حميدتي في القاهرة لأول مرة.. لماذا تأخرت زيارة زعيم الجنجويد للسيسي؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/29 الساعة 14:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/29 الساعة 17:15 بتوقيت غرينتش
نائب رئيس المجلس العسكري السوداني محمد حمدان دقلو/ رويترز

 حميدتي في القاهرة لأول مرة، تبدو زيارة نائب رئيس المجلس العسكري السوداني محمد حمدان دقلو لمصر أمراً طبيعياً في ظل العلاقة الوثيقة بين القاهرة والنظام الجديد في السودان.

لكن التوقيت المتأخر لهذه الزيارة التي تعد الأولى من نوعها منذ الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، يلفت النظر إلى طبيعة العلاقات المعقدة بين العسكري السوداني وحلفائه الثلاثة الرئيسيين مصر والإمارات والسعودية.

فإذا كانت الدول الثلاث تتفق على الخطوط العريضة في السودان مثل إقصاء الإسلاميين ودعم العسكريين وتحجيم الحراك الثوري.

إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل، وداخل التحالف نفسه يظهر أن هناك اختلافات.

نقاط الاتفاق بين المشير والفريق القادم من عالم الجنجاويد

بحث الطرفان تطورات الموقف الحالي في السودان، كما تناول بعض جوانب العلاقات الثنائية، وفي مقدمتها مشروعات الربط الكهربائي بين البلدين.

وصرح بسام راضي، المتحدث باسم رئاسة مصر، أن السيسي أكد على الموقف الاستراتيجي الثابت لمصر تجاه دعم استقرار وأمن السودان وشعبه الشقيق، وأكد أن مصر تدعم اختيارات الشعب السوداني للحفاظ على الدولة السودانية وترحب باستضافة أي حوار لكافة أطياف الشعب السوداني.

وكان لافتاً أن حميدتي أكد أن السودان لن يسمح بوجود أي عناصر مطلوبة لدى مصر ولن يسمح بوجودهم على الأراضي السودانية، وفي مؤشر على إمكانية تسليم السودان للاجئين هاربين من القمع في مصر.

حليف الإمارات والسعودية

ولكن كل طرف من أطراف التحالف الثلاثي المصري الإماراتي السعودي له حلفاؤه ورجاله داخل العسكري السوداني.

فعندما كان رئيس المجلس العسكري السوداني عبدالفتاح البرهان يزور مصر كان نائبه حميدتي يزور السعودية في نهاية شهر مايو/آيار 2019.

رمزياً يبدو أن العسكري السوداني يراعي وضع مصر باعتبارها شقيقة العرب الكبرى والأقرب للسودان، فذهب البرهان للقاهرة في أولى زياراته وأدى التحية العسكرية الشهيرة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

السيسي وعبدالفتاح البرهان/ وسائل التواصل
السيسي وعبدالفتاح البرهان/ وسائل التواصل

ولكن واقعياً يُنظر لحميدتي على أنه الرجل الأقوى في السودان والمتحكم الفعلي بالسلطة، وهو يبدو لأسباب عديدة ومتنوعة أقرب إلى السعودية والإمارات منه إلى مصر.

فالرجل توثقت علاقته بالدولتين الخليجيتين خلال حرب اليمن بعدما أصبح مورداً للجنود لأبوظبي والرياض في الحرب العالقة هناك منذ نحو أربع سنوات، مقابل المال.

ويقال إنه هناك علاقات وثيقة أخرى مع الإمارات عبر شركات استخراج الذهب التي يمتلكها حميدتي وتبيع إنتاجها في الإمارات.

تموّل قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو (الرجل القوي  الذي يعتقد أنه يؤهل نفسه لكي يكون رئيساً للبلاد) نفسها بفعالية من خلال خدمات الحماية وتعدين الذهب.

ويُقال إنَّ معظم الخام يُصدَّر إلى دبي، حسبما ورد في تقرير لموقع Lobelog الأمريكي.

ويُشتبه في أنَّ العديد من الموالين للنظام يستثمرون مكاسب غير شرعية في ممتلكات كبيرة في السودان وفي العقارات السكنية في دبي وماليزيا.

لا تستطيع مصر أن تنافس السعودية والإمارات في هذا الشكل مع العلاقات.

نفور الجنرالات من رجل الميليشيات

ولكن هناك أمور أخرى تجعل تقارب حميدتي مع الخليج أسهل منه للتقارب مع القاهرة، بالنسبة لعسكرية عريقة وموغلة في القدم مثل العسكرية المصرية فإن التعامل مع الفريق أول محمد حمدان القادم من تاريخ ميليشياواتي ولم يدخل كلية عسكرية ولا حتى مدنية.

يبدو حميدتي تجسيد كامل لكل ما يقول نظام الرئيس السيسي إنه يحاربه في المنطقة العربية، إنه زعيم ميليشيات مشهورة تعد امتداداً لميليشيات الجنجويد المشهورة بمذابحها، ولا تخفي رتبة الفريق أول هذه الحقيقة.

بينما تقول القاهرة إنه في كل مكان تدعم الجيوش في مواجهة الميليشيات.

لا يعني ذلك أن القاهرة تُعادي حميدتي، ولكن طبائع الأمور ترجح أن حميدتي أقرب للثنائي السعودي الإماراتي، ولكن يظل الجميع في حلف واحد، حلف يُعادي الإسلاميين ويحاول وأد الديمقراطية.

انقلاب رئيس الأركان جاء بعد زيارته للقاهرة

اللافت أن زيارة حميدتي جاءت بعد أيام قليلة من الإعلان عن إحباط انقلاب ضد المجلس العسكري الحاكم يقوده رئيس أركان الجيش السوداني هاشم عبدالمطلب أحمد بابكر الذي كان قد عاد لتوّه من القاهرة.

ومن المستبعد أن تكون علاقة القاهرة بالانقلاب، ومن الصعب التثبت من أن هناك انقلاب أم لا أصلاً.

ولكن الأكيد أن كل هذه التحركات تزيد من قوة حميدتي وتقصي أي جنرال قوي داخل الجيش، بل تقصي الجيش نفسه لصالح قوات الدعم السريع التي بتركيبتها لديها علاقات قوية مع دول الخليج.

في المقابل فإن الجيش السوداني التقليدي له علاقات أقوى مع الجيش المصري، بحكم الجوار والتاريخ المشترك.

جنود في الجيش السوداني – رويترز

والعلاقة بين السيسي وحميدتي يمكن أن توصف بعلاقة "حليف الحليف"، كما يصف اللبنانيون مثل هذه التحالفات.

فكلاهما حليف للإمارات والسعودية أكثر منهما حليفين مباشرين.

وبالتالي فرغم أن القاهرة قد تكون مرتاحة للإطاحة بالبشير وإقصاء الإسلاميين وإدخال الثورة السودانية في متاهة، لكن الصعود المتزايد لحميدتي وتراجع جنرالات الجيش السوداني التقليديين سيجعل القاهرة اللاعب الثاني أو الثالث في السودان بعد الإمارات والسعودية.

فميليشيات الجنجويد دوماً تمنح الولاء لمن يدفع لها أكثر.

تحميل المزيد