كان لافتاً ردُّ الفعل السريع والعنيف من بعض الدول العربية كالسعودية والإمارات على إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن نيته ضم غور الأردن وشرق البحر الميت ومستوطنات الضفة الغربية، في حال فوزه بالانتخابات المقررة الأسبوع المقبل، فما سرُّ غرابة رد الفعل السريع والعنيف؟ وهل وعدُ نتنياهو انتخابي فقط أم أنها خطة ستنفَّذ بالفعل؟
لماذا لا يفعل نتنياهو ذلك الآن؟
لنبدأ القصة بالإجابة عن السؤال، حيث إنَّ ضم غور الأردن تحديداً رغبة إسرائيلية منذ الاستيلاء عليه عام 1967، يُجمع عليها قادة إسرائيل، وذلك لأهميته الاقتصادية والاستراتيجية، لكن تنفيذ ذلك على الأرض يعني ببساطةٍ إلغاء أي فرص للتهدئة أو مواصلة عملية السلام من الأساس.
اتفاقيات أوسلو التي وقَّعتها إسرائيل مع السلطة الفلسطينية عام 1995، سُميت "اتفاق غزة وأريحا"، ومحافظة أريحا تقع في غور الأردن، أي إن أهمية الغور أساسية بالنسبة لأي دولة فلسطينية مستقبلية، وهذا هو السبب الذي منع أي رئيس وزراء إسرائيلي من الإعلان عن ضمها من قبل.
النقطة الأخرى هي أنه لو أراد نتنياهو تنفيذ وعوده بضم غور الأردن وشمال البحر الميت إلى إسرائيل اليوم، لفعلها وهو في موقف يمكّنه من أن ينفذ ذلك في ظرف ثلاثة أيام، عن طريق تقديم مشروع قانون إلى الكنيست وبشكل محسوم سيتم تمرير القانون، فالأغلبية في إسرائيل يريدون ذلك وسيصوتون لصالحه.
خدعة انتخابية مكشوفة
ما أعلنه نتنياهو لا يعدو كونه وعداً انتخابياً يعكس مدى أهمية انتخابات الأسبوع المقبل بالنسبة له شخصياً، فعدم فوزه واحتفاظه بمنصبه يعني بنسبة كبيرة أن يكون مصيره السجن.
يائيرلابيد، أحد قادة حزب "أبيض أزرق" المنافس الرئيس لتكتل نتنياهو اليميني، انتقد تصريحات نتنياهو، وقال إنه "لا يريد ضم الأراضي التي أعلن عنها، لكنه يريد ضم الأصوات"، وأضاف: "هذه خدعة انتخابية وليست خدعة ناجحة بشكل خاص، لأن الكذبة مكشوفة للغاية".
رسائل متناقضة تعكس موقفه
اللافت أيضاً أن نتنياهو يكرر دائماً أن التطبيع مع الدول العربية، خصوصاً الدول الخليجية، يسير بشكل متسارع ويعتبر ذلك انتصاراً شخصياً له، وفي الوقت نفسه نشرت حملته الانتخابية على حسابه في "فيسبوك"، رسالة موجهة إلى الناخبين تنص على أن "العرب يريدون القضاء علينا جميعاً".
وتحث الرسالة التي ظهرت على شاشة كل من يزور صفحة نتنياهو، الناخبين على دعم حزبه "الليكود" في انتخابات الكنيست المقبلة، محذراً من خطورة تشكيل حكومة يسارية في الدولة العبرية.
هذا التناقض يعكس موقف نتنياهو ومدى أهمية الانتخابات بالنسبة له، وقد حدد جمهوره المستهدَف وهم اليمين المتطرف، لذلك من الواضح أن رسائله هذه الأيام موجهة فقط إلى تلك الشريحة من الناخبين، وليست موجهة إلى الخارج سواء عربياً أو أمريكياً أو دولياً.
ردود فعل تستدعي وقفة
المعطيات الانتخابية وراء موقف نتنياهو ليست غائبة عن الأنظمة العربية سواء في السعودية أو الإمارات أو البحرين وغيرها، فما سر ردود الفعل السريعة جداً والعنيفة بصورة لافتة، على إعلان نتنياهو؟
السعودية أعلنت إدانتها ورفضها القاطع لما أعلنه نتنياهو، ودعت إلى عقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي على مستوى وزراء الخارجية، وطلبت المملكة في بيان لها وضع خطة تحرك عاجلة وما تقتضيه من مراجعة المواقف تجاه إسرائيل بهدف مواجهة هذا الإعلان والتصدي له واتخاذ ما يلزم من إجراءات.
الموقف نفسه صدر عن البحرين والإمارات، واللافت أن علاقة الدول الثلاث مع إسرائيل شهدت تطورات ملحوظة منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كما شاركت الدول الثلاث في مؤتمر المنامة الاقتصادي، الذي شهد الإعلان عن أولى مراحل صفقة القرن.
موقف هذه الدول من إسرائيل ومشاركتها في مؤتمر المنامة والإعلان عن زيارات هنا وهناك وحركة التطبيع المتسارعة لم تتأثر بقرارين فاصلين اتخذهما ترامب: الأول نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والثاني الاعتراف بضم هضبة الجولان إلى إسرائيل.
ما أعلنه نتنياهو نفسه أمس ليس بجديد أصلاً، وكل المؤشرات تقول إن ما أعلنه -بصورة أو بأخرى- يمثل جزءاً من صفقة القرن في شقها السياسي.
إبراء للذمة أم هدية انتخابية؟
الواقع أن "مظاهرة الاستنكار السريعة والعنيفة تلك" لا يمكن تفسيرها إلا في ضوء عدد محدود من السيناريوهات، أولها هو سعي تلك الأنظمة إلى إبراء ذمتها أمام الرأي العام المحلي من تلك الخطوات، التي على الأرجح سيتم تنفيذها سواء فاز نتنياهو أو خسر، لأنها جزء من وعود ترامب الانتخابية قبل أن تكون رغبة إسرائيلية متجددة.
وفي هذا الإطار يمكن قراءة ردود الفعل تلك بصورة أخطر، وهي قرب التنفيذ الفعلي على الأرض؛ ومن ثم تستبق تلك الأنظمة رد الفعل الشعبي المتوقع، عن طريق إصدار تلك البيانات العنيفة كرد فعل على إعلان نتنياهو، الذي يدرك الجميع أنه ليس أكثر من وعود انتخابية.
السيناريو الآخر، في ضوء كل التطورات الجارية بالمنطقة، وعلى رأسها أزمة إيران مع تلك الدول، خصوصاً السعودية، هو أن تكون ردود الفعل تلك هدفها في حقيقة الأمر، إضفاء مزيد من الجدية على وعود نتنياهو الانتخابية، كمساعدة في أن تأتي "خدعته الانتخابية" أكلها ويحتفظ بمنصبه.
من يرى أن ذلك الطرح من قبيل نظرية المؤامرة، عليه أن يراجع موقف نتنياهو من إيران وكيف أنه متطابق مع الموقف السعودي على طول الخط، والمؤكد أن تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية لم تعد تمثل مشكلة بالأساس لتلك الأنظمة.