عاد شبح انفجار مفاعل تشيرنوبيل من جديد إذ حدث انفجار نووي قاتل في قاعدة صواريخ روسية، مما أثار تساؤلات حول طبيعة هذا الانفجار وما علاقة قاعدة الصواريخ بالانفجارات النووية، وما حقيقة السلاح النووي السري الذي تحضره روسيا.
في هذا التقرير سوف نحاول فهم ما حدث وطبيعة القاعدة التي وقع فيها الانفجار.
الغموض الروسي يزيد الرعب في الداخل والخارج
لم يكن توقيت الانفجار الذي جاء بعد فترة قصيرة من عرض مسلسل تشيرنوبيل الشهير هو الأمر المثير للقلق فقط.
ولكن لأن طريقة تعامل السلطات الروسية مع الانفجار والتي ظهرت للمتابعين أنها لا تختلف كثيراً مع طريقة تعامل الاتحاد السوفيتي مع كارثة تشيرنوبيل في الثمانينيات هو ضاعف قلق السكان المحليين.
فبعد أيام من الصمت المطبق كشفت موسكو بعض تفاصيل الانفجار الذي وقع بقاعدة لإطلاق الصواريخ: طابع نووي وقتلى.
وحاولت السلطات الروسية كعادتها التقليل من خطورته، بيد أن حذف مقال لبلدية المدينة التي وقع بالقرب منها الانفجار رفع مستوى الشكوك.
واعترفت روسيا، بعد كثير من التردد، بأن الانفجار الذي وقع في قاعدة لإطلاق الصواريخ في شمال البلاد ينطوي على طابع نووي، معيدة أيضاً النظر بالحصيلة التي باتت خمسة قتلى على الأقل.
وأوضحت وكالة روساتوم الروسية النووية في بيان أن خمسة من موظفيها قد قتلوا في هذا الانفجار، موضحة أن ثلاثة أشخاص آخرين أصيبوا بجروح ناجمة عن تعرضهم لحروق. وأكدت روساتوم ان موظفيها كانوا يقدمون الدعم الهندسي والتقني المتعلق بالوقود المستخدم في محرك الصواريخ.
وبعد الحادث مباشرة، اكتفت وزارة الدفاع بالقول إن الحادث وقع خلال القيام بتجربة "محرك صاروخ يعمل بالوقود السائل"، مشيرة إلى وفاة "اثنين من الاختصاصيين متأثرين بجروحهما" والى إصابة ستة آخرين. ولم يتضح ما إذا كان هذان الاختصاصيان اللذان أعلنت وفاتهما هما بين القتلى الخمسة الذين تحدثت عنهم روساتوم.
قاعدة تعود للخمسينيات، ومستويات الإشعاع 20 ضعفاً
ولم تنشر السلطات حتى الآن سوى القليل من التفاصيل عن الحادث في قاعدة نيونوكسا التي افتتحت في 1954، والمتخصصة في اختبار الصواريخ للأسطول الروسي. وتجرى فيها خصوصاً تجارب حول الصواريخ الباليستية.
وإذا كان الجيش الروسي ومتحدث باسم الحكومة الإقليمية أعلنا الخميس أنه "لم يحصل تلوث إشعاعي"، فإن بلدية مدينة سيفيرودفينسك، التي يبلغ عدد سكانها 190 ألف نسمة وتبعد حوالي 30 كلم عن القاعدة، أكدت على موقعها على الإنترنت أن أجهزة الاستشعار لديها "سجلت ارتفاعاً للنشاط الإشعاعي لمدة قصيرة". لكن الخبر سرعان ما سحب من على موقع بلدية المدينة، كما لم يحدد أيضاً المستوى الذي بلغه النشاط الإشعاعي.
وصرح المسؤول في الدفاع المدني المحلي، فالنتين ماغوميدوف، لوكالة أنباء تاس، بأن مستوى الإشعاع ارتفع إلى 2،0 ميكروسيفيرت في الساعة لمدة ثلاثين دقيقة، مشيراً إلى أن الحد الأقصى المقبول للتعرض للنشاط الإشعاعي هو 0،6 ميكروسيفيرت في الساعة.
ونشرت منظمة غرينبيس روسيا رسالة من مسؤولين في مركز للأبحاث النووية أعطوا فيها الرقم نفسه، لكنهم أكدوا أن الإشعاع استمر أقل من ساعة واحدة، من دون أن تكون له أية مخاطر على الصحة حسب المسؤولين.
وفي أي حال، هرع سكان سيفيرودفينسك ابتداء من الجمعة إلى الصيدليات لشراء اليود، الذي يحمي الغدة الدرقية إذا ما وقع حادث نووي.
