اتهمت الحكومة اليمنية الإمارات العربية المتحدة بقصف قواتها الخميس 29 أغسطس/آب أثناء محاولتها استعادة مدينة عدن الجنوبية من الانفصاليين المدعومين من الإمارات.
قُتل في الغارات الإماراتية صبيحة الخميس 25 جندياً وأصيب 150 على الأقل، حسبما أفاد قائد تابع للحكومة في تصريح عبر الهاتف من مشهد الهجوم لصحيفة New York Times الأمريكية. وأضاف أن الطائرات قصفت نفس الموقع قبل 14 ساعة من صبيحة الخميس غير أن تلك الغارة لم تُخلف أي إصابات.
وجاء هذا الهجوم بعد أسابيع من إخراج الانفصاليين المدعومين من الإمارات الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية من عدن، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين السعودية والإمارات، اللتان كانتا حليفتين في حرب اليمن.
"هجوم إماراتي غادر"
وقد أدان وزير الإعلام اليمني معمر العرياني الهجوم الإماراتي "الغادر" الذي قال إنه حصيلته كانت 40 جندياً ومدنياً.
وفي بيان رسمي، ذكرت وزارة الخارجية الإماراتية أن قواتها نفذت هجوماً ضد "عناصر إرهابية" رداً على إصابة عنصرين من عناصر التحالف في مطار عدن يوم الأربعاء 28 أغسطس/آب. ولم يُشر البيان بأي صورة للحكومة اليمنية، وقال إن الإماراتيين "يحتفظون بحقهم في الدفاع عن الناس".
يأتي هذا التطور كتحول مثير للارتباك في الصراع متعدد الأطراف الدائر في اليمن. حتى أسابيع قليلة مضت، كانت الإمارات تحارب اسماً إلى جوار الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وهي نفسها الحكومة التي قصفتها طائرات الإمارات يوم الخميس الماضي.
التحالف السعودي الإماراتي إلى أين؟
على نطاق أوسع، مثل الهجوم تهديداً بتصعيد توترات هادئة بين الإمارات والسعودية، وهما حليفتان إقليميتان تصرّفتا كوحدة واحدة طوال الأعوام الماضية في عدد من دول الشرق الأوسط الأكثر هشاشة بما في ذلك اليمن وليبيا والسودان.
تولت الإمارات والسعودية قيادة الحرب في اليمن منذ عام 2015، حين أرسل ولي عهد السعودية محمد بن سلمان قوات لدحر ميليشيات الحوثيين المدعومين من إيران وإخراجهم من شمال اليمن. غير أنَّ الشراكة بين البلدين شهدت توتراً غير متوقع في يوليو/تموز الماضي بعد أن سحبت الإمارات قواتها فجأة من اليمن.
هذا الانسحاب الإماراتي المفاجئ ترك للسعوديين مسؤولية جنوب اليمن، حيث تحول القتال الدائر بين أطراف يمنية متناحرة إلى حرب مفتوح. وفي بداية أغسطس/آب قام الانفصاليون المدعومون من الإمارات، الذين يقاتلون للاستقلال بجنوب اليمن، بالسيطرة على عدن وإخراج القوات الموالية للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، المقيم في السعودية.
خلاف كبير حول التفاصيل بين الدولتين
وقال خبراء إنَّ الغارات التي نفذتها الإمارات يوم الخميس لا يُحتمل أن تُسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه في العلاقة بين السعودية والإمارات.
وفي هذا الصدد قالت إليزابيث ديكينسون، المحللة في مجموعة الأزمة الدولية ومقرّها أبوظبي، لنيويورك تايمز: "ما يحدث لا يعني انفصالاً بين الإمارات والسعودية. فالتحالف بينهما يحمل أهمية كبيرة لهما. ولكن هذا لا يعني أنهما ستتفقان على طول الخط".
وتظهر الخلافات بينهما في أوضح صورها، حيث للإمارات والسعودية حلفاء مختلفون ومصالح مختلفة ووجهات نظر متباينة حول الكيفية التي سيتم بها إنهاء الصراع المدمر لليمن الذي دفع الدولة الفقيرة إلى حافة المجاعة.
