خيارات باكستان المحدودة.. ماذا في يد عمران خان ضد الهند بشأن كشمير؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/08/15 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/15 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش
عمران خان رئيس خكومة باكستان/ رويترز

في حين يتفاقم الغضب الباكستاني إزاء حملة القمع التي تشنُّها الهند على كشمير، صعد عمران خان، نجم رياضة الكريكت الذي صار رئيساً للوزراء، على متن مروحيةٍ متَّجهة إلى الإقليم جليل المشهد الواقع بين جبال الهيمالايا والذي تزعم كلٌّ من نيودلهي وإسلام آباد أنَّه تابعٌ لها، بحسب تقرير صحيفة The Financial Times البريطانية.

في بلدة مظفر آباد الصغيرة، التي سيطر عليها جنودٌ باكستانيون غير نظاميين في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1947 وظلَّت منذئذٍ تحت حُكم إسلام آباد حتى يومنا هذا، تعهَّد خان بأن يساند مسعى الكشميريين من أجل حقّ تحديد مصيرهم بأنفسهم، وندَّد غاضباً بأفعال الهند في فرضها حصاراً قمعياً على وادي كشمير على مدار الأيام العشرة الماضية.

مودي ارتكب خطأً استراتيجياً

وقال خان، متحدثاً عن نظيره رئيس الوزراء الهندي، في تعليقاتٍ أذاعها التلفزيون الباكستاني: "ارتكب ناريندرا مودي سقطةً استراتيجية، ولعب بآخر ورقةٍ في جعبته. سيتَّضح فيما بعد أنَّ تلك كانت غلطةً من جانب مودي، إذ إنَّه قد خرج بما يحدث في كشمير إلى الساحة الدولية. والآن سيعرف الناس حول العالم بقصة كشمير".

أيدت الإمارات الخطوة الهندية في كشمير/ رويترز

جاءت تصريحات خان النارية المُستنكرة أفعال الهند المجاورة -وتلميحاته بمخاطر الحرب التي تحملها تلك الأفعال- بعد أن حثَّت باكستان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الثلاثاء 13 أغسطس/آب 2019، على عقد اجتماعٍ لمناقشة قرار نيودلهي الصادر في شهر أغسطس/آب 2019، إلغاء استقلال كشمير القانوني القائم منذ زمن.

لكن إن دلَّت على شيء، فإن لغة الخطاب المحتدمة التي استخدمها خان تسلِّط الضوء خصوصاً على التحديات التي تواجهها إسلام آباد في استرضاء الشعب الباكستاني، بعد أن سحبت نيودلهي من ولاية جامو وكشمير حق تشريع قوانينهما بنفسيهما، وأخضعت الإقليم الذي كان مملكةً مستقلة في السابق تحت سيطرتها المباشرة، بحسب الصحيفة البريطانية.

بين المطرقة والسندان

قال قائدٌ بارز بالحزب الباكستاني الحاكم الذي يرأسه خان "تحريك إنصاف"، إنَّ الزعيم الباكستاني محاصَرٌ "بين مطرقةٍ وسندان".

طوال عقود، روَّجت النخبة السياسية والعسكرية في باكستان لمفهوم أنَّ وادي كشمير أخَّاذ الجمال، بأغلبيته المسلمة، حقٌ لباكستان، وهو إيمانٌ راسخ لدى عديد من المواطنين الباكستانيين العاديين. لكنَّ قرار نيودلهي إبطال استقلالية الإقليم -وفتح سوقه العقاريّ الذي ظلَّ طويلاً موصداً أمام الغرباء- قد أدَّى بفاعلية إلى دفن الحلم الباكستاني الخامد بإقامة استفتاءٍ لقاطني كشمير يحدّد مصير المنطقة.

دافعت الهند عمَّا تقوم به في كشمير من قطعٍ لخطوط الاتصال، وفرض قيودٍ على الحركة العامة، واحتجاز مئات من قادة كشمير باعتبار أنَّ أفعالها تلك احتياطات ضرورية لمنع المقاومة  وإشعال أحداث عنفٍ قد تكون دموية.

ومن جانبها، خفَّضت إسلام آباد مستوى العلاقات الدبلوماسية بينها وبين نيودلهي، وعلَّقت خدمات الحافلات والقطارات المتجهة إلى الهند. وفي سلسلة من التغريدات النارية، اتَّهم خان حكومة مودي بمحاولة "تغيير التوزيع الديموغرافي في كشمير بشنِّ حملة تطهيرٍ عرقي في الإقليم".

