من المقرر أن يصل الرئيس ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني إلى نيويورك، لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول القادم. وهناك تكهنات بأن الخصمين الجيوسياسيين قد يلتقيان على هامش هذا الاجتماع، في محاولة لتهدئة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.
بعد كيم وطالبان والحوثيين، هل تتفاوض إدارة ترامب مع طهران؟
ومثل هذا الاجتماع يمثل الاستراتيجية النموذجية لزعيم أمريكي يركز على الصفقات أكثر من تركيزه على العقيدة وعلى استعداد لتغيير سياسته فجأة، إذا كان هذا التغيير يساعد في التفاوض كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
إذ اجتمع ترامب بزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون بعد أشهر من التجارب الصاروخية والنووية، العام الماضي، وأصبحت إدارته على استعداد للتحدث مباشرة مع منظمات "بغيضة"، مثل حركة طالبان الأفغانية وحتى ميليشيا الحوثيين التي تدعمها إيران في اليمن.
لكن إذا استمرَّ ترامب في المضي قدماً في فكرة إجراء محادثات مباشرة مع نظيره في طهران، فسيصطدم بردة فعل خطيرة، ليس فقط من المتشددين في كل من إيران والولايات المتحدة، بل سيكشف القرار مجدداً عن الفجوة بين الرئيس الانتهازي ومؤيديه الأيديولوجيين.
قمة متوقعة خلال أسابيع
وقد ناقش كل من ترامب وروحاني إمكانية عقد اجتماع بينهما في الأيام الأخيرة، وبدا الزعيم الأمريكي شديد الإيجابية. إذ قال ترامب في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال قمة مجموعة السبع في مدينة بياريتز الفرنسية، يوم الإثنين 26 أغسطس/آب: "إذا كانت الظروف صحيحة، ومناسبة، فسأوافق على ذلك بالتأكيد" . وأشار ترامب لاحقاً إلى أن القمة قد تنعقد في غضون أسابيع.
يأمل المدافعون عن مثل هذه القمة أن توفر منفذاً للتوتر بين الولايات المتحدة وإيران، إذ سحب ترامب الولايات المتحدة العام الماضي من اتفاق بين إيران والقوى العالمية الأخرى، يهدف إلى الحدِّ من برنامج طهران النووي، وبناء على ذلك، أعادت الولايات المتحدة فرض عقوباتها على البلاد. وظلَّت إيران في الصفقة، لكنها خرقت بعض القيود الرئيسية على التخصيب النووي وعطَّلت الشحن في الخليج.
وبدا هذا الصيف، مع معاناة الاقتصاد الإيراني من تدهور كبير ودراسة الولايات المتحدة، لتعزيز قواتها العسكرية في المنطقة، أن هناك احتمالاً قوياً لاندلاع صراع آخر في الشرق الأوسط، وربما يكون أكثر تدميراً من حرب العراق. وحتى الآن، لا يزال الوضع محفوفاً بالمخاطر.
حلفاء ترامب لن يسمحوا له بذلك
وصحيح أن دفع ترامب تجاه الحوار مع روحاني قد يقلل من خطر الصراع، إلا أنه قد يتعارض مع آراء بعض أقرب حلفائه في الداخل والخارج. إذ عُرف مايك بومبيو، وزير خارجية ترامب المخلص على الدوام، في مجلس النواب، بمعارضته للاتفاق النووي لعام 2015، الذي وقّعت عليه الولايات المتحدة في عهد إدارة أوباما.
وفي وقت سابق من هذا العام، جهَّز بومبيو قائمة من 12 مطلباً صارماً، يتعين على إيران الوفاء بها لإعادة الانضمام إلى المفاوضات. وذهب ترامب إلى نقيض ذلك يوم الإثنين، حين أشار إلى أنه من الممكن عقد صفقة "بسيطة للغاية" مع إيران، تركز على الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. يقول توم روغان، من مجلة Washington Examiner: "لا يمكن تجاهل التباينات بين بومبيو وترامب حول المفاوضات، إنها واضحة الآن وضوح الشمس في كبد السماء" .
وألقى مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون خطاباً في إحدى الفعاليات التي نظمتها حركة معارضة إيرانية، تُعرف باسم مجاهدي خلق، دعا فيه صراحة إلى إنهاء النظام الديني الذي يحكم إيران. وقال بولتون للحاضرين: "يجب أن تكون سياسة الولايات المتحدة المعلنة هي إطاحة نظام الملالي في طهران" .
