يتجه الناخبون في تونس يوم الأحد 15 سبتمبر/ أيلول 2019 للاقتراع في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، وسط ضبابية تكتنف المشهد حول هوية المترشحين الأوفر حظاً للمرور إلى الدور الثاني لاسيما مع تنامي فرضية حصول مفاجآت غير متوقعة.
ولعلّ هذه المرّة الاولى في تاريخ البلاد التي يكون التشويق سيّد الموقف في مثل هذه الاستحقاقات، فحتى الانتخابات الرئاسية عام 2014، كانت كلّ المؤشرات تفيد بوجود تنافس وتقارب بين المرشحين محمد منصف المرزوقي مرشح منظومة الترويكا الحاكمة بعد الثورة بقيادة حركة النهضة الاسلامية، والباجي قائد السبسي مرشح المنظومة القديمة، رغم أنّ كلّ التكهنات والمؤشرات تفيد بأفضلية الأخير في الفوز نظراً لتغيّر موازين القوى وقتها.
معطيات مختلفة منذ عام 2014
بيد أنّ مياه كثيرة جرت من تحت جسور المنظومة الحزبية منذ 2014 وحتى اليوم، وهو ما أدى إلى تشظي المشهد السياسي، ولاسيما حزب نداء تونس الذي كان يتزعمه الباجي قائد السبسي وانقساماته، وصعود نجم قوى وشخصيات توصف بالشعبوية، بعضها غير منتمي حزبياً، لكنه يحظى بثقة كبيرة في الشارع التونسي.
هذه الثقة مردها إلى عدم ممارسة السلطة، وهو ما خلق "توجها انتخابيا عقابيا" ضدّ المنظومة الحاكمة ورموزها وأحزابها بما في ذلك حركة النهضة التي لم تبارح الحكم منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011، ونداء تونس مع كل ما فيه من انقسامات وخلافات واتهامات بالفساد.
من المهم أيضا في هذا المضمار الاشارة إلى معطى آخر قد يكون محددا يخص الجسم الانتخابي، وهو يتعلق أساسا بتسجيل زهاء المليون ونصف ناخب جديد في قائمة من يحقّ لهم الاقتراع.
معظم هؤلاء الناخبون الجدد من الشباب الذي عاش التعثرات الاقتصادية والاجتماعية لفترة ما بعد الثورة، وكان معاصرا لـ "الأداء غير المقنع للطبقة السياسية الكلاسيكية سلطة ومعارضة".
يمثل هؤلاء قرابة خمس كتلة الناخبين، فضلا عن كون توجهاتهم الانتخابية مازالت لم تتوضح بعد، وفي أغلبيتها من فئة الشباب التي عادة ما يكون تصويتها عاطفي وحماسي بحثا عن التغيير.
زلزال سياسي
في هذا السياق يقول المدير السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، طارق الكحلاوي، في تصريح لـ "عربي بوست" إن المؤشرات الاساسية توضح أن اتجاها مهما بين الناخبين يذهب نحو "معاقبة الطبقة السياسية السائدة" وبروز شخصيات غير معروفة عموما.
وأضاف "ربما نكون على أعتاب زلزال حقيقي يوم الأحد، سيكون له اثر جدي على مجمل المشهد السياسي".
وأوضح أن صعود شخصيتين توصفان بـ "الشعبوية" سيتم بالتزامن او بشكل قريب مع الانتخابات التشريعية، احدهما يملك حزبا حديثا تشكل بسرعة للتهيؤ للانتخابات والاخر لا ينتمي لأي حزب".
وأضاف الكحلاوي أنه ربما "ستختفي غالبية الطبقة الحزبية بشخصياتها وربما احزابها، نحن ازاء قطيعة مع السائد لكن في اتجاه افق غير واضح مع شخصيات لم يقع اختبارها في السياسة او يوجد حولها كثير من الشبهات".
مفاجآت ممكنة
الكاتب الصحفي والمحلّل السياسي ابراهيم الوسلاتي، وهو مدير سابق للمرصد الوطني للشباب، يقول في تصريح لـ "عربي بوست" حول امكانية بروز حصان أسود في هذا السباق الانتخابي الرئاسي، إن المفاجأة الكبرى قد تأتي من المترشح نبيل القروي، رئيس حزب قلب تونس المتواجد في السجن منذ 23 أغسطس/ آب الماضي، إثر صدور بطاقة إيداع ضده بتهمة تبييض الأموال والتهرب الضريبي.
فالقروي الذي لم يتمكن من القيام بحملته الانتخابية، اعتبره البعض وخاصة حزبه "سجينا سياسيا"، وهو ما أكسبه تعاطفا من طرف عدة أطراف في الداخل والخارج ولدى عديد المواطنين، خاصة في الجهات التي سبق له ان زارها عندما كان يترأس الجمعية الخيرية "خليل تونس".
وأضاف "لا يمكن استبعاد مرور القروي الى الدور الثاني بالرغم من رفض القضاء إطلاق سراحه".
وأوضح الوسلاتي أن المترشّح الثاني الذي قد يحدث المفاجأة هو قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري في الجامعة التونسية الذي لا سند حزبي له، وبالرغم من قلة امكانياته المادية فقد توصل الى اقناع العديد بأطروحاته القريبة من الإسلاميين المحافظين، ويعتبر من طرف مناصريه "الرجل النظيف".
منافسة كبيرة بين 5 مترشحين
وباعتبار أهمية الاستحقاق الرئاسي فإن المنافسة ستنحصر بين 4 أو 5 مترشحين في الدور الأول، في حين أنّ الدور الثاني سيشهد دون شك تنافسا قويا بين مترشحين اثنين قد تكون حظوظهما متكافئة، وسيفوز من سيتمكن من الحصول على مساندة عدد من المترشحين الذين لم يمرا الى الدور الثاني.
سنكون امام تصويت عقابي ضد منظومة الحكم القائمة منذ 2011 وهو ما سيعتبر فشلا لها."
يشار إلى أنّ 26 شخصية تشارك في هذه الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها. و شهدت الساعات الأخيرة قبل الصمت الانتخابي انسحاب مرشح حركة مشروع تونس محسن مرزوق، ومرشح حركة الوطن الجديد سليم الرياحي، لفائدة المرشح عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الوطني في حكومة يوسف الشاهد.
ويعد الزبيدي شخصية مستقلة تحظى بدعم أحزاب أخرى على غرار نداء تونس وآفاق تونس. برز اسمه في السباق الانتخابي خاصة بعد أزمة مرض ثمّ وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي.
وهو من بين 5 شخصيات تشير جلّ عمليات سبر الآراء لتقدمها في نوايا التصويت بالاضافة إلى عبد الفتاح مورو مرشح حركة النهضة و يوسف الشاهد مرشح حركة تحيا تونس و نبيل القروي مرشح حزب قلب تونس وقيس سعيد المرشح المستقل.