسية كبرى بين تركيا وروسيا.
وفي شمال شرق سوريا، ستضغط تركيا على الولايات المتحدة لإقامة منطقة عازلة أكبر ضد قوات سوريا الديمقراطية الحليفة للولايات المتحدة، لكنَّها لن تخاطر بحدوث أزمة ثانية مع الولايات المتحدة. وحاجة تركيا لشحذ المشاعر القومية، في ظلِّ التهديد الذي يفرضه الاقتصاد الراكد على حزب العدالة والتنمية، ستستمر في التأثير على تحركات أنقرة في سوريا.
وربما سيؤدي ضعف الليرة، والاقتصاد المُعرَّض للصدمات الداخلية في تسريع انقسام جديد داخل حزب العدالة والتنمية، وبروز نجم حزب جديد منافس. وفي سعيه للإبقاء على تماسك الحزب سيحقق حزب العدالة والتنمية أقصى إمكاناته المؤسسية لتجنُّب حدوث مزيد من الانشقاقات نحو حزب وليد منافس في هذا الربع.
الاقتصاد السعودي سيعاني أكثر
مثل دول الخليج الأخرى التي تعاني في ظل تراجع أسعار النفط، ستصيغ السعودية ميزانية لعام 2020، تشهد زيادةً في الإنفاق، بعد سنةٍ صعبة قضتها في محاولة تقليص عجز ميزانيتها.
وستكثف المملكة كذلك استعداداتها من أجل عملية الطرح العام الأوليّ المحدودة لعملاق الطاقة المملوك للدولة، شركة أرامكو السعودية، من أجل توفير رأس مال بغرض تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط.
لكنَّ قلق المستثمرين بشأن أمن الشركة عقب هجمات 14 سبتمبر/أيلول الضخمة على منشآت بقيق وهجرة خريص سيؤخِّر تلك الجهود. وبالنظر إلى العوائق السياسية لإدراج أسهم الشركة بالخارج، مثل متطلبات الشفافية المعلقة بالقضايا الحساسة مثل ماليات أرامكو واحتياطيات المملكة من الطاقة، ستقوم الرياض باستعدادات لإدراج 1% من أسهم عملاق النفط في بورصة "تداول" المحلية بنهاية العام.
وفي حين أنَّها ستبحث عملية الإدراج مع البنوك، فإنَّها ستؤجل عملية الطرح العام الأولي الدولية في هذا الربع.
الجزائر وتونس وليبيا
في الجزائر، سيدفع الجيش باتجاه إجراء الانتخابات بنهاية العام، قبل أن تستعد المعارضة الجريئة لها، الأمر الذي يؤدي إلى مزيدٍ من احتجاجات الشارع.
وفي تونس المجاورة، ستصيغ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حكومة ائتلافية جديدة غير مُجرَّبة، ستفشل في حلّ المشكلات الاقتصادية الهيكلية التي تلوح في أفق البلاد.
وسيعاني هجوم حفتر على طرابلس لتحقيق أي مكاسب، وسيفشل في ذلك؛ لأنَّ الدعم الإماراتي والمصري والسعودي والفرنسي لخليفة حفتر لن يكفي لتعزيز القوة البشرية المحدودة لقواته. وفي الوقت نفسه، سيظل إنتاج النفط الليبي متقلباً في هذا الربع.