في الماضي، أعلن الحزب الشيعي اللبناني ولاءه لإيران من خلال مقاومة إسرائيل، وإلحاق أفدح الخسائر بها. ويمُرُّ الحزب الآن بمرحلةٍ أخرى من التطوُّر. إذ تبنَّى "حزب الله" توجُّهاً لبنانياً واضحاً، لكنه لم يتخلَّ عن موقعه بوصفه قوةً إقليمية -وهو الموقع الذي اكتسبه داخل ساحات المعارك ضد إسرائيل، ومن خلال تدخُّله في سوريا، حيث يحارب بجوار نظام الأسد منذ عام 2013.
شرعية مقاومة الاحتلال دفعته للانغماس أكثر بالسلطة
يقول موقع Middle East Eye البريطاني، إن ارتباط "حزب الله" بالحياة السياسية اللبنانية لا يُمثِّل ظاهرةً جديدةً بأيّ شكلٍ من الأشكال. إذ تأسَّس في الثمانينيات رداً على الغزو الإسرائيلي للبنان، وكرَّس جهوده في البداية لمقاومة الاحتلال. وبحلول عام 1992، أخذ زمام المبادرة للمشاركة في أول انتخابات تشريعية بعد الحرب الأهلية.
وعلى مدار أكثر من عقدٍ من الزمن، كان على حزب الله أن يكتفي بالتمثيل البرلماني، الذي منحه شرعيةً شعبية. وفي الوقت ذاته، كثَّف الحزب قتاله ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي، مما أسفر في النهاية عن انسحابٍ مُهينٍ أُحادي الجانب في مايو/أيار عام 2000.
وفي عام 2005، بدأ عهدٌ جديد في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. واستجابةً للاضطرابات السياسية التي أعقبت ذلك، والتي دفعت الجيش السوري إلى الانسحاب من لبنان؛ اعتبر "حزب الله" أنَّ الوضع خطير بما يكفي لضمان مشاركته المباشرة في الهيئة التنفيذية للسلطة. وأصبح محمد فنيش، عضو الحزب، في ما بعد وزيراً حكومياً. مما منح الحزب نفوذاً أكبر في أعقاب حرب إسرائيل عام 2006.
وبعد 13 عاماً، انطلق "حزب الله" في خطوةٍ جديدة، بالإصرار على أن يكون مُشاركاً في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل لبنان بطريقةٍ عملية. إذ طلب تمثيلاً شيعياً أكبر في الحكومة، ويشمل ذلك وزارة الصحة التي تُعَدُّ واحدةً من أهم وزارات الدولة.
مُحاربة الفساد
خلال ظهورٍ تلفزيوني في فبراير/شباط، أكَّد حسن نصرالله، الأمين العام لـ"حزب الله"، على المعركة ضد تبديد المال العام. ومن أجل ذلك، شكَّل الحزب لجنةً لمكافحة الفساد برئاسة حسن فضل الله، المُكلَّف بالتعامل مع الفساد في المجالين العام والخاص.
وكادت تلك الجهود أن تتعرَّض للخطر أوائل العام الجاري حين ردَّ النائب البرلماني نواف الموسوي على أحد زملائه غاضباً، إثر اقتراح الأخير أنَّ "حزب الله" كان هو المسؤول عن انتخاب الرئيس اللبناني. وكانت حجته أنَّه من الأفضل أن يتم انتخابه بواسطة "بنادق المقاومة" بدلاً من انتخابه "فوق ظهور الدبابات الإسرائيلية"، في إشارةٍ إلى الزعيم الأسبق بشير الجميل في عام 1982.
وأحدث هذا التصريح رد فعلٍ عنيف من بعض شرائح السكان المسيحيين، الذين يعتبرون الجميل بطلاً. مما دفع محمد رعد، زعيم كتلة "حزب الله" البرلمانية، إلى إصدار اعتذارٍ رسمي. وشكَّلت تلك الخطوة تطوُّراً نادراً في المشهد السياسي اللبناني.
زيادة تمثيل الشيعة
وجاء انخراط "حزب الله" في الحياة السياسية اللبنانية مدفوعاً بحاجةٍ وُلِدَت من رحم عدم الرضا بين بعض قطاعات السكان الشيعة. وتضاعفت آثار الصعوبات الاقتصادية والضيق الاجتماعي المتزايد نتيجة خسارة الحزب لآلاف الجنود في سوريا.
ويبدو أنَّ نصرالله استشعر عدم الارتياح خلال الفترة التي سبقت انتخابات عام 2018 التشريعية، مما دفعه إلى المشاركة شخصياً بعُمق في الحملة الانتخابية. ونجح الحزب في الفوز داخل معقله ببعلبك الهرمل شرقي لبنان. لكن النتائج كانت مُخيِّبةً للأمال، بعد أن حصد حلفاء "حزب الله" أصواتاً أكثر من مُرشحي الحزب أنفسهم.
العقوبات المُشدَّدة
وتزامن استياء القاعدة الشعبية، مع تشديد عقوبات الإدارة الأمريكية الاقتصادية ضد "حزب الله" لاستنزاف موارده. وتهدف استراتيجية الحزب المُتمثِّلة في التركيز أكثر على القضايا اللبنانية الداخلية إلى تخفيف آثار الضغوطات التي تُمارسها واشنطن.
وفي وقتٍ مُبكِّر من هذا العام، أعربت إليزابيث ريتشارد، السفيرة الأمريكية في بيروت، عن مخاوفها بشأن الدور المتزايد للحزب في مجلس الوزراء اللبناني، وأوضحت: "يُواصل [حزب الله] اتِّخاذ قراراته الخاصة في ما يتعلَّق بالأمن القومي -وهي القرارات التي تُعرّض بقية البلاد للخطر. ويُواصل هذا الأمر انتهاك سياسة الانعزال الحكومية، عن طريق المشاركة في النزاع المسلح داخل ثلاثة بلدان على الأقل".
وفي السابق، تعهَّد مايك بومبيو، وزير الخارجية، بأنَّ الولايات المتحدة لن تتساهل مع "الوضع الراهن" الذي فرضه نفوذ "حزب الله" داخل لبنان.
ولا مجال لإنكار "لبننة" الحزب المُتزايدة، والتي تأتي في وقتٍ يتعرَّض خلاله لانتقادات شديدة. لكنه يهدف إلى حماية نفوذه في جميع أنحاء المنطقة، أكثر من مجرد قصر دوره داخل حدوده.