اندلعت "عاصفة سياسية" قصيرة، الأسبوع الماضي، بعد القصة التي نشرتها قناة Kan الإسرائيلية عن قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي الموافقة على تشييد 700 منزل فلسطيني جديد في المنطقة "ج"، الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، بالضفة الغربية، إلى جانب بناء 6 آلاف وحدة سكنية استيطانية للإسرائيليين، دون توضيح ما إذا كانت المنازل الـ700 سيتم إنشاؤها أو أن بعضها مشيَّد فعلاً ويمنح موافقة بأثر رجعي.
في البداية، أقلق هذا التقرير الجناح اليميني، بسبب ما بدا كأنه تنازلات للفلسطينيين، استجابةً لضغوط من إدارة ترامب. وقد أشاد السفير الأمريكي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، في مقابلة مع شبكة CNN الإخبارية الأمريكية، بهذا القرار، لكنه نفى أن يكون قد جاء بطلب من واشنطن. لكن عملياً، كما هو الحال في سائر تصرفات الإدارة بالساحة الفلسطينية، يبدو أنَّ ثمة تنسيقاً ها هنا أيضاً مع تل أبيب، كما تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
إذ أكد مسؤول إسرائيلي -طلب عدم الكشف عن اسمه- لوكالة الأنباء الفرنسية، أن الحكومة الأمنية الإسرائيلية وافقت على هذا القرار، الثلاثاء، قبيل زيارة كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأحد كبار مستشاريه.
لأمريكا أهدافها، ولإسرائيل أيضاً
يقول عاموس هاريل، الخبير الإسرائيلي في القضايا العسكرية والدفاعية، إن الإدارة الأمريكية تحتاج أن تقوم بـ "لفتة" للفلسطينيين إذا كانت تريد إحراز تقدم في عرض المكونات الدبلوماسية لـ "صفقة القرن" خاصتها، كما أنَّ ثمة قدراً معيناً من المصلحة للحكومة الإسرائيلية في الموافقة على بناء المنازل الفلسطينية، على نطاق صغير، بوصفها جزءاً من التحرك الاستراتيجي لإظهار "السيادة" في المنطقة "ج"، وهو ما يدعو إليه الجناح اليميني داخل إسرائيل.
وليس من قبيل المصادفة أنَّ أكثر أعضاء مجلس الوزراء تشدداً في الجناح اليميني، وزير النقل بتسلئيل سموتريتش، دافع عن القرار بعد أن صوت بالموافقة عليه، كما تقول "هآرتس".
لكنَّ الفلسطينيين اعتبروا هذه الخطوة دليلاً إضافياً على أنَّ الخطة الإسرائيلية-الأمريكية المشتركة سوف تلحق بهم الضرر، إذ تنضم هذه الخطوة إلى الأزمة المالية المستمرة التي تعانيها السلطة الفلسطينية.
كانت السلطة الفلسطينية تأمل حل المشكلة المالية بعد الانتخابات في إسرائيل، لكن الجولة الثانية من الانتخابات منعت رئيس الوزراء الحالي نتنياهو من الوصول إلى أي تسوية. وفي الوقت نفسه، ثمة أحداث أخرى في الخلفية باعثة على القلق، أهمها هدم عشرات المباني متعددة الطوابق في صور باهر بالقدس الشرقية، واحتفال ضباط شرطة الحدود وجيش الدفاع الإسرائيلي بالتفجير "الناجح" لهذه المنازل.
عباس أعلن وقف التنسيق الأمني.. لكن هذا الأمر لم يحدث على الأرض
بعد هدم المنازل، أعلن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، مرة أخرى وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، لكنَّ هذا الأمر لم يحدث من الناحية العملية، لأنَّ السلطة الفلسطينية بحاجة إلى التنسيق الأمني على الأقل بقدر ما تحتاجه إسرائيل.
وإلى جانب هذا، فقد أوصى مسؤول عسكري إسرائيلي كبير ،الأسبوع الجاري، بمراقبة ما يحدث في الضفة الغربية بعناية، إذ قال المسؤول: "ثمة حشد سلبي خطير يمكن أن يتراكم هناك، وقد يحدث هذا الأمر حتى قبل عقد الانتخابات".
