دخلت دول التحالف العربي الذي تقاتل في اليمن في صراع مكتوم بين بعضهم بعضاً قبل أيام بعد اندلاع معركة عدن بين الانفصاليين الجنوبيين وبين حكومة هادي المدعومة دولياً، ما يكشف عن هشاشة هذا التحالف بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وقالت الصحيفة إنه خلال السنوات القليلة الماضية، برر المسؤولون في واشنطن ونظراؤهم في الرياض وأبوظبي الجهود الحربية المستمرة في اليمن بعبارات بسيطة وجيزة. من أجل مصالح المنطقة، من المهم ردع المتمردين الحوثيين في اليمن للحد من نفوذ داعميهم الإيرانيين. وبغض النظر عن العدد المتزايد للضحايا بين المدنيين أو الخسائر الإنسانية المدمرة الناتجة عن الصراع، ظلت الحاجة إلى ضرب طهران في هذا الجزء من العالم أمراً بالغ الأهمية. ومن وجهة نظر ترامب، فإن هذه الحرب التي تقودها السعودية في اليمن قضية ملحّة للغاية، لدرجة إنه استخدمها مبرراً وذريعة أمام اعتراضات الكونغرس على مبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكتين الثريتين.
ساحة انقسام كبيرة
ولكن الأمر لم يكن قط بتلك البساطة. تدور الحرب في اليمن على ساحة تشهد انقساماً سياسياً، تميزت بالحروب طويلة الأمد، والعداء القبلي، والفصائل الانتهازية التي تسعى إلى توسيع إقطاعاتها. وبدا هذا التعقيد جليّاً في نهاية الأسبوع الماضي عندما استهدف التحالف الذي تقوده السعودية حلفاءه الانفصاليين الجنوبيين المدعومين من الإمارات، في معركة ضارية للسيطرة على مدينة عدن الساحلية الاستراتيجية. وصبّ الانفصاليون غضبهم على الفصائل الأخرى داخل التحالف، وسيطروا على مبانٍ حكومية، وتمسكوا بها على الرغم من الغارات الجوية السعودية.
ووفقاً لمسؤولين في الأمم المتحدة، قُتل 40 شخصاً على الأقل وأُصيب 260 في الاشتباكات التي امتدت خلال الأيام الأربعة التي تتزامن مع عيد الأضحى.
وقالت ليز غراندي، مسؤولة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، في بيان لها: "إنه لمحزن جداً أن نرى العائلات في عيد الأضحى تبكي على موت أحبائهم بدلاً من الاحتفال معهم في سلام. ينصب اهتمامنا الرئيسي في الوقت الحالي على إرسال فرق طبية لإنقاذ المصابين. كما أننا قلقون للغاية من التقارير التي تفيد بأن المدنيين محاصرون في منازلهم وينفد منهم الطعام والمياه".
لا ثقة بين الحلفاء
وبالرغم من تهدئة القتال، هناك حالة من عدم اليقين حول مستقبل التحالف السعودي الإماراتي. قال المواطن عادل محمد، من عدن، لوكالة Reuters، يوم الاثنين، 12 أغسطس/آب: "الأمور هادئة الآن، ولكن الناس ما زالوا قلقين. لا نعرف إلى أين تتجه الأمور". وفي نفس اليوم، وفي محاولة لتهدئة التوترات، نشرت حسابات التواصل الاجتماعي الرسمية في كل من السعودية والإمارات أنباء عن اجتماعات بين الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وحاكم الإمارات الفعلي محمد بن زايد.
ولكن الانقسامات واضحة ويصعب تجاهلها. قالت إليزابيث كيندال، الباحثة في شؤون اليمن بكلية بيمبروك جامعة أوكسفورد لصحيفة The Washington Post: "يُضعف ذلك من صورة التحالف ويكشف عن الشقوق التي لا يمكن إنكارها. أصبح من الواضح أن الإمارات السعودية لا يتشاركان نفس الغايات النهائية في اليمن، بالرغم من أنهما يتشاركان نفس الهدف الشامل بدحر النفوذ الإيراني المتوقع في اليمن".
الطموحات الانفصالية في عدن أو جنوب اليمن ليست جديدة، ولكن يبدو أن الدعم الإماراتي، والتدريب العسكري بشكل خاص، عززا من قدرة الانفصاليين، الذين أرادوا الانفصال عن شمال البلاد الأكثر سكاناً منذ فترة طويلة.
