شبهة فساد قد تكون في انتظار صهر ترامب ومستشاره الخاص في الشرق الأوسط جاريد كوشنر، بعد تسريب نقلته صحيفة The Guardian البريطانية، يوم الإثنين الماضي 10 يونيو/حزيران، بتلقّي إحدى مؤسساته أكثر من 90 مليون دولار من شركات سرية أجنبية.
القصة: إذ أفاد جون سوين، بأنَّ إحدى الشركات التي شارك كوشنر في تأسيسها تلقَّت أكثر من 90 مليون دولار في صورة تمويلاتٍ أجنبية انتقلت عبر شركاتٍ خارجية سرية، وذلك منذ دخوله البيت الأبيض بصفته مستشاراً أول لوالد زوجته دونالد ترامب، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.
ولا يعرف عامة الناس شيئاً عن مصدر هذه الأموال، وهي مشكلةٌ كبيرة بالنظر إلى أن كوشنر ليس مجرد واحد من كبار مبعوثي دونالد ترامب الدوليين، بل هو مبعوثه الرئيسي الفعلي.
مسؤولون سابقون انزعجوا من كوشنر!
وكان وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، قد وجدا تدخُّل كوشنر في دبلوماسية الشرق الأوسط مبهماً ومزعجاً، بل وخطراً كذلك بحلول صيف عام 2017 حين منح الضوء الأخضر لحصار قطر . وتحوَّل إلى ممثل حكومة الولايات المتحدة الرئيسي داخل منطقةٍ سيئة السمعة، اشتُهِرَت بمحاولة جذب الدعم السياسي الأمريكي عن طريق الأموال، بفضل حماسته من أجل إبرام "صفقة القرن" لصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يُعَدُّ صديق عائلته منذ فترةٍ طويلة.
وهذا يعني أنَّ أيّ ذرةٍ من تضارب المصالح المحتمل ستُقوِّض دبلوماسية كوشنر، وهو أمرٌ لن تقبل به أي إدارةٍ أمريكية أخرى.
وبحسب الصحيفة البريطانية، هذا هو عالم ترامب، حيث توجد قاعدةٌ توجيهية واحدة فقط، ولا يُكلِّف المسؤولون الرئيسيون أنفسهم عناء إخفائها: وهي دفع الأموال مقابل تأدية الخدمات. وصار الفساد واستغلال المناصب اللذان يمارسهما ترامب وعائلته مستشرياً لدرجة أنَّك ستُعجب بجرأتهم لو لم يكن الأمر مرعباً للغاية.
قصة الشركة التي أدرّت ملايين الدولارات لصهر ترامب
أسَّس كوشنر شركة Cadre التي تدور حولها الاتهامات، وهي شركةٌ وسيطة في مجال تجارة العقارات عبر الإنترنت، مع شقيقه جوشوا في عام 2014. وقال كوشنر لزملائه بعد ذلك بفترةٍ قصيرة: "ستجعلنا شركة Cadre من أصحاب المليارات". ورفض التخلي عن كامل حصته في الشركة حين انضم إلى إدارة ترامب. وصحيحٌ أنَّ كوشنر يدَّعي أنَّه تنازل عن معظمها، لكنَّ المساهمين لم يُخطَروا بعملية البيع، وهو أمرٌ غير معتاد على الإطلاق.
والأسوأ من ذلك هو أنَّه لم يذكر حصته بالشركة في نموذج الإقرار المالي الأولي الذي قدَّمه في مارس/آذار من عام 2017 إلى مكتب الأخلاقيات الحكومية، وكانت قيمتها تصل إلى 25 مليون دولار آنذاك. وحين نشرت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية تقريراً عن ذلك الخطأ الفادح؛ قال محامي كوشنر إنَّ هذا الإغفال كان غير متعمد وسيجري تصحيحه. وبلغت قيمة حصة كوشنر في شركة Cadre ما يصل إلى 50 مليون دولار، أو ما بين 3% و6% من الشركة، بحلول شهر يونيو/حزيران من العام الماضي 2018.
توصيات ضد كوشنر وزوجته
وزعم أحد المبلغين عن المخالفات أنَّ مصالح كوشنر التجارية هي من بين الأسباب التي جعلت مسؤولي الأمن في البيت الأبيض يوصون بعدم منحه هو وزوجته إيفانكا ترامب، ذات المصالح المتضاربة كذلك، تصريحاً أمنياً عالي المستوى، وهي التوصيات التي تجاهلها ترامب.
وصحيحٌ أنَّ العديد من الإدارات الأمريكية السابقة تعرَّضت لفضائح فساد مرتبطة ببعض أقرباء الرؤساء الذين رأوا في القرب من السلطة فرصةً لجني الأموال. إذ حاول بيلي كاتر، الشقيق الأصغر للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، ربح الأموال عن طريق دعم شركة Billy Beer في سبعينيات القرن الماضي. وأسَّس نيل بوش، نجل جورج بوش الأب الرئيس الأمريكي آنذاك، شركة لتكنولوجيا الفصول الدراسية في عام 1999. وتلقَّت شركة نيل بوش استثمارات من العائلة المالكة الكويتية، ومدير إحدى الشركات التكنولوجية في الصين، وملياردير روسي. وفي العام نفسه، دخل توني رودهام، شقيق هيلاري كلينتون الذي توفّي، في شراكةٍ مع الخصم السياسي لأحد حلفاء الولايات المتحدة من أجل تصدير البندق من جمهورية جورجيا السوفيتية السابقة.
انتفاع ولكن خارج البيت الأبيض!
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإنَّ تلك الجهود الانتفاعية بُذِلت خارج البيت الأبيض من جانب أقرباء الرؤساء الأمريكيين الذين لا يحملون تصاريح أمنية عالية المستوى. وهي جهودٌ هزيلة مقارنةً بما يُحتمل أن يكون آل ترامب و آل كوشنر قد فعلاه.