وكان العقيد بجيش الاحتياط مايكل ميلشتاين قد خدم في عدد من المناصب العليا بالاستخبارات العسكرية ومكتب منسق الأنشطة الحكومية في المناطق (الفلسطينية). ويعتقد ميلشتاين أنَّ الأحداث الأخيرة تبرهن في الغالب على ضعف السلطة الفلسطينية، إذ تواجه السلطة وقتاً عصيباً في حث المجتمع الدولي على الوقوف إلى جانبها، إذ ينشغل المجتمع الدولي بقائمة طويلة من المشكلات الأخرى.
هذا ما تخاف منه إسرائيل في الضفة
ولا يقتنع ميلشتاين بتهديدات السلطة الفلسطينية بإيقاف التنسيق الأمني مع إسرائيل، أو تجديد الاتصالات الإسرائيلية مع السلطة الفلسطينية. وقال ميلشتاين لصحيفة Haaretz الإسرائيلية، إنَّ الخلاف بين حكومة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و "حماس" بقطاع غزة، في واقع الأمر، لا ينفك يزداد.
في السياق، قال ميلشتاين: "إنَّ الشاغل الرئيسي متعلق باحتمالية أنَّ الناس في الشارع، من المنتمين إلى فتح وقوات الأمن سوف يفسرون إعلان عباس إيقاف التنسيق الأمني على نحو مستقل، وسوف يترجمونه إلى (أعمال عنف)".
وأضاف: "إنَّ قلة الحيلة الفلسطينية لا يمكن أن تريح إسرائيل، وتصريح عباس يأتي في خضم أزمة ميزانية حادة تعانيها السلطة الفلسطينية، قد يؤدي استمرارها إلى تدهور خطير في الوضع"، حسب تعبيره.
توظيف كل شيء لإنجاح نتنياهو في الانتخابات
كان نتنياهو الشخص الذي قرر الاستفادة من خبرته الدبلوماسية والأمنية في الحملة الانتخابية، من غير تجاهل المستوطنين الإسرائيليين على حدود قطاع غزة.
ففي بداية الأسبوع الجاري، أُطلق إعلان حملة حزب الليكود، مع قدر كبير من الصخب، ووُصف فيه نتنياهو بأنه رئيس الوزراء في "عُصبة مختلفة" عن تلك الخاصة بمنافسيه، جنباً إلى جنب مع صور تُظهر علاقاته الوثيقة مع قادة الولايات المتحدة وروسيا والهند والبرازيل.
وقد حظي نتنياهو، في الحملة الانتخابية الأخيرة، بالدعم المطلق من جميع هؤلاء القادة. إذ اختار ترامب توقيت الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان ليصبَّ في مصلحة حملة نتنياهو الانتخابية. وحدد الروس بأعجوبة، مكان رفات الجندي المفقود زكريا بوميل في سوريا قبل الانتخابات مباشرة. وقد تتكرر روح التطوع هذه في الجولة الحالية من التصويت أيضاً.
وكما أوردت قناة Channel 12 News الأسبوع الجاري، فمن الممكن أن يزور بوتين إسرائيل حتى قبل الانتخابات، بحجة تدشين نصب تذكاري في القدس. وقالت صحيفة Yedioth Ahronoth الإسرائيلية إنَّ الإدارة الأمريكية تناقش إمكانية عقد مؤتمر في كامب ديفيد مع القادة العرب، بوصفه جزءاً من الخطوات الساعية إلى تعزيز خطة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
ولا تبدو فرص إدارة ترامب في النجاح في تنفيذ مثل هذه الخطة، وقبل عقد الانتخابات، شديدة القوة، لا سيما لو أخذنا في الاعتبار سلسلة التأخيرات الطويلة التي سبقت المؤتمر الاقتصادي بالبحرين. لكن من المتوقع أن يحاول ترامب مساعدة نتنياهو قدر استطاعته. ففي واشنطن، لا يستبعدون احتمالية دعوة نتنياهو إلى اجتماع آخر مع ترامب قبل الانتخابات مباشرة، إذا لم يُعقد مؤتمر السلام.