يتجه الاقتصاد العالمي إلى حالة من الركود. أو على الأقل، هذا ما يخشاه خبراء اقتصاديون بعد أشهر من ظهور إشارات تحذيرية من محرك التجارة العالمية، التي شهدت حالة من التخبط خلال هذا العام. ننظر هنا في 7 مفاتيح تشير إلى أننا نتجه نحو الركود والتراجع، بعد 10 سنوات من التوسع:
1- التصعيد في الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة
قبل 18 شهراً بدأ دونالد ترامب حملته "أمريكا أولاً"، بمعركة حول انخفاض التعريفات الجمركية المفروضة على الحديد. وقد فرض الرئيس الأمريكي تعريفة على الواردات قدرها 25% على الصين ودول الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك والهند.
ومنذ ذلك الحين، ينصبّ الاهتمام بشكل كامل على الصين. إذ ألقى ترامب باللائمة عليها بالخسف بأسعار البضائع الأمريكية من خلال بخس قيمة العملة. وعقاباً لها، فرض تعريفة على استيراد مجموعة واسعة من البضائع الصينية وهدد بتوسيع نطاق العقوبات لتشمل أجهزة ألعاب الكمبيوتر وأجهزة المحمول والحواسيب المحمولة. من الصعب قياس أثر ذلك، غير أن معظم الدول أفادت بوجود حالة ركود في المشهد التجاري منذ فرض التعريفات الجمركية.
2- تباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي
ورث ترامب اقتصاداً آخذاً في الصعود، ثم دفعه دفعة مفاجئة من خصم الضريبة على الدخل والمزايا التي مُنحت للشركات. وقد دفع النمو البارز الذي تحقق العام الماضي البنك المركزي الأمريكي (نظام الاحتياطي الفيدرالي) لزيادة أسعار الفائدة لتهدئة الأمور.
تلقى قطاع الإنتاج الصناعي الأمريكي ضربة بفعل مصروفات الاقتراض المرتفعة، وانتهاء الدفعة القوية وحرب التعريفات الجمركية مع الصين، والتي زادت مصروفات الاستيراد. وأظهرت الأرقام الواردة الأسبوع الماضي أن قطاع التصنيع الأمريكي يشهد حال انخفاض للمرة الأولى منذ عقد.
وخوفاً من أن يؤدي التباطؤ الاقتصادي إلى تحطيم آمال إعادة انتخابه، وبَّخ ترامب نظام الاحتياطي الفيدرالي لبطئه في خفض أسعار الفائدة مرةً أخرى. وخلال الأسبوع الماضي، قالت شركة الولايات المتحدة للصلب -التي اعتقد ترامب أنها ستزدهر مرةً أخرى بمجرد حمايتها من الواردات الآسيوية والأوروبية الرخيصة- قالت إن سير الأعمال سيئ لدرجة أنها قد تلجأ إلى تسريح العمال، وانخفضت قيمة أسهمها لتصل إلى قيمتها التي سبقت فوز ترامب في الانتخابات.
3- الركود الطويل في ألمانيا
رفع وزير المالية في حكومة أنجيلا ميركل، أولاف شولتس، من توقعات نمو الاقتصاد الألماني بمقدار 50 مليار يورو لتجاوز حالة الركود. انكمش الاقتصاد بهامش بسيط في الربع الثاني من العام -0.1%، ومن المتوقع أن يشهد انخفاضاً آخر أكبر حجماً في الربع الثالث.
غير أن معظم المحللين يرون أن المبلغ الإضافي الذي اقترحه شولتس سيأتي متأخراً للغاية وقليلاً للغاية أيضاً لتدارك ربعين متتاليين من النمو السلبي، أي الركود. ويتوقف حدوث تحول العام الماضي بشكل عام على حدوث حالة انتعاش في الصين، حيث تبيع ألمانيا حالياً معظم ماكيناتها ومعداتها الصناعية وسياراتها.