وترى ديكينسون أن "الأمر الذي يحتمل أن يزداد في الفترة القادمة هو توافق في الخطوط العريضة للسياسة المتبعة في اليمن، وخلاف كبير حول التفاصيل بين الدولتين".
وكما هو الحال طوال الوقت في اليمن، تقوم المجموعات المسلحة المحلية بمعظم الأعمال القتالية على الأرض.
مَن يسيطر على عدن الآن؟
وفي يوم الأربعاء 28 أغسطس/آب، صعّدت القوات الحكومية الجهود المتضافرة لاستعادة عدن من الانفصاليين، بدءاً من استعادة مدينة زنجبار القريبة من عدن ثم الانتقال إلى الحدود المتاخمة إلى عدن.
وسرعان ما أعلنت القوات الحكومية استعادة مطار عدن، وهو المطار الذي يشكّل المدخل الرئيسي لليمن جواً، وقصر الرئاسة، الذي كانت حكومة هادي المعروفة بضعفها المفرط تعمل فيها بشكل رسمي منذ عام 2015.
غير أن الانفصاليين سرعان ما أعادوا لملمة صفوفهم في ظرف ساعات وحصلوا على إمدادات مكنتهم من استعادة اليد العليا. وبحلول يوم الأربعاء 28 أغسطس/آب استعاد الانفصاليون مطار عدن وصبيحة الخميس استعادوا مدينة زنجبار، حيث أفاد السكان المحليون بانتشار أعمال النهب لمباني الحكومة والقواعد العسكرية الخالية.
هادي يستغيث بمجلس الأمن
وفي تصريح مساء الخميس، قال عبدربه منصور هادي إن الحكومة سحبت قواتها من عدن لمنع تدمير المدينة. وحث السعودية على تحجيم الإماراتيين، الذين اتهمهم بالسعي لتقسيم اليمن، ودعا مجلس الأمن الدولي لإدانة القصف الإماراتي.
وذكرت منظمة أطباء بلا حدود التي تدير مستشفى في عدن أنها استقبلت 51 شخصاً جريحاً في غضون ساعات قليلة يوم الخميس، بينهم 10 ماتوا فور وصولهم إلى المستشفى.
وقالت كارولين سيجون، لدى منظمة أطباء بلا حدود، في تصريح من عدن: "المحافظة غارقة في فوضى عارمة". وكانت هذه هي الموجة الثالثة من المصابين الذين أدخلوا إلى المستشفى منذ أسابيع، على حد قول كارولين، وأضافت: "في هذه النقطة، من الصعب أن نعرف المجموعة التي تسيطر على أحياء عدن".
وبخلاف تلك الإصابات الفورية، لا يزال من غير الواضح مدى التوتر الذي أحدثه القتال في عدن على التحالف بين السعودية والإمارات، وهما الدولتان اللتان خاضتا معاً الحرب في اليمن منذ عام 2015، أو ما يمكن أن يعنيه هذا القتال على التوجه الأوسع للحرب الدائرة فيها.
الإماراتيون يعادون حكومة هادي
حتى وقت قريب، لعبت الدولتان دورين متباينين. وكانت الطائرات السعودية هي الرائدة في الحملة الجوية سيئة السُّمعة، التي خاضتها بقنابل أمريكية ومساعدة لوجستية حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ونتج عنها قتل آلاف المدنيين. أما الإماراتيون فقد قادوا الحملة على الأرض في جنوب اليمن، تحديداً في المناطق المحيطة بمدينة الحديدة التي تحتوي على الميناء الرئيسي.
غير أن الإماراتيين يعادون حكومة هادي، وبدأوا ينظرون إلى الانفصاليين، أو ما يُعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، على اعتبارهم حلفاء أكثر فاعلية في تحقيق أهدافهم.
وتحت الضغط الدولي المكثف، ووسط مخاوف من أن اليمن على حافة مجاعة كبرى، أوقفت الإمارات الهجوم على الحُديدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ومنذ ذلك الحين، والأمم المتحدة تحاول تنفيذ اتفاقية سلام متوقفة منذ فترة في الحديدة وتمهيد الطريق لنهاية للحرب عن طريق التفاوض.