التوازنات والمصالح.. لماذا تتباين ردود الفعل الخليجية حول قمع المسلمين في كشمير وشينجيانغ؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/09/01 الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/01 الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش
محمد بن زايد يقلد رئيس وزراء الهند "وسام زايد" أرفع وسام في الدولة/ وام

تُسلط ردود الفعل الأخيرة المتعارضة تماماً حول قمع المسلمين من جانب الصين والهند ودول آسيوية أخرى، الضوءَ على الاختلافات العميقة بين دول الخليج حول ما يحدث في آسيا.

كان تباين الردود واضحاً في ردود الفعل الخليجية على إلغاء الهند الأحادي لاستقلال كشمير، وتراجُع قطر عن دعم الحملة الوحشية التي تشنُّها الصين على المسلمين الإيغور في مقاطعة شينجيانغ في شمال غربي البلاد.

هذا الاختلاف يقول الكثير عن الأساليب المختلفة منذ نحو عقد من الزمن من جانب قطر ومنتقديها الرئيسيين، الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في التعامل مع نظام عالمي جديد غير ليبرالي ناشئ، تُداس فيه حقوق الأقليات، كما يقول جيمس دورسي، الصحفي والباحث المخضرم الحائز عدة جوائز في تغطية الصراع العرقي والديني، في مقالة نشرها بموقع Lobelog الأمريكي.

المصالح الخليجية بين بكين وواشنطن

جدير بالذكر أنَّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يقودان مقاطعة دبلوماسية واقتصادية ضد قطر منذ أكثر من عامين، في محاولة فاشلة للغاية لإجبار الدولة الخليجية على تغيير سياساتها.

يقول دورسي، إن هذا الخلاف والتباعد يعكس الجهود المختلفة لدول الخليج، للمناورة في بيئة أرسلت فيها الولايات المتحدة إشارات متضاربة حول التزامها بأمن الخليج، وتسعى الصين وروسيا إلى خلخلة هيمنة الولايات المتحدة على المنطقة.

قوات أمن صينية تقمع مسلمين في منطقة شينغيانغ ذات الأغلبية الإيغورية، أرشيفية/ AFP
قوات أمن صينية تقمع مسلمين في منطقة شينغيانغ ذات الأغلبية الإيغورية، أرشيفية/ AFP

فيما قد يكون أكثر المؤشرات إثارة للدهشة للاختلافات في الخليج، بدت قطر وكأنها تراجعت في الغالب عن قبولها الضمني لحملة الصين، بما في ذلك السجن في "معسكرات إعادة التأهيل" لنحو مليون مسلم من الإيغور المسلمين.

فعلت قطر ذلك بالانسحاب من خطاب وقَّعت عليه في البداية مع عشرات الدول الأخرى، عبَّرت فيه عن دعمها لسجلِّ الصين في مجال حقوق الإنسان، على الرغم من القمع التي تُمارسه الصين في شينجيانغ.

في خطاب إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أبلغ علي المنصوري، سفير دولة قطر لدى الأمم المتحدة في جنيف، المجلسَ أنه "مع مراعاة تركيزنا على التسوية والوساطة، نعتقد أن المشاركة في تفويض الخطاب المذكور أعلاه سيُضعف أولويات سياستنا الخارجية. في هذا الصدد، نودُّ أن نحافظ على موقف محايد، ونقدِّم خدمات الوساطة والتسهيل الخاصة بنا" .

ومن بين الموقِّعين على الخطاب منتقدو قطر (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) بالإضافة إلى الكويت وعمان، الذين يشكلون جنباً إلى جنب مع دول الخليج المتناحرة جزءاً من دول مجلس التعاون الخليجي الست.

"الخنوع" لرغبات الصين

تزامن الانسحاب القطري مع تحذير أمريكي من أن الخنوع "لرغبة الصين في تقليص المزايا العسكرية الأمريكية" في الشرق الأوسط باستخدام "نفوذها الاقتصادي والإكراه" و "سرقة الملكية الفكرية واقتنائها" يمكن أن يقوض التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة.

وقال مايكل مولروي، كبير مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية المسؤول عن الخليج: "إن العديد من الاستثمارات مفيدة، لكننا نشعر بالقلق من أن المصالح الاقتصادية للبلدان قد تعميها عن الآثار السلبية لبعض الاستثمارات الصينية، بما في ذلك التأثير على التعاون الدفاعي المشترك مع الولايات المتحدة" .

السعودية أيدت حملة الصين ضد الإيغور/ رويترز
السعودية أيدت حملة الصين ضد الإيغور/ رويترز

وجاءت الخطوة القطرية أيضاً على عكس خلفية الدولة الخليجية، التي تضم أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، كونها البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يستضيف توسّعاً، بدلاً من تخفيض المنشآت والقوات الأمريكية. 

