أعلن الرئيس الجزائري المؤقت، عبدالقادر بن صالح، مؤخراً، أنَّ الانتخابات الرئاسية سَتُعقد في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل. يُعد هذا الإعلان أحدث تطور في عام الدراما السياسية، التي بدأت في فبراير/شباط وأدَّت إلى استقالة عبدالعزيز بوتفليقة، الذي حكم البلاد على مدار فترة طويلة، في أبريل/نيسان.
لكن المحتجين، الراغبين في مزيد من الإصلاحات، استمرّوا في النزول إلى الشوارع، وكانت المعركة على مستقبل البلاد محتدمة بوجهٍ خاص على مواقع التواصل الاجتماعي، التي غُمرت بالمعلومات المُضلّلة والأخبار الكاذبة.
ماذا يحدث بالضبط في الجزائر؟
ما حدث أن الاضطرابات الشعبية أخذت النظام الجزائري على حين غرة، تقول دالية غانم، باحثة مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: "لم نشهد هذا النوع من الاحتجاجات منذ التسعينيات" .
ووفقاً لمنظمة "NetBlocks"، المتخصّصة في مراقبة حرية الإنترنت في أنحاء العالم، عُطِّلت إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت في أجزاء عديدة من البلاد، وذلك في محاولة للسيطرة على انتشار المعلومات بشأن الاحتجاجات وحشد المحتجين.
تحت ضغط الاحتجاجات المتواصلة، استقال بوتفليقة من منصبه في نهاية المطاف في أبريل/نيسان، لكن هذا القرار لم يكن كافياً لإخماد غضب المتظاهرين من عُصبة الجنرالات ورجال الأعمال وساسة الحزب الحاكم المحيطين بالرئيس على مدار سنوات، والمعروفة باسم "le pouvoir" أو "السلطة" .
يقول رؤوف فرّاح، أحد مؤسسي مجموعة "الشباب المناضل"، إحدى الحركات المشاركة في الاحتجاجات لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC): "بدأت بعد ذلك مرحلة ثانية من الحرب السيبرانية. يزعم فرّاح أنَّ معارضي المُحتجّين يواجهون الاحتجاجات "باستخدام المُتصيّدين على الإنترنت، والأخبار الكاذبة، والمعلومات الخاطئة، والحسابات الوهمية" .
ما هو "الذباب الإلكتروني"؟
يستخدم المتظاهرون مصطلح "الذباب الإلكتروني" -المعروف أيضاً باللجان الإلكترونية- لوصف حسابات إلكترونية موجَّهة، على غرار حسابات المُتصيّدين، من شأنها أن تضخّ رسائل مؤيدة، سواء للحكومة أو المؤسسة السياسية.
كُتبت العديد من شعارات الاحتجاجات الجزائرية عن هذا الذباب الإلكتروني، وأفادت وسائل الإعلام المحلية عن أنشطته.
وكانت صفحة الفيسبوك الخاصة بمجموعة الشباب المناضل واحدة من أهدافهم العديدة. يقول فرّاح: "سترى المُتصيّدون يكتبون تعليقات سلبية على صفحتنا، وينعتون الحركة بكل مُسمّى ممكن" .
ويضيف أنَّ الحسابات والصفحات الإلكترونية المستخدمة من جانب هذا "الذباب الإلكتروني" غالباً ما تشترك في عدد من السمات المميزة للنشاط المُنسَّق، من بينها أنَّها أُنشئت بعد بدء الاحتجاجات، يوجد في قائمة الأصدقاء أقل من 100 شخص، وتميل إلى تكرار نفس التعليقات عبر عدد من المنشورات.
تقول كارولين لامبولي، من فريق مؤسسة "BBC Monitoring" التابعة لشبكة "BBC" البريطانية، والمعنية بتحليل "الذباب الإلكتروني": "إنَّهم يُحدثون فقط هذه الضوضاء المزعجة، ويحاولون تحويل اتجاه النقاش لخلق نوع من التشويش فحسب" .
حدَّد برنامج "BBC Trending" عدداً من الحسابات الإلكترونية، التي تتناسب مع هذا النمط من السلوك، لكن لا يتّضح ما إذا كان الأشخاص الذين يديرون هذه الحسابات يعملون من تلقاء أنفسهم، أم أنَّهم جزء من حملة مُنظّمة.
علامَ يُركِّز الذباب الإلكتروني؟
يبدو أنَّ تعليقات ومنشورات "الذباب الإلكتروني" تُركِّز على عددٍ صغير من الموضوعات، معظمها يهدف إلى تقويض حركة الاحتجاج.
يتمثَّل الموضوع الأول في "نشر نظرية المؤامرة". تقول كارولين: "هذه فكرة مفادها أنَّ هناك رعاية أجنبية وراء الاحتجاجات، التي تدفعها قوى خارجية أو تدعمها بطريقة أو بأخرى"، مشيرة إلى أنَّ فرنسا، بصفتها القوة الاستعمارية السابقة للجزائر، غالباً ما تكون "كبش فداء سهلاً" في هذا السياق.
