مثّل التقدم السريع للقوات الحكومية اليمنية باتجاه العاصمة المؤقتة عدن مفاجأة كبيرة للكثيرين داخل وخارج اليمن، لكن المفاجأة الأكبر كانت التراجع السريع أيضاً لهذه القوات في أعقاب ضربات جوية إماراتية، حولت دفة المعركة لصالح المجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي.
ما حدث في الأيام القليلة الماضية كان بمثابة علامة استفهام كبيرة حول وجود خلافات إماراتية سعودية، ساهمت في هذه التضاربات الواقعة في ساحة المعركة. في هذا التقرير نوضح كواليس ما حدث، وتفسير هذا التقدم والتراجع السريعين.
البداية: سيطرة الانفصاليين برعاية إماراتية
البداية كانت بسيطرة انفصاليي المجلس الانتقالي الجنوبي قبل منتصف أغسطس/آب الجاري، على معظم مفاصل الدولة في عدن، بعد معارك ضارية دامت 4 أيام ضد القوات الحكومية، سقط فيها أكثر من 40 قتيلاً، حسب منظمات حقوقية محلية ودولية.
سيطرة المجلس الانتقالي على عدن في ذلك الوقت فتحت شهيته للتمدد جهة الشرق حيث منابع النفط والغاز، وكان على وشك أن يحكم سيطرته على محافظة شبوة يوم 20 أغسطس/آب، بعد أن سيطروا قبلها على محافظة أبين.
الهجوم المضاد: القوات الحكومية تتقدم
لكن دورة القتال عادت من جديد لصالح القوات الحكومية، التي بدأت تتقدم في محافظتي شبوة وأبين.
وفي صباح الأربعاء 28 أغسطس/آب تمكنت القوات الحكومية اليمنية من السيطرة على كامل محافظة أبين، المحاذية لمدينة عدن، بعد دحر قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعومة إماراتياً.
وعقب سيطرتها على أبين، توجهت القوات الحكومية إلى مدينة عدن، وبعد ساعات، أعلنت تحريرها من المجلس الانتقالي المطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله. ووقتها أعلن وزير النقل صالح الجبواني أن المجلس الانتقالي الجنوبي انتهى إلى غير رجعة، وأن اليمن انتصر على مشروع التفكك الذي تشرف عليه الإمارات.
وبدت التطورات الأخيرة غير مفهومة، إذ سيطرت القوات الحكومية على محافظة أبين ومدينة عدن، في ظرف ساعات فقط ودون أن تندلع معارك.
صمت سعودي أعطى الضوء الأخضر للتحرك
وقال مصدر عسكري تابع للحكومة اليمنية لـ "عربي بوست" إن استعادة القوات الحكومية سيطرتها على محافظتي شبوة وأبين والعاصمة المؤقتة عدن جرت بعد تغيير في موازين القوى، وتطور الخلاف بين السعودية والإمارات.
وأضاف: "كانت القوات المدعومة من الإمارات قريبة من السيطرة على محافظة شبوة، لكن الرئيس عبدربه منصور هادي اعترض بحدة لدى السعودية التي يراها حليفه الدائم، ولذا كان رد المسؤولين في السعودية الصمت، في إشارة إلى أنه من الممكن أن تتحرك الحكومة ضد توغل الإمارات".
وقال: "شنت القوات الحكومية هجومها على القوات التي كانت تهاجم مدينة عتق، مركز محافظة شبوة، وأجبرتها على التراجع، ثم تمددت إلى كل مديريات محافظة شبوة، لتتجه نحو الغرب وسيطرت على محافظة أبين، ثم وصلت إلى عدن".
وكان تقدم القوات الحكومية مدفوعاً بدعم قبلي، لكن الخلاف السعودي الإماراتي كان الأبرز، ونقلت رويترز عن مصادر مطلعة قولها إن الملك سلمان خطا هذا الشهر في قصره بمكة خطوة غير مألوفة، فأبدى "انزعاجه الشديد" من الإمارات، أقرب الشركاء العرب للمملكة.
والمصدر المباشر للتوتر هو حرب اليمن الطاحنة. ومنذ أشهر تتزايد الاحتكاكات بسبب هذا الصراع الذي كان من المنتظر في بدايته أن يستمر بضعة أسابيع، لكنه طال لسنوات، وسقط فيه عشرات الآلاف، ولا تبدو له نهاية في الأفق.
الإمارات تعود: المجلس الانتقالي يستعيد عدن
في مساء يوم 28 أغسطس/آب، بدأت قوات المجلس الانتقالي تهاجم أجزاء من مدينة عدن في محاول لاستعادة السيطرة من القوات الحكومية التي لم تكن أحكمت السيطرة على المدينة بشكل كبير بعد.
وقبل أن تشن القوات الموالية للحكومة اليمنية هجوماً جديداً لإحكام السيطرة على مدينة عدن، العاصمة المؤقتة (جنوبي البلاد)، ظهر الخميس 29 أغسطس/آب، كانت مقاتلة إماراتية تقصف مواقع هذه القوات في منطقة دوفس الواقعة بين مدينتي عدن وأبين.
