زيارة نائب وزير الدفاع وشقيق ولي العهد السعودي إلى واشنطن في هذا التوقيت لا يمكن أن تكون لها تفسيرات عديدة، ومن المؤكد أنَّ الحرب في اليمن، والملف الإيراني هما البندان الوحيدان على أجندة تلك الزيارة، التي كان من المنطقي أن يقوم بها ولي العهد نفسه؛ نظراً لحساسية الموقف، فما هي تفاصيل القصة؟
قلق سعودي من سياسة ترامب تجاه إيران
وصل الأمير خالد مساء أمس الثلاثاء، 27 أغسطس/آب إلى الولايات المتحدة، في زيارة رسمية قالت عنها وكالة الأنباء السعودية "واس" إنه من المقرر أن يلتقي الأمير خالد، وهو شقيق ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال الزيارة "عدداً من المسؤولين لبحث العلاقات الثنائية ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، التي تدعم أمن واستقرار المنطقة"، دون كشف مزيد من التفاصيل.
في نفس الوقت، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الوزير مايك بومبيو سيلتقي مع الأمير خالد اليوم الأربعاء، 28 أغسطس/آب. صحيح أن زيارة الأمير كانت مقررة سلفاً، لكن المحللين يقولون إنه لا توجد شكوك حول ما ستتم مناقشته أثناء اجتماعاته في واشنطن، بحسب موقع صحيفة جلفنيوز.
"خلف الأبواب المغلقة سيتم الحديث عن قلق الرياض من استراتيجية ترامب بشأن احتمال عقد لقاء مع الرئيس الإيراني حسن روحاني قريباً"، بحسب أيهم كامل، مدير قسم أبحاث الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة يورواسيا البحثية، مضيفاً أنه سيكون لدى السعودية "كثير من الأسئلة بشأن توجهات السياسة الأمريكية على هذا المستوى" .
صحيح أن إعلان ترامب عن رغبته في لقاء روحاني لم يلقَ قبولاً من الجانب الإيراني، لكن ما حدث بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون مِن شدٍّ وجذب انتهى بعقد ثلاثة لقاءات بينهما، من المؤكد أنه يثير قلق السعوديين.
ملف المحادثات مع الحوثيين
الزيارة أيضاً تأتي عشية ما كشفت عنه صحيفة "وول ستريت جورنال" من قرب بدء محادثات سرية بين الحوثيين والسعودية بوساطة أمريكية، حيث أكد تقرير الصحيفة نقلاً عن مصادر داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب، أن الإدارة تستعد لبدء محادثات مباشرة مع الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، في محاولة لإنهاء الحرب المستمرة منذ أربع سنوات، وهو نزاع أصبح خط مواجهة متقلباً في الصراع مع طهران.
هذه الأنباء تمثل قلقاً للسعوديين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في موقف لا يحسدون عليه على كل الجبهات، ففي اليمن لم يتمكنوا من تحقيق أيٍّ من أهدافهم، ليس هذا فحسب، لكنهم مهددون الآن بالتعرض لهزيمة عسكرية، بعد إعلان الإمارات عن انسحابها واستيلاء قوات المجلس الانتقالي في جنوب اليمن على عدن والحديث عن الانفصال، ثم جاءت تصريحات ترامب عن استعداده للقاء روحاني، والتقارير عن رغبة الإدارة الأمريكية في إجراء محادثات مباشرة مع الحوثيين بمشاركة السعودية.
لماذا لم يتوجه ولي العهد بنفسه إلى واشنطن إذن؟
خطورة الموقف ربما كانت تستدعي أن يقوم ولي العهد بنفسه بتلك الزيارة، ولكن اعتبارات كونه لا يزال المتهم الأول في جريمة اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي، على الأقل أمام الرأي العام الأمريكي، ربما جعلت مِن الأسلم أن يقوم شقيقه خالد بالمهمة، خصوصاً أن الأمير خالد كان سفيراً للرياض في واشنطن، قبل أن يتولّى منصب نائب وزير الدفاع.
الانتخابات الأمريكية
التحول الواضح في الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران تحكمه حسابات عام الانتخابات، فمع استبعاد خيار الدخول في مواجهة عسكرية ضد طهران واستمرار عزلة إدارة ترامب في تطبيق سياسة "الضغط لأقصى درجة"، والتي لا يشاركها فيها أي من القوى الدولية، أصبح واضحاً نفاد الخيارات الممكنة أمام ترامب كي يحقق أي نتيجة ملموسة في هذا الملف.
مقترح فتح حوار مباشر بين الحوثيين والسعودية يبدو الملاذ الأخير، بعد فشل الحل العسكري الذي أقدم عليه ولي العهد، في مارس/آذار 2015، وتسبَّب في كارثة إنسانية في اليمن هي الأكثر إيلاماً، بحسب التقارير الأممية، لكن هذا السيناريو تواجهه عقبات كثيرة، أهمها انقسام قادة جماعة الحوثيين أنفسهم بشأنها.
مهمة الأمير خالد إذن تبدو شبه مستحيلة، فمن المستبعد أن يضع ترامب في اعتباراته أي هدف آخر سوى الفوز بفترة رئاسية ثانية، حتى لو كان ذلك على حساب مصالح حلفائه في المنطقة، وخصوصاً السعودية.
"من دون شك سيسعى الأمير خالد للحصول على ضمانات من إدارة ترامب على أن واشنطن لم تقرر تغيير سياسة العصا في التعامل مع إيران واستبدالها بالجزرة؛ لأن ذلك سيُعرِّض موقف السعودية في المنطقة للخطر"، بحسب جيمس دورسي، باحث أول في كلية سانت راجارتنوم للدراسات الدولية في سنغافورة ومعهد الشرق الأوسط بها.