ومع ذلك، من غير المرجَّح أن تجني قطر، وهي دولة أوتوقراطية مستنيرة، مزايا القوة الناعمة الكاملة في الديمقراطيات الغربية الليبرالية، من انسحابها من الخطاب الموالي للصين، على الرغم من أن الإيغور ونشطاء حقوق الإنسان يرحبون بخطوتها.

ما الذي دفع قطر لتغيير موقفها من الإيغور؟

لم يكن من الواضح ما الذي دفع التغيير القطري عقب الحادثة التي وقعت في مطار حمد الدولي في الدوحة، الشهر الماضي، التي أدَّت إلى تسليط الضوء على حدود قدرة الصين على استعراض عضلاتها المالية والاقتصادية والسياسية، للسيطرة على تداعيات حملتها الداخلية خارج حدودها.

وكانت الحدود واضحة عندما هبط في المطار أبليكيم يوسف، وهو مسلم من الإيغور، يبلغ من العمر 53 عاماً، يطلب الحماية من الاضطهاد الصيني المحتمل، بعد نية مبدئية لترحيل يوسف إلى بكين، بناءً على طلب الصين، فتراجعت قطر عن ذلك المسار.

لكن بدلاً من منح يوسف حق اللجوء بموجب قانون اللجوء المعتمد حديثاً، وهو الأول في الخليج، منحته قطر الوقت لطلب اللجوء في مكان آخر. هذا التصرف يمثل تناقضاً حاداً مع بلدان مثل مصر، حيث قامت إما بترحيل الإيغور أو بالترحيب بهذا الاحتمال.

نتيجة لذلك، دفع انسحاب قطر إلى دقّ إسفين آخر في رفض العالم الإسلامي شبه التام لانتقاد الصين، بشأن ما يرقى إلى أقصى درجة من الاعتداء المباشر على المعتقد في التاريخ الحديث.

خيارات صعبة مقابل موازنة العلاقات مع الصين

يقول دورسي، إن تركيا حليفة قطر في نزاعها مع دول الخليج، وكذلك جمهوريات آسيا الوسطى التركية، يتخذون مساراً صعباً، في محاولة لموازنة العلاقات مع الصين، وانتقاد الرأي العام المحلي للسياسة الصينية في شينجيانغ.

وقامت كازاخستان هذا الشهر بإسكات ناشط حقوقي كازاخستاني محتجز من أصول الإيغور، بإجباره على الإقرار بتهمة خطاب الكراهية والتخلي عن نشاطه وانتقاده العلني للصين في مقابل تأمين حريته.

ويرى دورسي أن الانسحاب القطري سيؤدي إلى تعقيد تصرفات التوازن التي تنتهجها تركيا وآسيا الوسطى، ويعزز موقف الولايات المتحدة المتورطة في نزاعات تجارية متعددة مع الصين.

الانسحاب وانتقاد الولايات المتحدة للسياسة الصينية في شينجيانغ وضع الدول الإسلامية في موقف حرج، بشأن الأسباب الإسلامية التي دفعتها لتبني هذه السياسة.

أزمة كشمير.. لم يختلف الخذلان كثيراً

على عكس قطر، لم تحافظ دولة الإمارات العربية المتحدة على دعمها للصين فحسب، بل تجاهلت إلى جانب المملكة العربية السعودية والبحرين طلبات لدعم باكستان في كشمير، حليفها المسلم منذ أمد طويل في كشمير.

ومما زاد الطين بلة، أن دول الخليج الثلاث تكافئ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على إلغاء الحكم الذاتي في كشمير، وفرض إجراءات أمنية قمعية غير مسبوقة.

سافر مودي، الأسبوع الماضي، إلى الإمارات العربية المتحدة لتسلُّم أعلى وسام مدني في البلاد، وكذلك إلى البحرين، في أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي إلى هذا البلد.

وفي الوقت نفسه، أعلنت شركة النفط الوطنية السعودية أرامكو عن استثمار بقيمة 15 مليار دولار أمريكي في شركة نفط هندية، بينما كان مودي يشدد قبضته على كشمير ويعزلها عن العالم.

من جانبها، ظلَّت قطر صامتةً إلى حدِّ كبير بشأن كشمير، حيث نصحت رعاياها بمغادرة المنطقة.

يقول دروسي، إذا كانت الاختلافات في السياسة في الخليج تقول أي شيء، فإنها تشير إلى أن الخلافات بين خصوم المنطقة، وكذلك في الشرق الأوسط الكبير، من المرجح أن تتعمق بدلاً من أن تهدأ.

خلصت دراسة أجرتها مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في العام الماضي، إلى أنَّ الصراع في المنطقة كان يغذِّيه "ندرة قنوات الاتصال الإقليمية وآليات فضِّ النزاعات وقواعد الحرب، وكذلك فائض واردات الأسلحة" . هناك القليل في الأفق يشير إلى أن هذا الوضع على وشك أن يتغير في أي وقت قريب.

تحميل المزيد