تناقُض واضح بين ترامب وإدارته
وأعاد ترامب، يوم الإثنين، التأكيدَ على فكرة تُناقض مقترح بولتون بالكامل: "لا نتطلع إلى تغيير النظام في إيران". وهي رسالة لن تحب حركة مجاهدي خلق، التي لم تنل تأييد بولتون فحسب، بل أيضاً تأييد محامي ترامب رودولف جولياني، سماعها.
وفي الوقت نفسه، منح أكبر حلفاء ترامب في الشرق الأوسط الكثير من دعمهم للزعيم الأمريكي، بسبب سياسته المتشددة تجاه إيران. وسيتوقفون عن دعمه إذا تراجع عنها. إذ تُعارض كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة طموحات إيران النووية، وكذلك نفوذها الإقليمي العام، ورغم أنهما تخشيان حدوث صراع مع إيران، فهما تقلقان أيضاً من الاستسلام لها.
وربما قرَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو ربما الأقرب إلى ترامب من بين جميع أصدقائه الأجانب، أن يتصرف بنفسه، إذ يشتبه في أن غارات جوية إسرائيلية ضربت أهدافاً في لبنان وسوريا والعراق في الأيام الأخيرة، مما أثار مخاوف من نشوب حرب بين حليف أمريكي كبير وقوات مرتبطة بإيران. وقبل أسابيع فقط من انتخابات إسرائيلية جديدة، ستكون المصالحة بين الولايات المتحدة وإيران كارثية لنتنياهو.
إسرائيل أكبر المتضررين
إذا انعقد اجتماع ترامب وروحاني المقترح، فسيعود الفضل في ذلك إلى جهود الزعيم الأمريكي. إذ قال ترامب بوضوح منذ فترة طويلة إنه سيجتمع بالرئيس الإيراني دون شروط مسبقة، ويُظهر اجتماعه بكيم في كوريا الشمالية، العام الماضي، استعداده لتجاهل نصيحة مؤيديه المحليين والدوليين بشأن هذه القمة المميزة.
ولكن العقبة الكبرى أمام هذا الاجتماع لا تكمن في واشنطن، ولكن في طهران، إذ رفض المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، كثيراً، التواصل الدبلوماسي الشخصي مع ترامب، رغم أن تغييره المفاجئ لرأيه هو ما سمح بعقد الاتفاق النووي عام 2015.
ومؤيدو الحرب على إيران يعرفون ذلك. إذ قال أحد المسؤولين الإسرائيليين البارزين: "كنا محظوظين للغاية لأن الإيرانيين رفضوا حتى الآن جميع مقترحات ترامب بإجراء محادثات"، وفقاً لتقرير أعده باراك رافيد على موقع Axios. في الوقت الحالي، قد تكون فرص التراجع ضئيلة. وكتب هنري روما، المحلل في شركة أوراسيا الاستشارية، في مذكرة يوم الإثنين: "إرث خامنئي على المحك"، مشيراً إلى أن خامنئي يحاول إيجاد خليفة له.
هل يسمح خامنئي لروحاني بذلك؟
يشتهر روحاني ووزير خارجيته، محمد جواد ظريف، بأنهما معتدلان، لكنهما ما زالا بحاجة إلى موافقة خامنئي على التحركات الكبرى. ولديهما أيضاً الكثير من الأسباب التي تجعلهما غير معتدلين فيما يخص ترامب، فقد استهدفت العقوبات الأمريكية ظريف شخصياً، فيما وصف روحاني البيت الأبيض بأنه "متخلف عقلياً" .
وقال الرئيس الإيراني أمس الثلاثاء، 27 أغسطس/آب، إنه لن يجتمع بترامب ما لم ترفع الولايات المتحدة العقوبات. وأظهر الطلب أيضاً أن قادة إيران انتبهوا لما حدث بعد اجتماعات ترامب مع كيم زعيم كوريا الشمالية، إذ لا يزال الرئيس الأمريكي يزعم أن لقاءاته مع كيم كانت نصراً، لكن لم يحدث تقدم ملموس في مسألة نزع السلاح النووي، ولم يرفع حلفاء ترامب العقوبات عن كوريا الشمالية.
مع اقتراب ترامب من بدء حملة انتخابية قد تكون مضطربة، وفي خضم حرب تجارية محفوفة بالمخاطر، يعتقد قادة إيران أن بإمكانهم الحصول على صفقة أفضل. مثلما أوضح روحاني في خطاب متلفز يوم الثلاثاء: "لا نرغب في الصور" .