تشير العديد من التعليقات الأخرى، التي ينشرها "الذباب الإلكتروني" إلى أنَّه لا يزال هناك دعم شعبي واسع النطاق لبوتفليقة والجيش.
تقول كارولين: "أحياناً تُنشر أشياء غريبة حقاً، مثل نسخ عبارة "يحيا الجيش" ولصقها 12 مرة في رسالة واحدة. ومن ثمَّ، هذا لا يبدو سلوكاً بشرياً طبيعياً" .
في حين، تلعب رسائل أخرى على وتر التوترات بين مختلف الجماعات العرقية في الجزائر.
ماذا عن الأخبار الكاذبة؟
في نفس وقت ظهور الذباب الإلكتروني برزت مجموعة كبيرة من القصص الإخبارية الكاذبة على الإنترنت، وانتشرت بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول عمر الغازي، أستاذ مساعد في قسم الإعلام والاتصالات بكلية لندن للاقتصاد، "أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة صراع بين المحتجين والسلطات، لأنَّ الكثير من الجزائريين يستقون معلوماتهم بشكل أساسي من موقع فيسبوك" .
وسط هذا المناخ من عدم اليقين السياسي، أُنشئت صفحة على فيسبوك لفضح الأخبار الكاذبة عن الجزائر، وحملت هذه الصفحة اسم "Fake News DZ" . وتجدر الإشارة إلى أنَّ dz هو رمز نطاق المستوى الأعلى لتصفح الإنترنت في دولة الجزائر.
يقول ناسيم، أحد منشئي الصفحة: "عندما بدأت الاحتجاجات، رأيت أنا وبعض من أصدقائي زيادةً في عدد الأخبار الكاذبة المنشورة" .
ناسيم هو مواطن جزائري مُتخصّص في تكنولوجيا المعلومات ومقره باريس. وعلى الرغم من افتقاره إلى التدريب الصحفي، يقول إنَّ كشف الأخبار الكاذبة في وقت فراغه قد يكون مهمة سهلة نسبياً، بنفس قدر البحث على موقع جوجل" .
أعلنت صفحة Fake News DZ منذ إنشائها في أبريل/نيسان، أنَّها كشفت أكثر من 300 قصة إخبارية مفبركة، كان العديد من تلك القصص المفبركة مناهضاً للاحتجاجات، من بينها تقارير تفيد بأنَّ الاحتجاجات لم تعد ضرورية، وأنَّ الجزائر تزدهر بعد رحيل الرئيس.
يوضح ناسيم أنَّ معظم الأخبار السياسية الكاذبة تأتي من الجانب المناهض للاحتجاجات، أو يبدو أنَّها مُصمَّمة "لخلق بعض الانقسامات بين صفوف المحتجين" . ومع ذلك، تشير قصص أخرى إلى أنَّ بعض مؤيدي الاحتجاج نشروا أيضاً تكتيكات تضليل.
قال ناسيم لبرنامج "BBC Trending" إنَّه "خلال فصل الصيف، حيث كانت الاحتجاجات أقل كثافة، شاهدنا بعض الأشخاص ينشرون صوراً للاحتجاجات قائلين: "هذا ما حدث اليوم"، لكنها في واقع الأمر كانت صوراً قديمة لاحتجاجات قديمة" .
ماذا يجني الجزائريون من كل هذا؟
أدان عدد من السياسيين المعارضين استخدام الأخبار الكاذبة والذباب الإلكتروني ضد حركة الاحتجاج، مما يشير إلى أنَّ المؤسسة السياسية قد تكون مسؤولة عن مثل هذه التكتيكات.
ومع ذلك، لا يوجد دليل قاطع يشير إلى تورُّط الحكومة أو الجيش بصورة مباشرة في أي حملة تشويه أو تضليل. ومن جانبها، لم تردّ السفارة الجزائرية في المملكة المتحدة أو وزارة الاتصال الجزائرية على طلبات شبكة "BBC" من أجل التعليق على هذه القصة.
اتهم سياسيو الحزب الحاكم في بعض الأحيان وسائل الإعلام الجزائرية بالتورّط في "محاولات ممارسة تضليل إعلامي" خاصة بها. تحتل الجزائر حالياً المرتبة 141 في مؤشر حرية الصحافة على مستوى العالم، الذي تصدره سنوياً منظمة "مراسلون بلا حدود" .
وقال متحدث باسم شركة فيسبوك لبرنامج BBC Trending: "لا نريد أن تُستخدم منصتنا للتلاعب بالناس، ونحن نعمل بقوة لمكافحة نشر معلومات مضللة" .
وأشارت الشركة إلى أنَّها تحذف الصفحات والحسابات الشخصية، التي تُستخدم بطريقة مُنسّقة لنشر الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة. وقد حُذفت 2.2 مليار صفحة مزيفة خلال فترة ثلاثة أشهر في وقت سابق من هذا العام.