تقف أشجار النخيل الخضراء الداكنة صامدةً في مواجهة الصحراء الشاسعة التي تنحدر بحدة من تلال القدس إلى نهر الأردن. وإلى الجنوب يتلألأ البحر الميت، أدنى مكان على سطح الأرض، تحت ضباب الصيف الثقيل، وعلى مسافة بضعة أميال شمالاً تحترق مدينة أريحا الفلسطينية تحت أشعة الشمس.
إذا صدق بنيامين نتنياهو سوف تجرَّد هذه الأرض، المقدسة، الاستراتيجية، الأسطورية، من انتمائها إلى دولة فلسطين. وسوف تُعلن جزءاً من إسرائيل بموجب مرسوم أحادي الجانب بضم منطقة غور الأردن، مثل تل أبيب أو مدينة إيلات المطلّة على البحر الأحمر.
قال حسين عطيات، الفلسطيني البالغ 65 عاماً لصحيفة The Guardian البريطانية: "أعتقد أن إسرائيل سوف تفعل المستحيل، العالم كله يدعمهم، فماذا يفعل الفلسطينيون؟" وأضاف: "لقد دُمرنا بالفعل؛ مالياً، وروحياً، واجتماعياً" .
العرض الدرامي لنتنياهو
وأعلن نتنياهو خطته بأسلوبه الدرامي المميز مساء الثلاثاء، 10 سبتمبر/أيلول، واقفاً أمام خريطة للضفة الغربية المحتلة، ووعد بتوسيع السيادة الإسرائيلية على مساحات شاسعة منها.
ويكافح نتنياهو من أجل بقائه السياسي قبل الانتخابات المقرر لها الثلاثاء القادم، 17 سبتمبر/أيلول، وتجاهل البعض إعلان نتنياهو ووصفوه بالحيلة الانتخابية، ولكن الفلسطينيين في وادي الأردن الذين عاشوا حياتهم لمدة نصف قرن تحت حكم عسكري لا يمتلكون رفاهية الاستخفاف بتلك الكلمات.
قال عطيات: "أنا شخص بسيط، ولكن رؤيتي لما قد يحدث أننا سوف نكون سجناء في بلدنا، ستكون حياتنا بائسة" .
في حال تنفيذ نتنياهو ما تعهَّد به، سوف يرتكب بذلك واحدةً من كبائر المحظورات في عملية السلام المحتضرة بالفعل. منذ سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية في حرب الأيام الستة عام 1967، ظلت محتفظة بالأرض تحت مظهر "الاحتلال المؤقت" .
سوف يتحول هذا الاحتلال إلى غزو عسكري متأخر، السيناريو الذي يقضي على أي أمل للفلسطينيين في إقامة دولة إلى جانب إسرائيل، بدلاً من حياتهم تحت شكل من أشكال الحكم الإسرائيلي إلى أجل غير مسمَّى دون أن تكون لهم القدرة على التصويت.
قال نتنياهو: "لم تكن لدينا هذه الفرصة منذ حرب الأيام الستة، وربما لن نحظى بها مرة أخرى خلال الخمسين عاماً التالية" .
ترامب هو المسؤول الأول
وإلى جانب حوالي 65 فلسطينياً يسكنون الوادي، يضم الوادي حوالي 11,000 مستوطن، هلّل قادتهم فوراً لخطاب رئيس الوزراء، ووصفوه بـ "الحدث التاريخي"، و "أخبار غير مسبوقة لدولة إسرائيل" .
ووُضِعَت بالفعل أساسات ذلك منذ تولّي دونالد ترامب السلطة، إذ اعترف الرئيس الأمريكي بالقدس، التي يطالب الفلسطينيون بجزء منها، عاصمة لإسرائيل. وفي وقت سابق من هذا العام اعترف أيضاً بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، الهضبة التي احتلتها القوات الإسرائيلية من سوريا في نفس الحرب عام 1967.
خطة نتنياهو الجديدة سوف تستقطع الجانب الشرقي من الضفة الغربية، وتترك البقية محاطة بالأراضي الإسرائيلية، ومع تعهّده السابق بضمِّ كل المستوطنات سوف يُحاصَر الفلسطينيون في مدن متفرقة مفككة.
يعيش عطيات في بلدة العوجا الصغيرة، على بضعة أميال قليلة شمالي أريحا، ومثل العديد من الفلسطينيين كان لاجئاً، نزح من قرية جدوده وأسلافه منذ عقود على يد القوات الإسرائيلية، وهو الآن نائب رئيس البلدية، ويجلس على مكتبه ومن خلفه صورة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
وبموجب اقتراح نتنياهو لن تنضم العوجا وأريحا إلى إسرائيل، ولكنهما سينضغطان إلى منطقة معزولة، لا تربطهما إلا ثلاثة طرق بالقرى الفلسطينية الأخرى. كان ضم هاتين البلدتين يعني الاعتراف بعشرات الآلاف من الفلسطينيين مواطنين في دولة إسرائيل، الأمر الذي يخيف الكثير من اليمينيين، الذي يخشون أن يُهدد ذلك الأغلبية اليهودية في البلاد.
قال عطيات: "من الأفضل لنا أن نعيش في دولة واحدة، يحصل فيها الجميع على نفس الحقوق" . ولكن نتنياهو أوضح أنه "لن يحصل فلسطيني واحد على الجنسية" .
ممارسات إسرائيل على الأرض
يقول بعض الفلسطينيين إنهم يعيشون فعلياً تحت "ضم ظاهري". العديد من السائحين الأجانب الذاهبين إلى البحر الميت يمرّون بحافلاتهم مباشرة عبر الأراضي الفلسطينية، دون أن يدركوا أنهم غادروا إسرائيل.
غالباً ما تكون لافتات الطرق باللغة العبرية، وتتجاهل المجتمعات الفلسطينية، وتشير إلى المستوطنات الإسرائيلية بدلاً منها، بينما تتحكم إسرائيل أيضاً في العديد من محطات الوقود والمتاجر على الطريق. وتسيطر إسرائيل على المعابر الحدودية مع الأردن، وأنشأت قواعد عسكرية ومتنزهات وطنية في الوادي.
ولعدة سنوات، صادرت إسرائيل الأراضي الزراعية من الفلسطينيين وسلّمتها للمستوطنين، وحولوا مسارات المياه عن القرى الفلسطينية وفرضوا حظراً دئماً على التنقل.
عاش إبراهيم قطيشات، مهندس زراعي، في أريحا لعقدين من الزمان. وفي العام الماضي، استأجر مزرعة كبيرة خارج أريحا لزراعة نخيل التمر. والآن، من الممكن أن تصبح أرضه فجأة داخل دولة أخرى.
وقال قطيشات: "معظم الأشخاص في هذه المنطقة مزارعون، معظمهم سيخسرون وظائفهم" .
وبالرغم من المزاعم التي تقول إن وعود نتنياهو مجرد دعاية انتخابية، بدت خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي واضحة لقطيشات. وقال: "لا يريد نتنياهو أن يرى أي فلسطيني. إذا لم يسمح للناس بالزراعة سوف يغادرون" .