ليس في وسع المرء إلَّا أن يتساءل عن التغريدة التي قد ينشرها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، وتزيل أثر زلة اللسان الكارثية -رغم دقتها- التي وقع فيها خلال اجتماع قمة الدول الصناعية السبع في فرنسا الشهر الماضي. إذ نُقِلَ عن ترامب قوله: "أين ديكتاتوري المفضل؟"، بينما كان في انتظار الاجتماع مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. وكان هذا السؤال -بافتراض أنَّه صحيح- بمثابة تأكيدٍ للصداقة الحميمة التي تجمعه بترامب منذ مدة طويلة، لكنّه فضيحة للسيسي.
تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلي إن السيسي ربما كان ديكتاتور ترامب المفضل وصديقه المقرب، لكن ترامب سعيد الحظ لأنه ليس مواطناً مصرياً. ففي مصر، يُعتقل الناس، ويخضعون للمحاكمات، والأحكام بالسجن لقولهم أشياء مشابهة.
فضيحة أخرى للسيسي
تقول الصحيفة الإسرائيلية: نهاية الأسبوع الماضي كانت حافلةً بفضيحة أخرى بالنسبة للنظام المصري. فقبل أيام قليلة، نشر رجل الأعمال والممثل ومخرج الأفلام محمد علي، مجموعةً من الفيديوهات على حسابه في موقعي فيسبوك وتويتر؛ اتَّهم فيها السيسي وأفراداً من عائلته ومن الجيش بالفساد. وتساءل علي كيف يمكن كسب لقمة العيش في بلدٍ قادته من الفاسدين.
والشيء "الجديد الصادم" في هذه الفيديوهات هو حقيقة أنَّ علي ذكر، للمرة الأولى، أسماء الجنرالات المتورطين في الفساد، ومن ضمنهم صهر السيسي، خالد فودة. ووفقاً لعلي، تقاعد فودة من الجيش بمعاشٍ ضخم، وعُيِّن محافظاً للأقصر، وهو ما وفَّر له راتباً ضخماً آخر، وبعدها عُيِّن محافظاً لجنوب سيناء، وهو ما منحه راتباً ثالثاً.
ثم ذكر جنرالاً آخر، وهو نعيم البدراوي، الذي قاد سلاح المهندسين في الجيش. وقد عُيِّن بعد تقاعده، رئيساً تنفيذياً لمصنع أسمنت في العريش، ثم عُيِّن رئيساً تنفيذياً لشركة السعيد للمقاولات.
وكان علي نفسُه (45 عاماً)، مقاولاً فرعياً للجيش، ويدَّعي أنَّ الجيش ما يزال مديناً له بـ13.5 مليون دولار. وقد اتَّهم البدراوي بأخذ حصة 1.5% لحسابه الخاص من كل مشروع نفذه سلاح المهندسين. وأضاف أنَّ هذا السلاح استثمر مبالغ طائلة من الأموال في بناء قصور جديدة للرئيس المصري، وبيوت فارهة لأفراد أسرة السيسي.
وسرعان ما أُغلِقَ حساب علي في فيسبوك، لكن عديداً من المصريين كانوا قد تمكنوا من مشاهدة وتنزيل مقاطعه بالفعل، ونشروها في موقع يوتيوب لخلق عاصفةٍ من الاحتجاجات على الإنترنت. وهرب علي وأسرته إلى إسبانيا؛ نظراً إلى خوفهم المُبرر من القبض عليه أو إخفائه، وإدانته سريعاً من جانب القضاء.
"قنبلة عنقودية" أدت مهمتها
تصف هآرتس ما أحدثه محمد علي في الشارع المصري بأنه أشبه بـ "قنبلة عنقودية" كانت قد أدَّت مهمتها بالفعل، ولم يعد في وسع النظام تجاهل شظاياها القاتلة. إذ دعا السيسي، على عجالةٍ شديدة، إلى المؤتمر الدولي للشباب، الذي عُقد السبت الماضي، وناقش فيه "الضرر الذي يُلحقه نشر المعلومات الكاذبة بالبلاد".
