كان الحجاج المسلمون، منذ ما يقرب من 1400 عام، يستقلون المراكب البحرية، أو يركبون الجمال، أو ينطلقون سيراً على الأقدام إلى مكة. وهم اليوم يقومون بالرحلة نفسها، لكن استخدام التكنولوجيا يجعل رحلتهم أسرع وأكثر أماناً ونجاحاً بصورة لم يسبق لها مثيل.
تستمر مناسك الحج كل عام لمدة خمسة أو ستة أيام من شهر ذي الحجة وهو الشهر الأخير في التقويم الهجري. وقد بدأت شعائر الحج هذا العام رسمياً الجمعة 9أغسطس/آب، ويوجد أكثر من مليون شخص في مكة.
السعودية تجني 12 مليار دولار سنوياً من الحج
والحج أكثر أركان الإسلام مشقة. لكن رغم أن هذه التجربة مبهجة في كثير من الأحيان، فقد تكلف الكثير. في الهند، على سبيل المثال، يشارك المسلمون في قرعة، أو يدفعون ما يصل إلى ثلث متوسط راتبهم السنوي للشركات السياحية لأداء هذه الفريضة. أما بالنسبة للمسلمين الأمريكيين، فقد تصل تكاليف رحلة الحج إلى 10 آلاف دولار. وهي محفوفة ببعض المخاطر أيضاً: في السنوات الأخيرة، أدى الاكتظاظ أو بعض الحوادث الأخرى إلى وفاة المئات. فقد توفي ما لا يقل عن 2200 شخص في حادثة تدافع عام 2015.
وحتى في أحدث المدن، قد يمثل التدفق المفاجئ لمليوني زائر تحديات لوجستية كبيرة. لكن في السعودية يبلغ عمر العديد من المواقع الرئيسية أكثر من 1000 سنة. ولذا، استثمرت السعودية، التي تجني 12 مليار دولار سنوياً من الحج، مبالغ طائلة لتحديث المناسك وتقليل الازدحام إلى أقل درجة. وفي ظل دعوة البعض لمقاطعة الحج في ضوء تصرفات السعودية السياسية المثيرة للجدل في ظل ولي العهد السعودي، أصبح لدى المملكة ما يكفي من الدوافع ليسير كل شيء بسلاسة قدر الإمكان.
حلول تكنولوجية للحج
يقول موقع Quartz الأمريكي إن القيود المادية المفروضة على عدد الحجاج الذين يمكن لمكة استيعابهم بأمان تعني، في ظل الوضع الراهن، أن الأمر سيتطلب أكثر من 580 عاماً ليؤدي كل مسلم على قيد الحياة هذه الفريضة. ولتحقيق هدف "رؤية 2030" المتمثل في استضافة 30 مليون حاج سنوياً، أو ما يصل إلى ضعف العدد الحالي بـ 15 مرة، بحلول عام 2030، تتجه السلطات السعودية إلى التكنولوجيا.
1- قطار سريع: هذا العام، سيختصر أول قطار فائق السرعة يربط بين مكة والمدينة 8 ساعات من الرحلة براً. وفور وصول الحجاج، ستكون في استقبالهم مجموعة من المبادرات الذكية، التي تشمل الذكاء الاصطناعى وإنترنت الأشياء، لتوصيلهم بالعناية الطبية إذا احتاجوا إليها ومراقبة المناطق الأشد ازدحاماً.
2- بطاقات ذكية: في إحدى هذه المبادرات التجريبية، أصدرت وزارة الحج والعمرة بطاقات ذكية لما يقرب من 25 ألف حاج. تُفحص هذه البطاقات أثناء انتقال حامليها من موقع إلى آخر، فيما تساعد برامج تتبع موقع الشخص مقدمي الخدمات على تقديم المساعدة فور طلبها. وبالنسبة للحجاج أنفسهم، يعرض التطبيق المتصل بهذه البطاقات الجدول الزمني للمواصلات والأماكن الأكثر ازدحاماً.
3- طبيب آلي: أما الأشخاص الذين تصيبهم وعكة صحية شديدة، فقد يأتي لفحصهم طبيب آلي مصمم لقياس درجة حرارة المرضى أو فحص نبضهم. وأضيفت هذه المبادرات إلى أخرى قائمة بالفعل، تشمل نظام إلكتروني للإنذار المبكر يدق ناقوس الخطر في حالات تفشي الأمراض، وقد ساعدت منظمة الصحة العالمية في إنشائه.
4- مستشعرات لحركة الحجاج: وفي الوقت نفسه، توجد ست محطات إرسال تضم 350 مستشعراً في أنحاء مِنى، في منتصف طريق الحج، لجمع البيانات حول موقع كل حاج، إلى جانب كاميرات عالية الجودة تنقل المعلومات حول تحركات الحشود إلى مركز مراقبة. وحتى الآن، لا يوجد خطر حقيقي التقطته أجهزة المراقبة، ربما بالنظر إلى المآسي الناتجة عن التدافع التي تسعى إلى منعها على وجه التحديد.
5- الحج دون حقيبة: لا تتركز جميع المبادرات على الحفاظ على سلامة الناس. ففي سياق دعم الحج، أصدر أحد البنوك المحلية ما يسمى بطاقات الحج، وهو إجراء يهدف إلى مكافحة السرقة يسمح للحجاج بإيداع الأموال لدى وصولهم. يشجع برنامج "الحج دون حقيبة" الحجاج على السفر بمتاع خفيف عن طريق نقل أمتعتهم من أي مكان يقيمون فيه إلى الصالة المخصصة للحجاج في مطار الملك عبدالعزيز الدولي.
بحلول عام 2030، إذا سارت الأمور على ما يرام، سيصبح الحج أكثر ذكاءً من ذلك أيضاً، وسيظل أكثر ربحاً للبلد المضيف الذي يتمتع بموارد مالية ضخمة بالفعل.