ونشرت وسائل الإعلام الروسية شريط فيديو لم تحدد مصدره قالت إنه موكب لسيارات إسعاف تعبر موسكو متوجهة إلى مركز متخصص في علاج ضحايا الإشعاع. وذكرت وكالة روستام أن المصابين يعالجون في "مركز طبي متخصص".
أوقفوا الإبحار حالاً.. ما مهمة هذه القاعدة وما الذي انفجر بها؟
وحسب التقارير الواردة فقد قتل خمسة علماء نوويين في انفجار غامض في البحر خلال تجربة لمحرك صاروخي.
واشتعلت النيران في وقود الصاروخ ، مما تسبب في انفجاره وسقوط العديد من الأشخاص في البحر.
وكرمت روسيا العلماء الخمسة الذين توفوا ووصفتهم بالـ"أبطال القوميين" لخمسة علماء نوويين ماتوا في الانفجار الغامض في البحر.
وذكرت وسائل إعلام روسية أن انفجار محرك الصاروخ قد يكون وقع في منطقة اختبار أسلحة بالقرب من قرية نيونوكسا.
وتقول هذه التقارير إن منطقة بالقرب من نيونوكسا تستخدم في اختبارات الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والصاروخية التي تستخدمها البحرية الروسية.
وأغلقت روسيا أيضاً خليجاً في البحر الأبيض أمام حركة المرور المدنية لمدة شهر، مما أدى إلى تكهنات بأن المياه قد تلوثت أو أن عملية بحث قد بدأت، حسبما ذكرتThe Guardian.
وذكرت وسائل الإعلام الروسية أن سفينة متخصصة تستخدم لجمع وتخزين النفايات النووية السائلة من أسطول كاسحات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية في البلاد قد أبحرت إلى المنطقة، حسبما نقلت عنها صحيفة The New York Times الأمريكية.
ليس له حدود.. حقيقة السلاح النووي السري الذي تحضره روسيا
وجود مهندسي روساتوم النوويين في موقع التجارب يؤكد أنهم كانوا يجرون تجارب على نسخة من أحدث صاروخ بوحدة طاقة نووية"، حسب صحيفة نوفايا جازيتا الروسية المستقلة.
وصف وكالة روساتوم للحادث قد يشير إلى أنه كان يختبر صاروخ كروز بوريفيستنيك الذي يعمل بالطاقة النووية والذي ذكره خلال خطاب فلاديمير بوتين في العام الماضي، حسب صحيفة The Guardian البريطانية.
وقال خبراء نوويون مقرهم الولايات المتحدة إنهم يشكون في أن الانفجار وقع أثناء اختبار صاروخ كروز يعمل بالطاقة النووية أشار إليه فلاديمير بوتين العام الماضي.
وكان أحد الأسلحة الجديدة التي تحدث عنها بوتين هو صاروخ كروز يستطيع وصف بأنه مداه يمتد على مستوى العالم يدعى Burevestnik أو Petrel، وقد تمت تسميته باسم الطيور البحرية البعيدة.
وقال الرئيس الروسي العام الماضي إن هذا الصاروخ سيكون له نطاق غير محدود بفضل وحدة الدفع النووي، موضحاً أنه قد تم اختباره بالفعل.
وأضاف بوتين في خطاب عام 2018 "إن الأسلحة المتقدمة لروسيا تستند إلى أحدث الإنجازات الفريدة لعلمائنا ومصممينا ومهندسينا". "واحد منهم هو وحدة طاقة نووية صغيرة الحجم يمكن تثبيتها في صاروخ."
وعززت كل من روسيا والولايات المتحدة من عملية تطوير أسلحة جديدة مع تفكك معاهدات نزع السلاح في حقبة الحرب الباردة.
ففي 2 أغسطس/آب، انسحبت الولايات المتحدة رسمياً من معاهدة تمثل حجر الزاوية في معاهدة القدرات النووية المتوسطة المدى، بعد اتهامها لروسيا بالاستخفاف بالشروط.
لماذا تستخدم الطاقة النووية في اختبارات الصواريخ؟
مصادر طاقة النظائر المشعة تستخدم بشكل رئيسي في الصناعة الفضائية، حسبما يقول بوريس تشيكوف، الخبير في معهد الأبحاث النووية في موسكو لموقع صحيفة "آر.بي.كاي" اليومية.
وأردف قائلاً وعادة ما لا تشكل أي خطر على المستخدمين".
وأضاف "لكن في حال حصول أعطال فإن الأشخاص المقيمين في الأماكن القريبة، يمكن أن يصابوا".
ويمكن استخدام عناصر مختلفة كوقود في المصادر النظائرية: البلوتونيوم والبروميثيوم أو السيريوم". وأكد أن مستويات النشاط الإشعاعي المعنية "بعيدة جداً عن المستويات التي تتسبب بحوادث خطيرة في المفاعلات".