يتعرَّض وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لهجوم متجدِّد، ليس فقط من المتشددين في طهران هذه المرة، ولكن كذلك من واشنطن، إذ يقول مسؤولو البيت الأبيض إنَّ الرئيس دونالد ترامب طالب بفرض عقوباتٍ على وزير الخارجية الإيراني على وجه التحديد، مما أثار جدلاً في كلا البلدين، حول نوايا الإدارة الأمريكية.
يأتي ذلك مع قرب انهيار الاتفاقية النووية، وإعادة إدارة ترامب فرض عقوبات صارمة على إيران، ومع تهديدات طهران باستئناف عناصر برنامجها النووي، بحسب صحيفة The New York Times الأمريكية.
نظرة الإيرانيين لجواد ظريف
لَطالما سخر المتشدِّدون الإيرانيون من وزير خارجيتهم، محمد جواد ظريف، لأنه يتظاهر بأنَّه أمريكيٌّ، على شاكلة شخصية ظهرت في فيلم إيراني ساخر، يتخيَّل صاحبها أنه يعيش على النمط الأمريكي، من خلال اللهجة التي يتحدَّث بها، والملابس التي يرتديها، ونمط الحياة الذي يتبنَّاه.
خلاصة 1: كان ظريف، الإيراني الأكثر صلة بالمفاوضات التي سبقت اتفاقية عام 2015، التي حدَّت من البرنامج النووي الإيراني، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية الكاسحة، جعلت منه بطلاً في أعين الإيرانيين العاديين والإصلاحيين. ومع ذلك، اعتبره المتشدِّدون ضحية خداع أغواه الغرب في اتفاقية لم يكن الأمريكيون سيلتزمون بها أبداً.
جواد ظريف من وجهة نظر أمريكية
يجادل صقور الإدارة الأمريكية، من أمثال وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، بأن تصنّع ظريف النمط الأمريكي هو الذي يجعله خطيراً، وقال بومبيو إن ظريف ورئيسه حسن روحاني "ممثلان مُهذبان للخداع الدولي لآية الله"، مما يوحي بأن وزير الخارجية (الإيراني) يستخدم لغته الإنجليزية الأمريكية التي لا تشوبها شائبة، باعتبارها خدعة لإخفاء ولائه للخطة المتشددة للزعيم الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي.
لكن النقاد يردون بأن تهديد كبير الدبلوماسيين الإيرانيين لا معنى له، بالنظر إلى إصرار ترامب المتكرر على أن هدفه النهائي هو استئناف المفاوضات مع إيران.
ويضيف المنتقدون أن قطع الطريق أمام الوساطة لخوض أي من تلك المحادثات، قد لا يترك للإدارة الأمريكية في نهاية المطاف أي خيار سوى المواجهة.
قال جيف بريسكوت، المدير السابق للملف الإيراني في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس باراك أوباما: "هذا يجعل من الأصعب أو المستحيل على الإيرانيين اختيار نوع من الدبلوماسية".
جواد ظريف يعلق على العقوبات الأمريكية بحقه
وفي تبادل مكثف لرسائل البريد الإلكتروني، قال ظريف إنَّه شعر بخطر شخصي ضئيل من العقوبات الأمريكية. كتب وزير الخارجية الإيراني: "كل من يعرفني يعرف أنني أو أسرتي لا نملك أي ممتلكات خارج إيران. أنا شخصياً ليس لديَّ حساب بنكي خارج إيران، إيران هي حياتي كلها والتزامي الوحيد، لذلك ليس لديَّ مشكلة شخصية مع العقوبات المحتمَلة".
وأكَّد ظريف على أن واشنطن ستؤذي نفسها فقط بإقصائه
وأضاف: "التأثير الوحيد -وربما الغرض الوحيد- لوضعي ضمن قائمة العقوبات هو الحدّ من قدرتي على التواصل، وأشكُّ في أنَّ هذا سيخدم أي طرف. بالتأكيد سيحدُّ من إمكانية اتخاذ قرارات مدروسة في واشنطن".
وفيما يتعلق بادِّعاءات "الاحتيال"، قال ظريف إنه لم يطلب أبداً من الأمريكيين أن يثقوا به، وإنه بدوره لم يثق بهم يوماً، وبالأخصِّ أثناء مفاوضات الاتفاقية النووية، المعروفة رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).
وكتب ظريف في رسالة البريد الإلكتروني مشيراً إلى الاتفاقية: "على عكس التصريحات العلنية الصادرة عن منتقديها من جميع الأطراف، لم تعتمد JCPOA على الثقة. لقد كانت بالفعل قائمة على اعتراف صريح بعدم الثقة المتبادلة، وهذا هو السبب في أنها طويلة ومتعمّقة".
تأثّر وضع ظريف في طهران تأثراً حاداً من تضاؤل فرص نجاح الاتفاقية النووية.
ضغط داخلي بدأ على ظريف
قال خامنئي، دون ذكر اسمي ظريف أو روحاني، إنَّ أولئك الذين أقنعوه بالتفاوض مع واشنطن ارتكبوا خطأً فادحاً.
وجادل متشدِّدون آخرون بأنَّه يجب على ظريف الآن أن يستقيل أو يواجه الإقالة، أو أن يُحاكَم على جريمة قيادة إيران إلى اتفاق أدَّى إلى إهدار سنوات من البحث والاستثمار النوويين دون فائدة نهائية.
