مع إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، الأسبوع الماضي، جُرِّدت كشمير من الحكم الذاتي، الذي مُنح لها مقابل الانضمام إلى الاتحاد الهندي بعد الاستقلال في عام 1947.
وأدَّت الخطوة المثيرة للجدل التي اتَّخذها ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند القومي الهندوسي، إلى انتشار مخاوف من حدوث اضطرابات واسعة النطاق وأعاقت الحياة العادية، بينما أرسل عشرات الآلاف من القوات الإضافية ورجال الأمن لإضافتهم إلى الـ500 ألف المفترض وجودهم هناك بالفعل، مما يجعل كشمير واحدة من أكثر المناطق عسكرة في العالم.
ولكن على بُعد آلاف الأميال من الوديان الخضراء والمناظر الطبيعية المذهلة على قمة الجبال، التي دفعت البعض إلى وصف كشمير بأنها "جنة على الأرض" محاطة بالنيران، تأثَّرت البلدان والمدن في جميع أنحاء بريطانيا أيضاً بأصداء ما يحدث.
"أخبروني أن كل شيء على ما يرام"
عندما فرض آلاف الجنود حالة الإغلاق التام على ولاية كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، كان سهيل ناستي جالساً في غرفة معيشة منزله شمالي لندن، يبذل محاولاتٍ محمومةً للاتصال بأسرته هناك. ومع قطع جميع شبكات الهواتف المحمولة والهواتف الأرضية والإنترنت في المنطقة، كان من المستحيل معرفة أحوالهم.
وكان أقصى ما نجح فيه هو الوصول إلى مركز شرطة محلي في كشمير، عبر الهواتف الساتلية التي تستخدمها قوات الأمن. يقول ناستي لصحيفة The Guardian البريطانية: "أخبروني أنَّ كل شيء على ما يرام، وليس هناك ما يدعو للقلق. وقالوا إنَّ الأوضاع عادية في كشمير، ولكن مِن هنا في لندن يبدو الوضع أيَّ شيء بخلاف ذلك" .
ونظراً إلى أنه رئيس مؤسسة خيرية عالمية، فلديه سبب للقلق بشأن الولاية الواقعة في جبال الهيمالايا التي وُلد بها، والتي وجدت نفسها غارقة في الفوضى بعد أن ألغت الحكومة الهندية وضعها الخاص.
من أصل 1.1 مليون باكستاني بريطاني ينحدر أكثر من مليون من الجزء الذي تحكمه باكستان في كشمير. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية لعدد الهنود الكشميريين في بريطانيا يبلغ التعداد الإجمالي للجالية الهندية في بريطانيا حوالي 1.4 مليون نسمة، مع دعمٍ قويٍّ لموقف الهند بين بعض الأقسام.
تنحصر كشمير بين الهند وباكستان، وتنقسم بين الأمتين اللتين تتصارَعان عليها بمرارة، إذ تطالب كلُّ دولة من الدولتين بها لنفسها، وخاضَتا حربين عليها، وجعتلا منها بؤرة توتر نووي متقلّبة، بالنظر إلى ترساناتهما النووية.
مظاهرة، ومظاهرة مضادة وسط لندن حول كشمير
يقول رجا سيكندر خان، أحد الناشطين المقيمين في لندن والمعنيين بحقوق الإنسان في كشمير: "إنَّها قضية حسَّاسة للغاية بالنسبة لكلتا الجاليتين، وينتابني قلق من أن يضرَّ هذا بالعلاقات بينهما. علينا أن نتأكَّد من أنَّه أياً كان ما نفعله لن ينشر الاضطرابات أو الكراهية بين البريطانيين الهنود والبريطانيين الباكستانيين" .
ومن المقرر تنظيم مظاهرة ضخمة يوم الخميس القادم، الموافق 15 أغسطس/آب، وهو يوم الاستقلال الهندي، بواسطة الجماعات الموالية لكشمير أمام المفوضية العليا الهندية في وسط لندن.
وتقرَّر تنظيم مظاهرة مضادة من قبل المؤيدين البريطانيين لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند. ومن المقرر أيضاً تنظيم عدد من الفعاليات الأخرى للفت الانتباه إلى قضية كشمير على مدار الأسابيع المقبلة، في حين كتب سياسيون باكستانيون بريطانيون بارزون إلى وزارة الخارجية والأمم المتحدة، يدعون إلى اتخاذ إجراءات ضد الهند بشأن تصرفاتها الحالية.
من جانبه قال البارون نذير أحمد، أحد الموقعين على هذه المكاتبات، والمنحدر أصله من الجزء الخاضع للإدارة الباكستانية في كشمير: "حتماً سيكون هناك جدل محموم بين الطائفتين، لكن علينا أن نضمن بقاء الوضع على ما هو عليه" .
وأضاف: "صحيح أننا عازمون على الضغط على المجتمع الدولي، لأن ما فعلته الهند غير قانوني، لكن الحلَّ يكمن في الحوار السلمي، سواء بين الهنود البريطانيين والباكستانيين البريطانيين، أو حكومات كل دولة" .
ملتقيات ومنظمات هندية بريطانية تدعم قرار نيودلهي
وتأسَّس الملتقى الهندي الأوروبي الكشميري في لندن في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، لتمثيل مصالح الكشميريين الهندوس، الذين كانوا يشكلون ذات يوم أقلية مهمة في الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ المنظمة بصدد عقد عدد من الفعاليات في جميع أنحاء بريطانيا خلال الشهر المقبل، لدعم إلغاء المادة 370، التي سبق أن تلقَّتها بترحاب.
يقول كريشنا بهان، رئيس الملتقى: "نتمتع بدعم العديد من الهنود البريطانيين، وليس فقط أولئك المنحدرة أصولهم من كشمير، بالإضافة لدعم العديد من البرلمانيين. أتفق على أن هناك قليلاً من التوتر بين الجاليتين الهندية والباكستانية في بريطانيا في الوقت الحالي، لكنني واثق من أن الأمور ستستقر، إذ إن إلغاء المادة 370 سيؤدي إلى مستقبل أفضل لكشمير" .
تجدر الإشارة إلى أن ما يدعم موقف ناريندرا بشأن كشمير هو نمو القومية الهندوسية في الهند، في الآونة الأخيرة، والذي تمثل في الانتصار الساحق لحزب بهاراتيا جاناتا خلال الانتخابات العامة التي أجريت في وقت سابق من هذا العام.
إذ نتج عن هذا حوادث تعرَّض فيها أفراد من الأقليات، مثل المسلمين، للاعتداءات التي وصلت لدرجة الإعدام لمزاعم قتلهم الأبقار، الحيوان المقدس في العقيدة الهندوسية، ثم تصاعد الأمر إلى حالات أكثر انتشاراً، أُمرت فيها أطقم شركات الطيران المحلية بترديد شعار "جاي هند"، (وتعني النصر للهند) عند إصدار بياناتها.
وادَّعى المسؤولون أن ذلك الشعار أُدرج ليعكس "مزاج الأمة"، مع استمرار عزلة كشمير الحالية بلا أي نهاية في الأفق، يستمر ناستي في انتظاره الشاق.
وقد قال: "أواصل الاتصال مراراً وتكراراً، ويحدوني الأمل في رفع حالة الإغلاق التام، حتى أتمكَّن من التحدث إلى عائلتي وأصدقائي وكذلك زيارتهم قريباً. غرقت كشمير الجميلة في الظلام، وأدعو أن تعود قريباً إلى النور" .