تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منطقة غير مفضلة على نحو معروف بين المستثمرين الأجانب، وذلك لصعوبة فهمها. هذا الافتقار إلى الفهم قد خلق علاوة مخاطرة، أو نسبة العائد الذي يطلبه المستثمر مقابل استثماره في أصل مالي تعويضاً عن المخاطر المرتبطة به، تفوق بكثير ما تحتاج إليه المنطقة، وهو ما أدى إلى عوائد أعلى للمستثمرين المطّلعين، كما تقول صحيفة Financial Times البريطانية.
اختلافات ثقافية واقتصادية
الخطأ الأول بحسب الصحيفة البريطانية، هو افتراض المستثمر الأجنبي أن تلك المنطقة، التي تشمل 20 دولة أو نحو ذلك، متماثلة ومتجانسة فيما بينها. إذ على الرغم من أن معظم سكان المنطقة يُعدون عرباً ويمتلكون سمات مشتركة –مما يتيح سوقاً أكبر- فإن الاختلافات الثقافية والاقتصادية في المنطقة كبيرة.
وفي الوقت نفسه هذه الاختلافات تخلق فرصاً لتنويع أدوات الاستثمار، فإنها تعني أيضاً، على سبيل المثال، أن الاستعانة بمحللٍ استثماري من بلاد الشام لتحليل دول الخليج لن يزيد بأي شكل من فرص خلق أو توليد القيمة عن استثمارك، أكثر من الاستعانة بشخص نشأ في بريطانيا.
سوء الفهم والتواصل
الخطأ الثاني هو سوء الفهم خلال التواصل، والذي يتسم في العالم العربي بأنه تواصل غير مباشر إلى حد ما، وغير لفظي أكثر منه في أنماط التواصل الغربي. وتتسع فجوة الاختلاف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن غيرها، لأن الأجانب غالباً ما يخلطون بين الطلاقة في اللغة، والقدرة على التوافق وتبادل المعلومات خلال الاتصالات.
فعلى سبيل المثال، خلال التحدث، بشكل عام، لا يميل العرب إلى استخدام كلمة "لا"، لكن هذا لا يعني أنهم لا يقولون "لا"، وهكذا. وقد أدى الإخفاق في إدراك هذه الفروق الدقيقة إلى القضاء على المسيرة المهنية للعديد من رجال الأعمال الأجانب في المنطقة.
يقول صباح البنعلي، وهو رجل أعمال ومحلل استثماري إماراتي: في عام 2001، كنت المؤسس الرئيس لـSaffar Capital، وهي مجموعة شركات استثمارية للأسهم الخاصة تعمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كان أول استثمار لنا، مدفوعاً إلى حد كبير بالأفكار التي سبق ذكرها، شركة إعلامية مالية. لقد كان الاستثمار ناجحاً، في المقام الأول، لأننا لم نتبنَّ أوهاماً مثل أساطير Silicon Valley التي تُستورد الآن إلى المنطقة، والتي تعيق فرص الاستثمار في الشركات الناشئة المحلية، وتدمّر قيمة الاستثمار.
الأسطورة الأولى التي تجاهلناها هي القول إننا في حاجة إلى رواد أعمال محليين. فقد قام على تأسيس استثمارنا الحالي Zawya، التي يقع مقرها في لندن، مواطنون بريطانيون من أصل عراقي. ومع ذلك، قمنا على الفور بنقل الشركة وموظفيها الخمسة العاملين بدوامٍ كامل إلى دبي، وسعينا إلى التأكد من أن مجموعتنا الاستثمارية، بما تستند إليه من معرفة عميقة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعمل على تكامل مع الفريق المؤسس لشركة Zawya.
لقد كسرنا تقليداً سائداً ثانياً عندما رفضنا السماح للمؤسسين بإدارة الشركة حين كان لديهم التحكم في الأصوات. إن الفكرة المتعلقة بإمكانية احتفاظ رواد الأعمال بنسبة أسهم كافية للتحكم في قرارات شركته موجودة في الولايات المتحدة فقط، لأن المعروض من الاستثمار يفوق الطلب بكثير. أما في معظم أنحاء العالم، فإن العكس هو السائد، وسيجد رواد الأعمال الذين يحاولون الاحتفاظ بالسيطرة على شركاتهم وتأمين تمويل خارجي لها أنه ليس ثمة إقبال كبير على هذا النهج من قبل المستثمرين المحليين.
