تسابقت وسائل الإعلام المحلية بتونس في نشر أرقام لنتائج الانتخابات الرئاسية، والإعلان عن تصدُّر المرشح قيس سعيّد للتصويت ومروره إلى الدور الثاني رفقة رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي، رغم أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لم تعلن بعدُ عن النتائج النهائية، بل إن عمليات الفرز لم تكن قد بدأت بعد!
ففي مشهد يلفُّه الغموض والحيرة، دار تساؤل حول كيفية إعلان النتائج وإطلاق العنان لاحتفال الفائزين، رغم أن الجهة الرسمية المخوّل لها حصراً الإعلان عن النتائج لم تقل كلمتها بعد، ولم تصدُر أي محاضر رسمية لعمليات الفرز.
وحتى كتابة هذا التقرير، تم فرز قرابة 50% من أصوات الناخبين بشكل رسمي، طبقاً لما تعلنه الهيئة العليا للانتخابات، والتي تشير إلى تصدُّر المرشح قيس سعيّد بنسبة 18.8%، يليه نبيل القروي بنسبة 15.4%، ثم عبدالفتاح مورو بنسبة 13.2%.
السر في شركة رصد الآراء
حماسة وفرحة أنصار المرشحَين قيس سعيد ونبيل القروي بهذه النتائج وتناولها في وسائل الإعلام المحلية باعتبارها نتائج رسمية، تعود بالأساس إلى مصدر هذه الأرقام، شركة "سيغما كونساي".
هذه الشركة هي إحدى أهم شركات سبر الآراء التونسية والتي أصبحت بعد الثورة مرجعاً يُعتد به في إعلان نتائج الإنتخابات، حتى قبل الكشف عنها رسمياً من قِبل الهيئة التي تشرف على تنظيم هذا الحدث، والإعلان عن نتائجه.
ووفقاً لـ "سيغما كونساي"، فقد حلَّ المرشح قيس سعيّد أولاً بنسبة 19% من الأصوات، يليه المرشح المعتقل نبيل القروي بـ15%.
وتعود ثقة التونسيين عموماً خاصة السياسيين ووسائل الإعلام، في هذه الشركة إلى صحة أرقامها التي أكدتها الانتخابات التشريعية والرئاسية في عام 2014، إذ لم يتجاوز هامش الخطأ في أرقام "سيغماي كونساي" الـ 1% في هذا الاستحقاق.
في الانتخابات الرئاسية لعام 2014 كانت "سيغماي كونساي" أعلنت عن نتائج الدور الأول بتصدر الباجي قايد السبسي للسباق بحصد 40% من الأصوات، يليه المنصف المرزوقي في المركز الثاني بـ 33%، وهي النتائج التي أهّلتهما للدور الثاني من الانتخابات.
وبعد نحو 24 ساعة من نتائج الشركة، أعلنت هيئة الانتخابات عن النتائج النهائية التي كانت متطابقة إلى حد كبير مع أرقام "سيغما كونساي"، إذ أكد رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات آنذاك شفيق صرصار حصول السبسي على 39.46% من الأصوات، مقابل 33.43% للمرزوقي.
الثقة الكبيرة التي اكتسبها هذه الشركة منحت صاحبها ورئيسها حسن الزرقوني، هيبةً واحتراماً كبيرين، فأضحى الرجل مرجعاً لقياس توجهات رأي ومواقف التونسيين، وضيفاً على عدد من البرامج الإذاعية والتلفزية، التي تخصص جزءاً من وقتها لتحليل ما وراء الأرقام التي تعلنها شركة سيغما كونساي عنها.
لا مفاجآت متوقعة في النتائج الرسمية
وأوضح المحلل السياسي وسام حمدي أنه بعد تجارب انتخابات 2011 و2014، أثبتت شركات سبر الآراء نجاحها في تقدير النتائج الأولية للانتخابات، بهامش خطأ صغير.
كل هذه المعطيات تجعل من إعلان هذه الشركات النتائج التقديرية للانتخابات الرئاسية محل ثقة من قِبل المتابعين.
وأوضح أن الشركة لم تُصدر نتائجها باستطلاع ثقة ونوايا الناخبين، بل اعتمدت الشركات على مقاربات أكثر دقة تمكّنها من اختيار عينات تستطيع بواسطتها تقديم صورة قريبة من نتائج الانتخابات في الواقع.
وأضاف: "لا أعتقد أنه ستوجد أي مفاجآت تتعلق بأسماء المرشحين اللذين مرّا للدور الثاني، لأن ما تظهره النتائج الأولية يشير إلى فارق 3 و4 نقاط مئوية".
وأضاف أن هناك سبباً آخر يتعلق بما يسمى "الصدمة الانتخابية" في تونس، إذ كانت هذه النتائج متوقعة بناءً على استطلاعات رأي سابقة. "ربما ستكون هناك بعض التغيّرات مقارنة بما ستقدمه هيئة الانتخابات فيما يتعلق ببعض الأسماء الأخرى المتقاربة في النسب وفي عدد الأصوات فقط لا غير"، على حد تعبيره.
الفرز لا يحدث في نفس اللجان
وفي انتظار الإعلان عن النتائج الرسمية من قبل هيئة الانتخابات، تتواصل عمليات فرز الأصوات آلياً ويدوياً في 27 مركزاً موزعاً على كافة جهات البلاد.
وتتولى هذه المراكز فرز واحتساب الأصوات من اللجان الفرعية في المحافظات، قبل إرسالها إلى المركز الرئيسي للهيئة التي تعلن النتائج الأولية تباعاً، قبل الإعلان عن النتائج النهائية في حدود 24 ساعة المقبلة.
وفي هذا السياق يشير عضو الهيئة العليا للانتخابات، عادل البرينصي، إلى أن تونس تتبع توجهاً يتطابق مع المعايير الدولية في فرز وتجميع الأصوات، إذ يتم تخصيص أماكن ومساحات كبرى لهذه العمليات التي يسهر على تأمينها الجيش الوطني بمراقبة من منظمات محلية وعربية ودولية.
وأشار إلى أنه يتم تجهيز هذه المراكز في عدة محافظات من البلاد، بهدف تسهيل عمليتي فرز واحتساب الأصوات قبل إعلان الهيئة عنها رسمياً.
وأُسدل الستار على فصل من سباق الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في تونس، إذ بات من الواضح أن الطريق إلى قرطاج يمر بالضرورة عبر دور ثانٍ، سيتنافس فيه أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، ورئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي الذي ما زال يقبع بالسجن، في انتظار أن تضفي هيئة الانتخابات على هذا النتائج صبغة رسمية.