وأوضح عدد من الصحفيين: "لا يوافق الانفصاليون، ولا الإمارات أيضاً، على تحالف الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي مع حزب الإصلاح الإسلامي. وبينما ترى السعودية أن حزب الإصلاح مهم جداً من أجل إعادة بناء اليمن، تعارض الإمارات تولّي حزب الإصلاح أي دور بسبب علاقاته الوثيقة بالإخوان المسلمين، الحركة السياسية الإسلامية الإقليمية التي ترى قيادة الإمارات إنها تمثّل تهديداً محلياً، وقوة متطرفة وخبيثة في الوطن العربي".
خلافات المصالح
وفي حين التزمت السعودية بقتال الحوثيين على حدودها الجنوبية وإعادة الحكومة اليمنية الضعيفة إلى العاصمة صنعاء، بدت الإمارات أقل اهتماماً واستثماراً في دعم الرئيس هادي، ويبدو أن لها مصالح واهتماماتٍ أخرى. وتورطت الإمارات، التي أطلق عليها وزير الدفاع الأمريكي الأسبق جيمس ماتيس "أسبرطة الصغيرة" بسبب بسالتها العسكرية المدهشة على الأرجح بدلاً من اعتمادها على العمال وإساءة معاملتهم، في خصومة ومنافسة جيوسياسية مع قطر وتركيا، وامتدت رقعة تلك النزاعات بالوكالة من ليبيا حتى الصومال.
وقالت فاطمة أبوالأسرار، الباحثة اليمنية في معهد الشرق الأوسط لقسم WorldView التابع لصحيفة The Washington Post: "تسعى الإمارات إلى نوع من الهيمنة في منطقة القرن الإفريقي"، مشيرةً إلى المخاوف الإماراتية بشأن مضيق باب المندب وجزيرة سقطرى الإستراتيجية.
وهناك مسألة إيران. مع زيادة ضغط إدارة ترامب على النظام في طهران خلال الشهور الأخيرة، تصرفت الإمارات بشكل حذر للغاية. إذ قاومت رغبتها في إلقاء اللوم مباشرة على القوات الإيرانية جراء الهجمات التخريبية على ناقلات النفط في الخليج العربي هذا الصيف وأرسلت مؤخراً وفداً من المسؤولين البحرين للقاء نظرائهم الإيرانيين في محاولة للمساعدة في تهدئة الأزمة الإقليمية الناشئة.
الإمارات ستخسر
ويشير محللون إلى أن اندلاع أعمال قتال بين الجانبين قد يكون مؤلماً بشكل خاص للإمارات، المحور المالي والسياحي في المنطقة. كما أن تصرفات ترامب غير المتوقعة وسلوكيات ولي العهد السعودي أقنعا الإمارات باتخاذ مسار مختلف. وقالت إليزابيث ديكنسون، من مؤسسة مجموعة الكوارث الدولية: "المخاطر مرتفعة للغاية بالنسبة للإمارات. أي هجوم على الأراضي الإماراتية أو الإضرار ببنيتها التحتية ستكون له آثار مدمرة. وهذا من شأنه تدمير سُمعة واحدة من أكثر دول المنطقة ديناميكية من الناحية الاقتصادية".
وألقت تلك المخاوف بظلالها أيضاً على إعلان الإمارات عن سحب قواتها من اليمن. وقال الصحفي أموس هاريل من صحيفة Haaretz الأسبوع الماضي: "الانطباع لدينا في إسرائيل إن الإمارات تريد فعلاً وقف تدخلها في حرب اليمن. أعلن الحوثيون بالفعل توقفهم عن الهجوم على أهداف إماراتية رداً على تغير سياساتها. يبدو الآن إن السعودية ستُترك وحيدة للقتال في اليمن، إلى جانب عدد قليل من وحدات المرتزقة التي تمكنت من تجنيدها من مختلف البلدان، بما في ذلك السودان".
لم يكن للقوات الإماراتية بصمة واضحة على الأرض في اليمن، ولكن القوات والميليشيات التي تولت تدريبها كانت تمثّل الخطوط الأولى في العملات ضد الحوثيين. وقالت فاطمة أبوالأسرار: "يعد الانسحاب رمزياً بشكل أكبر لعرض النوايا الحسنة لإيران والحوثيين".
وقد تحمل هذه الرسالة الضمنية اعترافاً آخر؛ وهو أن الحملة المباشرة والشاملة ضد إيران وحلفائها الإقليميين تحتاج إلى أن تكون أكثر تنظيماً ودقة مما كانت عليه. وقال رجل أعمال من دبي: "يبدو إن الأمور تجاوزت الحد، ولم يحسبوا عواقب ذلك".