ومن أبرز ما فعلاه حتى الآن: قضية سجلات العائدات الضريبية للرئيس الأمريكي، التي رفض ترامب الكشف عنها رغم وجود قانونٍ يُلزِمُ وزير الخزانة الأمريكي بتقديمها إلى الكونغرس عند الطلب. ونعلم أيضاً أنَّ مصرف دويتشه بنك أقرض منظمة ترامب أموالاً عبر قسم الخدمات المصرفية الخاصة ابتداءً من عام 2010، وليس من خلال ميزانية البنك العمومية، مما يعني أنَّ أعمال ترامب مرتبطة بكيانات أو أفراد محجوبي الهوية.
وخلط ترامب أيضاً السياسة خلطاً متناهي "البجاحة" بأعماله الخاصة منذ توليه الرئاسة، عن طريق الاستخدام الرئاسي لبعض ممتلكاته الخاصة، مثل منتجع مار إيه لاغو الذي وصفه بـ "البيت الأبيض الشتوي"، وفندق ترامب الدولي في العاصمة الأمريكية واشنطن -والذي تكدَّس بنزلاء أجانب كانوا يتطلعون إلى كسب تأييد مسؤولي الإدارة الأمريكية.
وكذلك شهدنا فضيحة "السوار". إذ روَّجت إيفانكا لسوارٍ ماسي يحمل علامتها التجارية خلال برنامج 60 Minutes في الـ16 من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، وذلك بعد بضعة أيامٍ فقط من بدء المرحلة الانتقالية لتولي ترامب الرئاسة. وفي اليوم التالي، نشرت شركتها إعلاناً عن السوار ذكرت فيه أنَّ قيمته تتخطَّى الـ10 آلاف دولار. وعلى مدار الأشهر الـ17 التالية، عملت إيفانكا مستشارةً في البيت الأبيض مع الاحتفاظ بملكية شركتها، التي حصلت على الحقوق الحصرية للعديد من العلامات التجارية الأجنبية المربحة، والتي أُبرِمَ بعضها بالتزامن مع اجتماعاتها أو محادثاتها مع قادة تلك الدول الأجنبية.
ممارسات كوشنر ووالده
والتقى زوجها كوشنر، الرئيس الصوري للتواصل الخارجي نيابةً عن فريق ترامب الانتقالي آنذاك، ووالده تشارلز سراً مع القادة الصينيين وحكام عدة بلدان في الشرق الأوسط في ذلك الوقت، سعياً للحصول على أموالٍ لإنقاذ مبناهم المنكوب مالياً رقم 666 في شارع فيفث أفينو. وكانوا آنذاك بحاجةٍ إلى سداد ديونٍ بقيمة 1.4 مليار دولار بحلول فبراير/شباط من العام الجاري 2019.
وأنقذتهما شركة بروكفيلد الكندية في نهاية المطاف، بتقديم عرضٍ مالي غير منطقي وفقاً لأي منطق عادي في مجال العقارات: إذ استأجرت الشركة المبنى لمدة 99 عاماً مُقابل 1.3 مليار دولار، ودفعت المبلغ بالكامل مُقدَّماً.
وفي أي إدارة أمريكية أخرى، كان الرئيس سيُقيل أي مسؤولٍ حكومي بارز -ناهيك عن صهره- كُشِف عن أنَّه تمسَّك بحصة قدرها 50 مليون دولار في شركةٍ أثناء تأدية واجبات منصبه وأخفى ذلك عمداً. لكنَّ ترامب لن يفعل ذلك، لذا يجب على الجهات الحكومية الأخرى أن تتكفَّل بذلك.
إذ يجب على وزارة العدل التحقيق في حصة كوشنر التي لم يكشف عنها في البداية، والتي تصل قيمتها إلى 50 مليون دولار في شركة Cadre، والاستثمارات التي حصلت عليها الشركة منذ ذلك الحين.
دور الكونغرس المفقود
وبحسب الصحيفة البريطانية، يتعيَّن على الكونغرس كذلك أن يبذل جهداً أكبر من أجل التغلُّب على رفض التعاون، والتحقيق في العلاقات الغريبة التي كانت تربط شركات كوشنر ومنظمة ترامب بمصرف دويتشه بنك، الذي تجاهل كبار مسؤوليه التنفيذيين طلباتٍ لإبلاغ الحكومة الأمريكية بمعاملات ترامب وكوشنر المالية بحثاً عن نشاطٍ مشبوه محتمل. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ عضوة مجلس الشيوخ إليزابيث وارين تُطالب شركة Freddie Mac للرهن العقاري، المدعومة من الحكومة، بتقديم تفاصيل حول صفقة كوشنر التي دعمتها في ربيع العام الجاري بقيمة 800 مليون دولار.
ويجب على الكونغرس أيضاً التدقيق في اتصالات جاريد الخاصة وتحالفه الراسخ مع الأمير السعودي الثري الخطر محمد بن سلمان، إذ تجدُر الإشارة إلى أنَّ السعوديين كانوا من المساهمين في الشركة الكندية التي أنقذت مبنى شارع فيفث أفينو الشهير. لكنَّ هذه التنبيهات ستضيع بطريقةٍ أو بأخرى وسط الضجيج المُثار حول علاقة ترامب بروسيا، وغيرها من مُشتِّتات الانتباه الكاذبة.
وسيذكُر التاريخ أنَّ الفساد كان هو الصفة الأكثر تدميراً وتمييزاً للعائلة الفوضوية التي تسكن البيت الأبيض، لكنَّ ذلك لن يحدث إلَّا في حال تدخُّل الكونغرس.