جهات الاختصاص التي تخضع لها الشركات
يقول البنعلي، تتعلق الأسطورة الثالثة التي تجنبناها بفكرة أن يكون هدفنا حل مشكلة إقليمية، إذ تعد فكرة معيقة للشركة في حد ذاتها. ومن ثم كانت المشكلة التي سعينا لحلها عالميةً: وهي الطريقة التي كان الأجانب يستقبلون ويتفاعلون بها الأخبار والبيانات المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبدلاً من رؤية الأحداث والأخبار المتقلبة في غالب الأحيان بوصفها تحدياً يصعب مواجهته، تعاملنا معها لنستغلها بوصفها فرصة سانحة.
وتمكنا من خلال الاعتماد على منصة على الإنترنت، من تجنب العديد من المشكلات التنظيمية التي كان سيواجهها التواجد المادي من خلال مكاتب إنتاج محلية على سبيل المثال. الشركات الناشئة الأخرى مثل Maktoob (اشترتها Yahoo)، وSouq (اشترتها Amazon)، وCareem (اشترتها Uber) استخدمت أيضاً منصات رقمية للتغلب على مشكلات تعدد جهات الاختصاص التي تخضع لها الشركات في المنطقة.
دوافع تجارية وليست عاطفية
يضيف البنعلي: أما التقليد السائد الرابع الذي كسرناه فكان من خلال جعل الدوافع التجارية هي المتحكمة فينا وليست العاطفية. وما أقصده هو أنه يمكنك بالطبع أن تتحمس وتتأثر إذا تجاوز الطلب على الاستثمار العرض الذي طرحته بكثير، لكن عندما لا يكون الأمر كذلك، فعلى رائد الأعمال ألا ينقاد لعواطفه، وأن يفكر في المصلحة التجارية بالدرجة الأولى. بالإضافة إلى تركيزنا على نمو الهامش الربحي margin growth مؤشراً رئيساً للأداء، بدلاً من نمو الإيرادات revenue growth.
تجاوز الموقع الجغرافي
التقليد السائد الخامس الذي تجاوزناه هو المتعلق بالموقع الجغرافي. إذ إن رواد الأعمال ولعون بالتواجد "حيث تدور عجلة العمل". وكان هذا، في دبي في عام 2002، يعني أن تكون موجوداً في محوري "مدينة دبي للإنترنت" و "مدينة دبي للإعلام" . لكننا، بدلاً من ذلك، اخترنا أن ننشئ في ديرة، حيث الجزء القديم من مدينة دبي، بأقل من ثلث ما كان ليكلفه الإنشاء في أحد المحاور المعروفة آنذاك. كان فريقنا البحثي، الذي يشمل ثلاثة أرباع موظفي Zawya، مقيماً في بيروت، حيث يقيم عدد كبير من المحترفين ذوي التعليم العالي الذين يجمعون بين المهارات والعمل الدؤوب، ويتلقون من خلال عملهم مكاسب وفيرة ومناسبة.
التقليد السادس هو الجدول الزمني. فقد تمكن رواد الأعمال في Silicon Valley من تحقيق عوائد للمستثمرين في غضون بضع سنوات. واستغرق خروج Careem للطرح الاستثماري ست سنوات، و10 سنوات لـMaktoob و12 سنة لـSouq. أما نحن فقد استغرق الأمر منا نحو 11 سنة لإقامة Zawya، وبيعها إلى Thomson Reuters.
التغلب على نقص المعرفة والخبرة
يقول البنعلي، لقد حققنا معدل عائدٍ نقدي داخلي بنسبة 35%، وهو مقياس أداء يراقب عن كثبٍ، في Zawya على مدى تلك السنوات الإحدى عشر. لقد استثمرنا في الشركة في نوفمبر/تشرين الثاني 2001، مباشرةً بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول التي أدت إلى ارتفاع هائل في علاوة مخاطر صافي رأس مال المساهمين equity risk premium في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
أود أن أقول إننا لم نخترع شيئاً جديداً، لقد قمنا ببساطة بتنفيذٍ أفضل من منافسينا، بما في ذلك الشركات العملاقة العالمية. والتزمنا المبادئ ذاتها في عام 2004 حين شرعنا في إقامة "البنك السعودي للاستثمار" الذي بيع لاحقاً إلى Credit Suisse.
يلخص البنعلي قوله في النهاية، بأنه لا تتمثل التحديات الرئيسة التي تواجه استثمار رأس المال الـمُخاطر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في ندرة التمويل أو الموظفين الماهرين، ولكن في التغلب على نقص المعرفة والخبرة بالإقليم.