حصلت الحكومة المصرية على الشريحة الأخيرة من قرض صندوق النقد الدولي، واكتمل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي انطلق قبل ثلاثة أعوام، فماذا تحقق منه وكيف كان تأثيره على المواطنين في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان؟
آخر شريحة من القرض
تسلمت مصر منذ أيام الشريحة الأخيرة من (اتفاق التسهيل الممدد لصندوق النقد الدولي) والتي تقدر بملياري دولار، ضمن قرض الـ12 مليار دولار من الصندوق، ما يعني التنفيذ الكامل للبرنامج المتفق عليه قبل ثلاث سنوات.
أبرز بنود ذلك البرنامج هي تعويم العملة المحلية وسن ضريبة القيمة المضافة وإلغاء الدعم على معظم منتجات الوقود، وهو ما تم بالفعل.
تنفيذ المرحلة الأخيرة من خفض دعم الوقود الذي تم في يوليو/تموز الماضي أدى إلى زيادة الأسعار المحلية بين 16 و30% لتنسجم مع التكلفة الحقيقية، بحسب رويترز.
لماذا يعتبر الأسرع نمواً؟
تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تقول إن المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري تضعه على رأس الاقتصادات الأسرع نمواً في المنطقة، حيث هبط التضخم السنوي الرئيسي إلى 9.4% في يونيو/حزيران من 14.1% في الشهر السابق أي في مايو/أيار، لكن مع إضافة زيادة الأسعار التي حدثت في يوليو/تموز ربما تعود نسبة التضخم السنوي إلى ما كانت عليه في مايو/أيار وربما أكثر.
تخفيض دعم الوقود والمواد الغذائية مكن الحكومة من توجيه تلك الأموال، إضافة إلى 70% من عائدات الضرائب، إلى خدمة أقساط وفوائد الديون الخارجية، وهو ما أدى إلى انخفاض نسبة العجز في الموازنة العامة من حدود 10% في السنة المالية 2017-2018 إلى نحو 5% متوقعة في السنة المالية 2021/2022، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، كما انخفض معدل الدين العام إلى نحو 87% من إجمالي الناتج المحلي، بعد أن كان قد تخطى 100% عام 2017.
لكن تلك المؤشرات وأفضل منها كانت ما تردده حكومات نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك والذي أطاحت به ثورة شعبية في 25 يناير 2011، حيث لم يكن لتلك المؤشرات أي انعكاس إيجابي على حياة غالبية المواطنين اليومية، وهو ما أيضاً ما تشير إليه التقارير الاقتصادية حالياً.
من المستفيد من تلك المؤشرات؟
تلك الإصلاحات الاقتصادية حولت مصر لوجهة مثالية للمستثمر الباحث عما يعرف اقتصادياً "بالربح السريع" بسبب ارتفاع نسبة الفائدة، خصوصاً في مجال سندات خدمة الدين العام والتي تعطي للمستثمر 26% عوائد دولارية هذا العام، طبقاً لمؤشر بلومبرغ.
ويتوقع الخبراء أن يواصل الجنيه مكاسبه أمام الدولار بنسبة 3.5% أخرى مع بداية العام المقبل ليصل إلى 16 جنيهاً مقابل الدولار، ولو صدقت تلك التوقعات فهذا يعني مزيداً من الأرباح لحاملي السندات والأصول المالية المصرية.
كيف انعكس كل ذلك على المواطنين؟
المؤشرات الاقتصادية الكلية هي دائماً ما تركز عليه الحكومة، لكن الوضع الاقتصادي على الأرض هو ما يهم غالبية المواطنين في بلد المئة مليون مواطن، وبالتالي إذا ما نظرنا على أسعار السلع الأساسية، وما طرأ عليها من تغيير في السنوات الخمسة الماضية، ستكون الصورة مختلفة تماماً.
المؤشر الأساسي للأسعار في مصر هو أسعار الوقود لأنها تنعكس بشكل مباشر على أسعار جميع السلع الأساسية، ولو أخذنا سعر لتر البنزين 92 كمثال نجده ارتفع من 1.85 جنيه للتر حتى 8 جنيهات كاملة للتر بعد زيادة يوليو/تموز الأخيرة، أي أنه تضاعف أكثر من أربعة أضعاف.
نتائج برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر باختصار تتلخص في عبارة "مكاسب للمستثمرين وخسائر للمصريين"، حيث ارتفع الدين الخارجي بصورة غير مسبوقة ليصل إلى أكثر من 100 مليار دولار، وأفاد تخفيض قيمة الجنيه بأكثر من النصف المستثمرين بينما أصبحت الظروف المعيشية لغالبية المصريين لا تطاق.
حتى تقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تشيد بنمو الاقتصاد المصري تحذر من التأثيرات السلبية على المواطنين وتطالب الحكومة بتوجيه مزيد من الأموال لتخفيف الآثار السلبية وبإعطاء الفرصة للقطاع الخاص كي يشارك في الاقتصاد، وأن يتحول دور الحكومة إلى مسهل ومنظم للأنشطة الاقتصادية بدلاً من الوضع الحالي الذي تحتكر فيه الحكومة تلك الأنشطة تقريباً.
الفقر في ازدياد
تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الأخير الصادر في يوليو/تموز الماضي وهو تقرير حكومي قال إن نسبة الفقراء في مصر قد ارتفعت في السنوات الثلاثة الأخيرة لتصل إلى 32.5% العام المالي الحالي، أي أن نحو عدد السكان يعيش تحت خط الفقر، مقارنة بـ 27.5% في العام السابق.
التقارير الحكومية بالطبع تخفف من وطأة الواقع، حيث إن التقارير الدولية تقول إن نحو نصف السكان في مصر يعيشون تحت خط الفقر الذي يقيسه البنك الدولي بمن يقل دخله عن دولار و90 سنتاً في اليوم (نحو 30 جنيهاً يومياً للفرد)، وبشكل عام انخفضت قيمة دخل معظم المصريين بأكثر من النصف في السنوات الثلاثة الماضية مقابل ارتفاع الأسعار بنحو 5 أضعاف في المتوسط، وبالتالي لا تحتاج النتائج لخبراء اقتصاد لرصدها.