خيارات محدودة أمام باكستان

لكن برغم كلِّ التهديدات التي تثيرها باكستان، يقول محلِّلون إنَّ إسلام آباد لا تحظى بما يكفي من التعاطف الدولي، وليس أمامها سوى عدد محدود من الخيارات الاستراتيجية. وقالت آشلي تيليس، الزميلة الأقدم بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "يدرك عمران خان جيداً أنَّه الطرف الأضعف في هذه المعادلة. إنَّ كثيراً من الخطوات التي تتخذها باكستان الآن هي ممارسةٌ للدبلوماسية العامة. إنَّ المسؤولين الباكستانيين واقعيون كفايةً أن يعلموا يقيناً أن لا شيء سيغير الواقع القائم الآن".

وقالت آشلي، التي عملت سابقاً مستشارةً حكومية أمريكية رفيعة المستوى في شأن الصفقة النووية بين واشنطن والهند: "يُنظَر إلى الهند باعتبارها قوةً عظمى تحت التأسيس، ولا أحد يتدخَّل فيما تطلبه القوى العظمى".

منذ عام 1947، خاضت باكستان والهند ثلاث حروب على ولاية جامو وكشمير، وهُما الآن على مشارف دخول حربٍ رابعة. كذلك استخدمت إسلام آباد جماعاتٍ مقاتلة للتحريض على قيام حركة تمرُّد انفصالية في كشمير أدَّت إلى مقتل 45 ألف شخص، بحسب الصحيفة البريطانية.

ومع ذلك، تجد باكستان نفسها اليوم بين براثن أزمةٍ اقتصادية شديدة لجأت على أثرها إلى صندوق النقد الدولي، ليمدُّ لها يد العون. كذلك تخضع إسلام آباد لضغوطٍ شديدة للبطش بوكلاء الإرهاب المتفشين داخل حدودها، وتواجه على ذلك خطر الاندراج على القائمة السوداء التي تحدَّدها منظمة قوة المهام للعمل المالي المناهضة للإرهاب.

رئيس باكستان الهند كشمير
الرئيس الباكستاني عارف علوي/رويترز

قال خان مسبقاً إن "باكستان الجديدة" تحت زعامته قد نبذت استخدام الإرهاب سلاحاً. وأخبر مسؤولٌ أمني باكستاني صحيفة The Financial Times البريطانية: "هناك قرارٌ صارم في الدوائر المدنية والعسكرية في باكستان أنَّه يتحتَّم ألَّا يُنظَر إلينا مجدداً باعتبارنا متورطين في أيِّ حادثةٍ ذات صلةٍ بالجماعات المقاتلة في كشمير".

لكنَّ الخطر الأكبر الذي يتهدَّد الأفعال الباكستانية يتمثَّل في صعوبة توقُّع تصرُّفات الهند، والدليل على ذلك هو القصف الصاروخي غير المسبوق الذي شنَّته نيودلهي على موقعٍ زعمت أنَّه معسكر تدريبٍ  بباكستان في فبراير/شباط الماضي. اتَّضح من خلال الهجوم الهندي على الموقع المزعوم في بالاكوت -بعد أن قتل مفجِّرٌ انتحاري 44 هندياً من قوَّاتٍ شبه عسكرية في كشمير- أنَّه لم يعد بإمكان إسلام آباد الاعتماد على ضبط النفس من الجانب الهندي.

وقالت كريستين فاير، الأستاذة والخبيرة بشؤون جنوب آسيا في كلية الخدمة الخارجية التابعة لجامعة جورجتاون الأمريكية: "الخيارات المتاحة أمام قائد الجيش الباكستاني هو أن يستمر فيما كان يفعله دوماً، وهو أن يستعين ببعض المسلحين في كشمير. لا يمنعه عن ذلك غير ما يخشاه من رد الفعل الهندي".

أوراق الضغط في يد باكستان

ومع ذلك، فإنَّ إسلام آباد تملك بضع أوراقٍ يمكنها اللعب بها. الآن وفي حين يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوَّات الأمريكية من أفغانستان، قد تستغل إسلام آباد أفضليتها مع حركة طالبان في محاولةٍ لإحباط التوصُّل لاتفاقٍ أمريكي مع التنظيم.

وبرغم مزاعمها بعكس ذلك، فإنَّه من المحتمل أن تلجا باكستان إلى سكَّان كشمير المعزولين، بصرف النظر عمَّا قد يكلِّفهم ذلك.

وقال هابيمون جاكوب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جواهر لال نهرو الهندية: "لديك اليوم أرضٌ خصبة في كشمير تجعلها أكثر تقبلاً للنفوذ الخارجي من أي وقتٍ مضى".

وأضاف: "سواء كان ذلك بتدخُّلٍ من باكستان أو من دونه، فإنَّ شعور الإقصاء المتنامي في كشمير -أي الشعور المناهض للهند، والمؤيد لحمل السلاح، والشعور العام باليأس في الإقليم- هو شعورٌ شديد الحدَّة".

تحميل المزيد