خرج الخلاف السعودي الإماراتي في اليمن عن السيطرة وتخطى مرحلة البيانات الدبلوماسية وأصبح التحالف بينهما عداء يتسم بالانفلات ولا نتحدث هنا عن تبادل اتهامات أو حرب كلامية بل حتى على المستوى العسكري، فماذا يعني ذلك بالنسبة للوضع على الأرض في اليمن المنكوب؟
ما هي آخر التطورات؟
اتهمت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمدعومة سعودياً أبوظبي بشن غارات جوية استهدفت قوات تابعة لها بالقرب من عدن، وردت الخارجية الإماراتية بأن الغارات التي قامت بها استهدفت "إرهابيين" وجاءت في إطار الدفاع عن النفس.
موقع وزارة خارجية الجمهورية اليمنية نشر بياناً قال فيه إن الحكومة "تدين القصف الجوي الإماراتي على قوات الحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن وضواحيها ومدينة زنجبار في محافظة أبين، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من المدنيين الأبرياء وفي صفوف قواتنا المسلحة الباسلة، ونحمل دولة الإمارات العربية المتحدة كامل المسؤولية عن هذا الاستهداف السافر الخارج عن القانون والأعراف الدولية".
وأضاف "تجدد (الحكومة) طلبها بأن توقف الإمارات العربية المتحدة كافة أنواع الدعم المالي والعسكري لكل التشكيلات العسكرية الخارجة عن الدولة وسلطة القانون".
وتابع "نهيب بالمملكة العربية السعودية الشقيقة وقيادتها الحكيمة كقائدة لتحالف دعم الشرعية بالوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية وإيقاف هذا التصعيد العسكري غير القانوني وغير المبرر".
وشدد البيان على أن الحكومة اليمنية "تحتفظ بحقها القانوني المكفول بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإيقاف هذا الاستهداف والتصعيد الخطير".
الرد الإماراتي جاء حاسماً وواضحاً
الخارجية الإماراتية ردت على بيان الخارجية اليمنية بالقول إن "التنظيمات الإرهابية بدأت بزيادة وتيرة هجماتها ضد قوات التحالف والمدنيين الأمر الذي أدى إلى تهديد مباشر لأمن هذه القوات مما استدعى استهداف الميليشيات الإرهابية بضربات جوية محددة، ووفقاً لقواعد الاشتباك المبنية على اتفاقية جنيف والقانون الدولي الإنساني، وذلك بتاريخ 28 و29 أغسطس 2019".
وشددت الخارجية الإماراتية أن "الدولة لن تتوانى عن حماية قوات التحالف العربي متى تطلب الأمر ذلك وتحتفظ بحق الرد والدفاع عن النفس".
وأشار البيان إلى أن الأجهزة الاستخباراتية الإماراتية رصدت خلال الأسابيع الماضية نشاطاً لخلايا إرهابية في المناطق اليمنية، مضيفة أن هذا الأمر "يهدد بشكل فعلي الجهود الكبيرة التي قام بها التحالف للقضاء على خطر الإرهاب في اليمن ويهدد كذلك جهود التصدي لميليشيات الحوثي التي تعد المستفيد الأكبر من انتشار الفوضى والتنظيمات الإرهابية".
وأعربت الخارجية عن قلقها الشديد إزاء الأوضاع والتوتر الحاصل في جنوب اليمن، داعية المجتمع الدولي إلى "التحرك لضمان عدم استغلال التنظيمات الإرهابية للوضع الراهن والعودة للساحة اليمنية بقوة لتنفيذ هجماتها الإرهابية".
شكوى الإمارات في مجلس الأمن
الخارجية اليمنية قدمت شكوى رسمية ضد الإمارات في مجلس الأمن، كما وقع أعضاء الحكومة -التي يوجد مقرها في السعودية- طلباً وجهوه للرئيس عبدربه منصور هادي بإبعاد أبوظبي عن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
اعتبر أعضاء الحكومة أنه "بات من الضروري القيام بخطوات حاسمة لإعادة ترتيب الملف اليمني والوقوف أمام ذلك بكل حزم خاصة بعد أن بانت نوايا دولة الإمارات في اليمن ووضع حد لما تقوم به".
وطالبت الحكومة الرئاسة بتوجيه رسالة رسمية إلى السعودية بطلب "إنهاء مشاركة دولة الإمارات في تحالف دعم الشرعية في اليمن كون المملكة هي من دعت الإمارات للدخول في هذا التحالف".
ماذا يعني ذلك على الأرض؟
لابد هنا أن نتوقف عند الموقف على الأرض في عدن وباقي المدن الجنوبية، حيث عقد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي أمس الخميس 29 أغسطس/آب مؤتمراً صحفياً في عدن أعلن خلاله استمرار قوات المجلس في إزالة ما وصفه بـ"التهديدات الإرهابية" في العاصمة المؤقتة عدن وعموم محافظات جنوب اليمن، في إشارة إلى الجيش اليمني.
وحسب موقع المجلس الانتقالي، قال الزبيدي خلال مؤتمر صحفي عقده، مساء اليوم في عدن: "فوجئنا بالاعتداءات على أهلنا في محافظة شبوة تحت مظلة الشرعية واستهداف قوات النخبة لإعادة التهديد الإرهابي الدولي في المنطقة".
وأضاف: "نعمل على إزالة أي تهديدات إرهابية داخل العاصمة عدن بشكل خاص والجنوب بشكل عام، وستستمر قواتنا المسلحة بمواصلة الجهود العسكرية والأمنية حتى يكون الجنوب سالماً وآمناً ومحرراً بالكامل".
الإمارات إذن حققت أهدافها على الأرض وتدخلت جوياً لمساعدة قوات المجلس الانتقالي على تأكيد سيطرتها على الأرض في عدن وشبوة، تحت ذريعة محاربة الإرهاب والمقصود هنا قوات الإصلاح التي تشكل القوام الرئيسي للجيش اليمني، وأصبح قادة الجنوب هم المسيطرون فعلياً بينما حكومة هادي لا وجود لها على الأرض في اليمن، حيث يتواجدون في السعودية.
ماذا تبقى للسعودية في اليمن؟
الموقف بالنسبة للسعودية أصبح ينذر بالخطر على كل المستويات، فالحليف الرئيسي تحول لعدو، والجنوب أصبح تحت سيطرة القوات التابعة لذلك العدو وهو الإمارات، بينما الشمال تحت قبضة العدو الآخر وهم الحوثيون، وواشنطن تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب تتصرف وفق حسابات عام الانتخابات وتريد عقد مفاوضات مباشرة مع الحوثيين بمشاركة الرياض.
جلوس السعودية على طاولة المفاوضات مع الحوثيين في ظل هذا الموقف سيكون أشبه بمفاوضات الاستسلام بين المنتصر والمهزوم في حرب طاحنة، والمهزوم هنا هو السعودية دون شك ومن ثم سيفرض الحوثيون شروطهم وغالباً ستكون واشنطن أكثر ميلاً لتحقيق شروط المنتصر للتوصل إلى اتفاق بأي شكل يسهم في إنهاء الحرب في اليمن ليستخدمه ترامب كورقة انتخابية.
وحتى تكتمل الصورة القاتمة للوضع السعودي، أصبح هناك لاعب رئيسي لا يمكن أن تنتهي الحرب في اليمن دون جلوسه على الطاولة وهو المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أسسته وسلحته ودعمته الإمارات، ما يعني أننا ربما نرى مشهداً عجيباً وهو جلوس طرفي التحالف (السعودية والإمارات) على طاولة المفاوضات في جهتين متقابلتين.