أعلنت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية تفاصيل اتفاق التسوية مع موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عقب سنوات من ممارسات الخصوصية المعيبة. وأكدت أن هذه التسوية تأتي في صالح فيسبوك، حتى لو بلغت العقوبة 5 مليارات دولار، فلماذا تعد هذه العقوبة مجرد مزحة، بحسب تقرير لموقع Tech Crunch الأمريكي؟
1. 5 مليارات دولار رقم مثير للسخرية
بحسب الموقع الأمريكي، قد يبدو مبلغ 5 مليارات كبيراً، ولكن في هذا السياق، فهو مجرد مبلغ بلا أي مغزى. بغض النظر عن أن فيسبوك في هذه المرحلة ربما تجني هذا المبلغ في شهر واحد، فإن هذا المبلغ لا يتوافق مع الأضرار التي تسببت بها، ولا المكاسب التي عادت عليها.
من المرجح جداً أن يبلغ "الإثراء غير المشروع" لشركة فيسبوك، نتيجة جمع بيانات المستخدمين المحظورة، أكثر من 5 مليارات دولار. وكما يقول المفوّض روهي تشوبرا في بيانه المعارض: "ينبغي أن يكون خرق القوانين أخطر من اتباعها". بمعنى آخر، لا ينبغي أن تكون قادراً على سرقة 100 دولار، ثم تدفع غرامة 50 دولاراً لتُفلت من العقاب.
وكتبت المفوّضة ريبيكا كيلي سلاتر في معارضتها: "حقيقة ارتفاع قيمة أسهم فيسبوك عقب الإفصاح عن قيمة العقوبة المحتملة بمقدار 5 مليارات دولار توحي بأن السوق يعتقد أن عقوبة بهذا المستوى تجعل انتهاك القوانين مربحاً".
في قضية جوجل، التي تشبه هذه الحالة كثيراً، بلغت قيمة التسوية مع لجنة التجارة الفيدرالية عدة مرات ضعف قيمة الإثراء غير المشروع للشركة. لماذا لم يكن هذا هو الحال مع فيسبوك؟ لأن التحقيقات لم تتعمق كثيراً.
2. كان التحقيق متسرعاً وغير كامل
لا يحب أحد أن تستمر التحقيقات الجادة بشأن مخالفات (لم تعترف فيسبوك رسمياً بأي منها) لفترة طويلة، حيث يمكن استمرار ارتكاب المخالفات طوال تلك المدة. ولكن هذه القضية ليست بسيطة حيث إن فيسبوك انتهك واحدة أو اثنتين من محظورات لجنة التجارة الفيدرالية خلال فترة قصيرة في عام 2014. وتجاهلت الشركة القيود التي فرضتها الحكومة بشكل منهجي لسنوات، ما يجعلها جديرة بإجراء تحقيق على نطاق واسع.
وبدلاً من التعمّق في طرح الأسئلة عمّن يتحمل المسؤولية، ومقدار المال الذي جنته الشركة من تلك المخالفات، وعما إذا كانت البيانات العامة مضللة، ومقدار الضرر الواقع على الجمهور.. إلخ، اختار المحققون إثبات وجود نمط سريع للمخالفات وصفع الشركة برقم كبير. (ونأمل أن يكون تحقيق مكافحة الاحتكار المُعلن عنه الأربعاء، 24 يوليو/تموز أكثر شمولاً).
3. عدم استجواب أي من المسؤولين التنفيذيين
وكتب شوبرا: "لا يستشهد المفوضون الداعمون لهذا التحقيق بأي تصريح من مارك زوكربيرغ أو أي مسؤول أو مدير آخر في فيسبوك". وبالرغم من وجود محادثات أو خطابات غير رسمية من مسؤولين تنفيذيين رداً على أسئلة أرسلها لهم المحققون، ولكنهم لم يضعوا زوكربيرغ أو ساندبيرغ أو غيرهم من كبار المسؤولين في كرسي التحقيقات. تبدو مزاعم تواطؤ التحقيق على أعلى المستويات الآن حقيقية تماماً، أليس كذلك؟
ولم يقتصر الأمر على عدم استجواب أي من المسؤولين التنفيذيين.
4. لم تُوجّه إليهم أي تُهم أو تُوقّع عليهم أي عقوبات أيضاً
كتب مارك زوكربيرغ العام الماضي أثناء العاصفة المحيطة باستجوابه في الكونغرس: "أنا أسست فيسبوك، وفي النهاية أنا مسؤول عما يحدث على منصّتنا". ولم يكن هذا رأيه هو فقط. هناك الكثير من السوابق في قضايا التسوية تفرض غرامات إضافية على المسؤولين التنفيذيين إلى جانب الغرامات التي تستهدف الشركة. وقد لا يحتاجون حتى إلى شهادة أو اعتراف لفرض مثل تلك الغرامات.