وقال عبدالرضا داوري، المستشار المحافظ للرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، في مقابلة عبر الهاتف من طهران، إنَّ ظريف وحكومته "وضعوا كل بيضهم في سلة السياسة الخارجية والاتفاقية النووية. لقد كان فشلاً ذريعاً، وهم الآن يعتمدون على أجهزة دعم الحياة، على أمل أن يؤدي تغيير الإدارة في الولايات المتحدة إلى إنقاذهم".
وأضاف داوري أن المسؤولين الإيرانيين قالوا مراراً إنهم سعوا فقط لاستخدامات سلمية للطاقة النووية، وليس لامتلاك سلاح نووي، وهو ادعاء لطالما طعن الغرب في صحته، ولكن مع انتهاء اتفاقية عام 2015، دفع العديد من المحافظين في طهران إيران لاستئناف برامجها لتخصيب المواد النووية لتكون "دلالة على القوة".
وأوضح أن البعض في جناحه المتشدد مازالوا على استعداد لإجراء المفاوضات مع ترامب، ولكن ليس من خلال ظريف بعد الآن.
بينما يدافع المعتدلون الإيرانيون عن ظريف، فإنَّهم يستعدون أيضاً لكيل المديح السياسي إليه. قال مصطفى تاج زاده، السياسي الإصلاحي البارز: "لم نحظَ بوزير خارجية مثل ظريف في تاريخ إيران. ما حقَّقه في الاتفاقية النووية بكسب ثقة كل من الأمريكيين وخامنئي، لم يكن أقل من معجزة".
في أعلى درجات النظام السياسي الإيراني، حيث تتسم المعرفة بالولايات المتحدة بالضحالة بوجه عام، مقترنة بالشكوك عميقة الجذور، يبرز ظريف لسلاسة تعامله بين الأمريكيين.
سافر ظريف إلى الولايات المتحدة في السابعة عشرة من عمره للدراسة، وكان طالباً جامعياً في جامعة ولاية سان فرانسيسكو عام 1979، عندما اندلعت الثورة الإسلامية في طهران. (أسهم ظريف في قيادة مجموعة من الطلاب الثوريين الذين استولوا على القنصلية الإيرانية في سان فرانسيسكو).
ظريف نشأ في أمريكا، ويحب المطاعم الأمريكية
وظَلَّ ظريف في الولايات المتحدة، في البداية باعتباره طالباً ثم دبلوماسياً خلال مدة طويلة من شبابه. وعن طريق إجادته للغة الإنجليزية الأمريكية، بدا للغربيين لبقاً، بل وساخراً في أحيان أخرى.
يقول أصدقاء ظريف إنه يفضل القهوة الأمريكية على الشاي الإيراني التقليدي، إضافة إلى أنه يحب تناول الطعام في المطاعم الأمريكية، مع أنه حريص على رفض التقاط أي صور له في مكان تُقدم فيه المشروبات الكحولية علانية، إذ يمكن لمنتقديه من المتشددين استخدام هذا الأمر ضده في طهران.
ويستند الأمريكيون المؤيدون لفرض عقوبات على ظريف إلى قدرته في الظهور كما لو أنه أحد مواطني بلادهم، وهو ما يجعله خطيراً للغاية. وقالوا إن ذلك يساعده على إخفاء الطابع الأساسي المناهض لأمريكا، والشخصية التوسعية للحكومة التي ينتمي إليها.
الخلاصة 2: يقول رويل مارك غيرشت، زميل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمسؤول السابق بوكالة المخابرات المركزية المختص بالشأن الإيراني: "يمكن أن أسميه المُجَمِّل الأكبر لصورة إيران. لقد وجد ظريف طريقة للإفلات من جرائم القتل تقريباً، لأنه صُوِّر بصورة غير صورته الحقيقية -على أنه معتدل- ولكنه مخلص تماماً للمرشد الأعلى وللثورة".
وأضاف غيرشت أن العقوبات ستوجه رسالة إلى الشعب الأمريكي بشأن ظريف ورئيسه روحاني.
وتابع غيرشت: "من المهم في هذه القصة ترويج فكرة أن ظريف أو روحاني جزءٌ من هذا التيار (المعتدل) الذي سيعيد الأوضاع إلى طبيعتها".
لكن ظريف قال، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، إن القضية الراهنة لا تتعلق به أو بالحكومة الإيرانية، بل تتعلق بالاتفاق النووي، الذي قال إنه لم يكن يهدف أبداً إلى "تسوية جميع خلافاتنا".
وأضاف: "تفاوض الجميع على الاتفاق بحرص شديد حول ما هو ممكن وما هو غير ممكن، ولكنه يظل أفضل اتفاق "ممكن" بشأن المسألة النووية".
أما بالنسبة للمنتقدين الذين يسخرون منه ويصفونه بـMamal Amricayi (وهو الشخص الذي يتظاهر بأنه أمريكي في الفيلم المزعوم) قال ظريف إنه لم يشاهد الفيلم من قبل.
وأضاف: "لكنني لا أمانع أن يضحك الناس كثيراً بسببي، فتلك طريقة أخرى لجعلي مفيداً!".