أسفرت الغارة الجوية عن مقتل وإصابة عدد كبير من الجنود والضباط بينهم مدنيين، حسبما قالت وزارة الدفاع بالحكومة اليمنية، لكن الغارة كانت قد قلبت موازين المعركة الدائرة بين القوات الحكومية وقوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات.
على الفور، انسحبت القوات الحكومية من عدن ومعظم مديريات محافظة أبين، بعد ساعات فقط من تقدمها في حي خورمكسر شرقي المدينة، في محاولة جديدة لإحكام سيطرتها على المدينة.
الإمارات لم تتخلّ عن حلفائها اليمنيين
هذا الدعم الإماراتي المباشر نسف الترجيحات التي كانت تدور ذلك الوقت لتفسير انحسار سيطرة القوات التابعة للانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، والقائل بأن أبوظبي تخلت عن القوات التي أنشأتها ودربتها ومولتها منذ منتصف 2016.
لكن مصدر حكومي قال لـ "عربي بوست"، إن الإمارات ما تزال تقف بكل ثقلها مع قوات الانتقالي، وتدعم انقلابها على الحكومة اليمنية، وإن ما حدث كان محاولة لاحتواء الموقف السعودي الذي ظهر من خلال مواقف النخبة السعودية والتغطية الشاملة لتقدم القوات الحكومية من شبوة حتى عدن.
وأضاف أن السعودية ترى الرئيس هادي وحكومته الطرف الوحيد الذي يمكن التحالف معه، على خلاف الإمارات التي تريد الدفع بتمكين حلفائها على الأرض وتقسيم البلاد.
ولما كانت القوات الحكومية على وشك أن تحكم قبضتها على مدينة عدن، تدخلت المقاتلات الإماراتية ظهر الخميس، وقصفت رتلاً من القوات كان في طريقه لتعزيز السيطرة على المواقع في عدن، وبعدها وصلت طائرات عسكرية إماراتية إلى عدن، واحدة منها تقل رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزُبيدي الذي أجرى جولة في المدينة.
الفصل الأخير: انسحاب القوات الحكومية وسط إحباط كبير
انقلبت الأحوال تماماً، إذ عادت المعنويات للقوات المدعومة من الإمارات وانهارت القوات الحكومية، وعلى الأرض فرضت الأولى سيطرتها على معظم أحياء المدينة، مقابل تراجع القوات الحكومية.
لم تنسحب القوات الحكومية من العاصمة المؤقتة عدن، بل تراجعت إلى أبين، وبعد ساعات كانت تغادر مدينة زنجبار مركز محافظة أبين، وتعرضت المرافق الحكومية على إثر الانسحاب لعمليات نهب وسلب من المسلحين.
وبحسب مصدر طبي تحدث لـ "عربي بوست"، فإن مستشفيات مدينتي زنجبار وأبين تعج بعشرات الجرحى، فيما تحدثت مصادر طبية عن مقتل 40 جندياً وإصابة العشرات، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
أما القوات الحكومية والموالية للحكومة في عدن، فقد تفككت وعاد الجنود إلى منازلهم، في الوقت الذي تشن فيه قوات الحزام الأمني عمليات مداهمات واعتقالات للأحياء التي كانت مسرحاً للقتال خلال الساعات الماضية.
كما تسببت الغارة في حالة من الإحباط لدى الموالين للحكومة اليمنية في المدينة، وقال أحد النشطاء إن الأهالي يشعرون بحالة من الحزن، خصوصاً بعد فرحة كبيرة سيطرت على المدينة يوم الأربعاء.
ردود الفعل
وحملت التطورات الجديدة تفسيراً آخر للوضع، إذ أدانت وزارة الدفاع اليمنية، الخميس، ما سمته القصف الجوي الإماراتي الذي تعرضت له قواتها في المنطقة الواقعة بين أبين وعدن، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
وحتى اللحظة لم يصدر أي تعليق من التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وتشارك فيه الإمارات.
وقال بيان مشترك صادر عن وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان، إن القصف أدى إلى "سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى بينهم مدنيون".
وطالب البيان الرئيس اليمني والسعودية بمحاسبة "المتسببين في ذلك والمستهترين بدماء اليمنيين".
ويقول وزير في الحكومة اليمنية لـ "عربي بوست"، إن ما حدث يقوّض تماماً الجهود التي دعت لها خارجيتا السعودية والإمارات في بيان مشترك لهما قبل أيام، بدعوة جميع الأطراف إلى الحوار في جدة.
وأضاف: "ما حدث هو عدوان سافر علينا".
وقال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، في تغريدات على تويتر، إن القصف الجوي يظهر عدم تقبل أبوظبي لجهود الحكومة في استعادة مؤسساتها الشرعية.
ودعا مجلس الأمن الأطراف في اليمن إلى الحفاظ على وحدة بلادهم، مشدداً على ضرورة تفعيل محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الإنسانية في اليمن.
وأبدى المجلس قلقه إزاء تدهور الأوضاع الأمنية ومحاولات السيطرة على مؤسسات الدولة جنوب البلاد، داعياً إلى التحلي بضبط النفس والحفاظ على وحدة أراضي البلاد.