كتب شوبرا، وأقرّت المفوّضة سلاتر على كلامه: "أعتقد أن هناك أدلة كافية بالفعل، بما فيها البيانات العامة، لدعم اتهام مارك زوكربيرغ بانتهاك أمر 2012". وحتى لو لم يكن ذلك صحيحاً، لا بد أن يعلنوا صراحة أن القيادة، إن لم تكن متواطئة بشكل مباشر في كسر القواعد ومخالفة القوانين، فشلت على أقل تقدير في مسؤوليتها لمنع ذلك.
لكن السعي وراء الأفراد قد يتطلب أعمال منفصلة لتقصّي الحقائق، تحتاج إلى أموال باهظة وتستغرق الكثير من الوقت، وبالطبع هناك مخاطر بعد كل ذلك بأن يحكم القاضي ضد لجنة التجارة الفيدرالية وتبرئة المدعى عليه ما قد يشكّل سابقة فريدة وسيئة. ربما قرروا إن المخاطر كبيرة جداً، ولكن بالتأكيد إذا ظهرت بعض المعلومات الجديدة إلى الضوء غداً قد يبدأ المسؤولون في توجيه تهماً فردية.
5. مع التسوية، تحصل على حصانة!
من الطبيعي في مثل تلك التسويات "إبراء ذمة" الشركات من أي مزاعم تشير إلى انتهاكها لأي اتفاقيات، مثل صفقة الإقرار بالذنب حيث توضع فترة تحت الاختبار بدون سجل سوابق جنائية في مقابل غرامة وخدمة مجتمعية. ولكن تسوية فيسبوك تمنح الشركة ومسؤوليها التنفيذيين حصانة شاملة، ليس فقط لأي انتهاكات تزعم لجنة التجارة الفيدرالية ارتكاب الشركة لها، بل لأي انتهاكات لم تصرّح بها اللجنة أيضاً.
بمعنى آخر، تمنح فيسبوك حصانة شاملة لأي انتهاكات معروفة ارتكبتها فعلاً، وأي انتهاكات أخرى قد تكون الشركة ارتكبتها سراً في الفترة بين عاميّ 2012 و2018. وكتبت سلاتر: "لا يبرر محققونا إصدار حصانة بهذا النطاق، كما أنه تصرف غير مدعوم بأي سياسات عامة سابقة أو منضبطة"، وأكد شوبرا ذلك: "لا يمكنني العثور على قرار وحيد للجنة يتضمن إبراء ذمة بمثل هذا النطاق الواسع".
من غير العادي أن يحصل منتهك لوائح بشكل متكرر يظهر ازدراءه تجاه سلطة لجنة التجارة الفيدرالية على مثل هذه الحصانة الشاملة. هذه ليست صفقة للإقرار بالذنب، هذا تساهل غير محدود.
6. تدابير الخصوصية نظام أخلاقي
ربما كانت هذه أفضل فرصة للجنة التجارة الفيدرالية لوضع قواعد قوية لما يمكن وما لا يمكن لفيسبوك فعله ببيانات المستخدمين من الآن فصاعداً، لا سيما بعد تجاهل القواعد السابقة. ولكن بدلاً من أن تضع اللجنة قواعد جديدة مثل التنبيه بشكل أفضل عن أنظمة التعرف على الوجه، أخبرت فيسبوك إن بإمكانها فعل ما تشاء طالما تذكر ذلك في أعمالها الورقية.
طلبت التسوية من فيسبوك توثيق الكثير من الأشياء. إذا كان هناك منتج جديد يمثّل خطراً محتملاً، يتعين على فيسبوك كتابة تقرير عن البيانات التي تجمعها، وكيف تخطر المستخدمين بذلك، وعمّا إذا كان بإمكانهم إلغاء الاشتراك، وكيف تخطط (أو لا تخطط) للحد من تلك المخاطر. ولا توضح لجنة التجارة الفيدرالية في أي موضع ما الذي يمثّل مخاطر غير معقولة، أو الحد الأدنى من متطلبات الإخطار أو إلغاء الاشتراك، أو ما إذا كان المنتج أو الاستراتيجية (مثل الاستحواذ على واتساب) يمثّل موضع شك تلقائياً.
وكتب شوبرا: "الأمر أشبه كما لو أن المنظمين الفيدراليين، بدلاً من مطالبة صنّاع السيارات بتركيب أحزمة الأمان، طلبوا منهم توثيق إيجابيات وسلبيات تركيب أحزمة الأمان، وتركوهم يقررون بأنفسهم إن كان الأمر يستحق أم لا".