وعُقِد المؤتمر السابق، الذي يتألف من "مجموعةٍ مختارة من الشباب" والساسة ورجال أعمال، في يوليو/تموز الماضي، ولم يكن يُفترض أن يُعقد مرةً أخرى قبل نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. لكن نظراً إلى الضجة التي أحدثتها اعترافات علي، قرَّر السيسي تقديم موعد المؤتمر وعقده بعد أربعة أيام من نشر الفيديوهات.
وكتب نشطاء الشبكات الاجتماعية، الذين أنشأوا هاشتاغاً خاصاً على تويتر باسم "محمد علي فضحهم"، قبل مؤتمر السبت الماضي: "نريده فقط أن يرد على اتهامات محمد علي".
وطالبت إحدى المغردات السيسي بأن "يجيب عن أسئلة علي، ويكف عن المؤتمرات التي تُصدِر التعليمات للشباب. هناك حقائق وأدلة تعارض الأكاذيب والشائعات… لمن تبني مشروعاتك هذه؟ ومن الذي تخدمه؟".
تفاعل كبير.. "إرحل يا سيسي"
وعلى حسابٍ آخر في تويتر، وصفت مغردة أخرى المصريين بالتعساء، وكتبت: "المصريون تعساء، لأنَّ العصابة تملأ بطونها التي لا تشبع. ارحل يا سيسي".
ويطالب النشطاء السيسي أيضاً بالإفراج عن "معتقلي الأمل"، وبعضهم مسجون منذ ثلاثة أشهر. إذ قُبض على 11 ناشطاً سياسيا في يونيو/حزيران الماضي، بعد مشاركتهم في مؤتمرٍ للأحزاب المعارضة. وكان الهدف من المؤتمر هو صياغة إطارٍ سياسي يُدعى "تحالف الأمل"، ليشارك في الانتخابات البرلمانية المُقرر عقدها في أواخر عام 2020.
واتُّهم المعتقلون، كما هي العادة، بالتآمر لتدمير اقتصاد البلاد ومؤسساته وبمساعدة المنظمات الإرهابية (كجماعة الإخوان المسلمين). وهي اتهامات في غاية الخطورة، وسيؤدي إثباتها على الأرجح إلى أحكامٍ مطولة بالسجن.
وكجزء من المعركة ضد أي صوت معارض، قُبِضَ الأسبوع الماضي، على ابن الصحفي مجدي شندي (16 عاماً)، ومجدي هو رئيس تحرير صحيفة المشهد الأسبوعية. ويقول والده إنَّ القبض على الابن جاء من أجل الضغط عليه ليُسلم نفسه، بعد أن فشلت قوات الأمن في العثور عليه. وقد أُغلق موقع الصحيفة في يناير/كانون الثاني الماضي ستة أشهر، وتم تغريم مالكيها 50 ألف جنيه مصري.
معركة لا تهم ترامب
لكن هذه المعركة ضد نشطاء حقوق الإنسان لا تهم إدارة ترامب، كما تقول هآرتس. إذ قال مايك بومبيو الشهر الماضي، أمام الكونغرس، إنَّ لأمريكا مصلحةً جوهرية في الحفاظ على علاقات وثيقة مع مصر.
وكان هذا الإعلان ضرورياً ليوافق الكونغرس على التصديق على إرسال المساعدات السنوية إلى مصر، والتي تصل إلى 1.3 مليار دولار. بينما من دونه، كان سيتوجب على الإدارة قطع -أو على الأقل إيقاف- إرسال 300 مليون دولار، إلى أن تُوفي مصر بالتزامها تقليل انتهاكها للديمقراطية.
ولا جدال في أنَّ مصر حليفٌ مهم للولايات المتحدة. لكن لسوء حظ مصر، فهي تفتقر إلى الموارد والقوة الاقتصادية التي تمتاز بها السعودية، والتي لا يسع أحد أن ينبس بكلمةٍ عن وضع حقوق الإنسان فيها. ولنرَ ما إذا كان ترامب يستطيع دعوة الملك سلمان أو ابنه بـ "ديكتاتوري المفضل"، تقول هآرتس.