في خطوة مثيرة للدهشة، حتى بمعايير التهديدات السياسية في الحرب الباردة، سخرت السفارة الروسية بالولايات المتحدة من المقاتلة الأمريكية F-35 باستخدام برامج دعائية تعود إلى حقبة حرب فيتنام.
في الشهر الماضي، غرّد الحساب الرسمي للسفارة الروسية بالولايات المتحدة قائلاً: "إذا شاهدت روسيا طائرة F-35 بمجالها الجوي في أي وقت، فسنودُّ أن نرسل إلى رئيس أركان القوات الجوية، الجنرال ديفيد غولدفين @usairforce، رسالة من كلمتين؛ (تذكَّر فيتنام).. (الطائرة F-35 لن تكون وحدها أبداً)".
الطائرة الأمريكية لن تكون وحدها
وبحسب مجلة National Interest الأمريكية، فإن التغريدة تعود مباشرة إلى محاضرة حديثة ألقاها رئيس أركان القوات الجوية، الجنرال ديفيد غولدفين، في معهد بروكينغز. وخلال كلمته، قدَّم الجنرال غولدفين تقييمه لقدرات المقاتلة F-35: "إذا شاهدت الصين أو روسيا أو أي خصم آخر في العالم طائرة F-35 بمجالها الجوي، فأودُّ أن أرسل إليها جميعاً رسالة من كلمتين: (نحن هنا)، ولا أقصد (أنا هنا). الطائرة F-35 لن تكون وحدها أبداً".
وقدمت عديد من الوسائل الإخبارية تحليلات مهمة لخطاب غولدفين، وأشارت إلى أن تعليقاته جاءت في أعقاب الأداء الناجح لطائرات F-35 في تدريبات "العَلم الأحمر" السنوية بنيفادا. وفي فعالية معهد بروكينغز نفسها، أكّد غولدفين أن الطائرة F-35 تجاوزت "توقعاتنا ليس فقط في قدرتها على النجاة، ولكن في مطاردة الأهداف أيضاً".
أنظمة الدفاع الجوي الروسي بالمرصاد
ولكن الردَّ الروسي والسياق الذي أتى به لم يحظيا بالتغطية نفسها، حيث يبدوان من الخارج مجرد تلاعب بالكلمات بهدف "التحقير" من قدرات تخفي طائرات F-35؛ ويقصد أن "الطائرة F-35 لن تكون وحدها أبداً" في المجال الجوي الروسي، لأن أنظمة الدفاع الجوي الروسية سوف ترصدها.
واستخدام فيتنام في الحملة الدعائية مباشر جداً أيضاً، بالنظر إلى الخسائر الهائلة التي تكبدتها القوات الجوية الأمريكية خلال حرب فيتنام. ويعود الجزء الأكبر من هذه الخسائر إلى مئات من أنظمة الدفاع الجوي، خاصةً الصاروخ S-75 Dvina، الأكثر انتشاراً، والمَدافع المضادة للطائرات التي نقلها الاتحاد السوفييتي إلى الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام (فيت كونغ).
المنافس الشرس.. السوخوي 57
ولكن لا تزال هناك بعض السياقات الفرعية الأعمق التي تستحق النظر، كما تقول مجلة National Interest:
- يخوض الكرملين حملة علاقات عامة طويلة الأمد، لإقناع المستثمرين المحتملين بجدوى برنامجهم للمقاتلة الشبح Su-57. وتضمنت هذه الجهود دائماً التقليل من الطائرة F-35 المنافِسة المباشرة، لذا لن تكون هذه التغريدة غير اعتيادية على الإطلاق إذا كتبها مُعلِّق سياسي روسي أو محلل عسكري. في الحقيقة، من شبه المؤكد أنها لم تكن لتحظى بتغطية الوسائل الإعلامية الكبرى لولا صدورها عن السفارة الروسية. ولكن إذا كان المصدر أهم من المحتوى، فما تفسير ذلك؟ لماذا قد تكتب هيئة دبلوماسية رسمية مثل السفارة الروسية مثل هذه التغريدة؟
- ربما يكون ذلك أوضح مثال على النهج الجديد الذي تتبعه روسيا في خطاباتها. في بداية العقد الحالي ومنتصفه، اعتمد الكرملين ببساطة على تجاهل التشهير الغربي بالقدرات العسكرية الروسية، بحسب المجلة الأمريكية.
- ولكن خلال السنوات الأخيرة، رفع المسؤولون الروس درجات الإثارة، بالرد علانيةً على تلك التعليقات. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك، منذ عدة أشهر فقط، أصدرت وزارة الدفاع الروسية رداً لاذعاً على السفير الأمريكي لدى كولومبيا، الذي سخر من قاذفة القنابل Tu-160 ووصفها بقطعة المتحف.
- وربما لا تخلو هذه الاستراتيجية من العقلانية والمنطق. ففي الوقت الذي يشير فيه الكرملين بفاعلية إلى قدرات الردع النووية والتقليدية التي يمتلكها حلف الناتو، فإنهم مقتنعون تماماً بأن أي إشارة -ولو غير مباشرة- إلى أنظمة الدفاع الجوي الروسية لن تمر دون ردٍّ.