4- أزمة الديون الصينية
لعبت الصين -ربما أكثر من الولايات المتحدة- دور الترس الإضافي للاقتصاد العالمي منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، غير أن الصين تشهد ضائقة بسبب أزمة ديون متفاقمة.
أفرطت قطاعات الدولة والمستهلكين على حدٍّ سواء في الاقتراض؛ كما أن المصارف مثقلة بالديون التي لن تُسدد أبداً. وفي كل مرة حاولت الصين كبح جماح الاقتراض المفرط من جانب المستهلكين والشركات، يشهد الاقتصاد العالمي اضطراباً بما يجبر صُناع القرار في الصين على التخفيف من قيود الائتمان مرةً أخرى.
في هذه الأثناء، يشهد نمو الإنتاج الصناعي انخفاضاً لم يسبق له مثيل منذ 30 عاماً بنسبة 4.8%. ترغب الصين في أن يصبح اقتصادها مستقلاً بالتحول من التصنيع إلى الخدمات، غير أن هذا أمرٌ سيستغرق وقتاً طويلاً.
5- البريكست
ألحقت حالة عدم اليقين التي تحيط بمستقبل بريطانيا، وما إذا كانت ستظل داخل أكبر كتلة تجارية أم ستنفصل عنها، حالةً من الضرر في الاستثمار ونمو إجمالي الناتج المحلي.
إذا غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، فإن معظم الاقتصاديين يرون أن الضرر سيكون بالغاً. كما حذر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق سيؤثر سلباً على النمو العالمي؛ نظراً لأن المملكة المتحدة هي سادس أكبر اقتصاد في العالم بعد فرنسا.
6- الأرجنتين وإيران وجنوب إفريقيا وتركيا وفنزويلا
تقع سلسلة من الدول حالياً في براثن الركود أو عانت مؤخراً من انكماش في اقتصادها. إذ تواجه إيران حصاراً تفرضه الولايات المتحدة، وهي غير قادرة على بيع نفطها أو الوصول إلى الأسواق المالية بسهولة. وكذلك فإن الأرجنتين مثقلة بديون ضخمة، وتعيش فنزويلا أزمة اقتصادية وسياسية، رغم امتلاكها أكبر احتياطي للنفط في العالم.
لا يبدي المستثمرون الدوليون قلقاً بشأن تلك الدول، التي عُرف عنها أنها تعيش تلك الحالة المالية منذ زمن؛ غير أن جنوب إفريقيا وتركيا تمثلان مشكلة أكبر. إذ إنهما أكثر اندماجاً في السوقين الإقليمية والدولية ما يعني أن حالة العجز عن سداد الديون سيكون لها أثرٌ أكبر.
7- حالات التوتر في الأسواق المالية
تتسم الرسائل التي تبعث بها أسواق المال الدولية بالتخبط. ذلك أن أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وألمانيا في مستويات عالية لم يسبق لها مثيل، غير أن أسواق السندات أكثر اضطراباً وقلقاً.
وكذلك فإن المستثمرين الذين يقرضون المال للحكومة الأمريكية من خلال سوق السندات قد باعوا ديونهم قصيرة الأجل بشكل جماعي، نظراً لتوقعهم حدوث ركود وشيك، تماماً كما حدث قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008. لم يسبق أبداً أن أخطأ حدس سوق الأسهم، لا سيما فيما يتعلق بمسار الاقتصاد الأمريكي، كما يرى العديد من المحللين، وهو ما يثير مزيداً من التكهنات بأن الاقتصاد الأمريكي يمكن أن يشهد أزمة عنيفة بحلول العام القادم.
والمنقذ هنا يمكن أن يكون نظام الاحتياطي الفيدرالي، الذي يمكن أن يلغي أسعار الفائدة ويعيدها إلى الصفر، ما يمنح الأسر والشركات المدانة فرصة لتتنفس الصعداء. كل هذا لن يسمح بحل المشكلة القائمة، وإنما سيعمل على إرجائها إلى لحظة تصل فيها الديون إلى مستويات لن تكون الحكومة ولا البنوك قادرةً على التعامل معها.