طالما تسجّل كل شيء في أعمالها الورقية، تتمتع فيسبوك بحرية اتخاذ القرارات فيما تعتبره مخاطر، أو ضرر للمستخدمين، وكيف يتعين عليها التعامل مع تلك الأشياء. الأمر أشبه بأن تطلب من سارق بنوك أن يكتب مجلة.
7. الرقابة بلا أنياب
يتوجب على فيسبوك إنشاء لجنة للخصوصية، وتعيين مسؤولين للامتثال أو الالتزام، ومراقب مستقل للتأكد من اتباع القواعد التي تضعها فيسبوك لنفسها بشكل سليم. ولكن للأسف، كل ما يفعلونه هو المراجعة والتصديق والإحاطة، دون فعل أي شيء آخر.
يعتمد "مسؤولو الالتزام" برنامج الخصوصية، للتأكد من صحة كل شيء، ولكن لديهم بعض الأهداف المحددة، مثل منع هذا والتأكد من ذلك. بينما المراقب المستقل أيضاً يفتقر للسلطة الحقيقة، بحيث إذا قرر إن برنامج الخصوصية لا ينفذ على النحو المطلوب، سيسجل الشكوى وينتظر رد فيسبوك.
تشكيل لجنة "مستقلة" سيتأثر بشكل كبير بالصلاحيات الموجودة في فيسبوك، حيث القوة التصويتية الهائلة للشركة ستجعل الأمر صعباً على أي أعضاء مثيرين للمشكلات. وحتى إذا لم تتأثر اللجنة بنفوذ الإدارة، فلن يكون لها أي سلطة عليها؛ ستكون مجرد ختم آخر على الأعمال الورقية لفيسبوك.
8. سعدت وتفاجأت بلقائك
كما أوضح هاربر نيديغ في صحيفة The Hill: شون رويال، كبير مستشاري فيسبوك في هذه الإجراءات، شغل منصب نائب مدير مكتب المنافسة في لجنة التجارة الفيدرالية (وليس مكتب حماية المستهلك الذي توّلى تلك القضية) من 2001 حتى 2003. وكان رئيسه في المكتب في تلك الفترة جوزيف سيمونز، الرئيس الحالي للجنة التجارة الفيدرالية.
ربما هذه مجرد مصادفة.
9. لن تغير التسوية أي شيء، بل وتصادق على استمرار فيسبوك في تحقيق الأرباح من المراقبة الجماعية للمستخدمين
لا شيء في هذا القرار يواجه المشكلة الأساسية التي تسببت خلال العقد الماضي في احتكاكات متزايدة بين فيسبوك وكلٍّ من المستخدمين والجهات التنظيمية (المفترضة)؛ وهي أن نموذج عمل الشركة يعتمد على مجموعة ضخمة من البيانات الشخصية للمستخدمين، تستخلصها وتبيعها للمعلنين.
وهذا نموذج أعمال يجب أن يقف أمامه كل جهة تنظيمية معنية بحماية المستهلك، ولكن تأتي هذه التسوية بمثابة تصديقاً عليه. ولا تلزم فيسبوك في الواقع بأكثر من مجموعة إضافية من الأعمال الورقية التي يتعين على الشركة ملئها مع متابعة مسار عملها دون اختلاف.
ولنكن منصفين، فإن لجنة التجارة الفيدرالية وكالة تفاعلية، أي أن قدرتها على اتخاذ خطوات استباقية محدودة للغاية. ولكن لم يبدُ أنهم كانوا يختبرون حدودهم جيداً في تلك القضية. يشير قرار عدم التقاضي، ومبلغ العقوبة فقير الخيال، ومنح الحصانة الشاملة إلى أن الوكالة تعمل بأريحية مع الشركة وأرادت فقط إخراج ذلك إلى النور بشكل ما.
بالكاد نظرت اللجنة إلى متطلبات التسوية عند مناقشة النتائج المالية وأرباح الشركة، بدا أنهم متفهمين إلى أن التسوية لن تؤثر كثيراً على أي شيء. حتى المخاوف التي أبداها زوكربيرغ في وقت سابق من اليوم وأنه سيحتاج إلى تعيين 1000 شخص ربما كانوا يعملون على منتجات أخرى (مطالبة محل شك بالمناسبة) لم تُعالج في قرار التسوية.
كانت هذه فرصة سانحة لكي تثبت لجنة التجارة الفيدرالية إن الولايات المتحدة لا تزال أرضاً تتحمل فيها شركات الإنترنت العملاقة، مثل فيسبوك، مسؤولية أعمالها. ولكن الرسالة التي أصبحت واضحة اليوم هي أن الشيك يمكنه تغيير كل شيء، وليس بالضرورة أن يكون شيكاً ضخماً.