وفي يوم 18 فبراير/شباط 2011، أي بعد ستة أشهر على وفاتها، نشرت إستر رسالة على حساب تويتر الخاص بها: "إنه يوم الجمعة، 14 يناير/كانون الثاني عام 2010، وأود أن أقول إني آمل بشدة أن أظل على قيد الحياة عندما تُنشر هذه الرسالة"، وأضافت تعبير وجه مبتسم بنظارات شمسية. وقالت أمها، لوري إيرل من ماساتشوستس، إن أصدقاء إستر ومتابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي "فزعوا" تماماً من تلك التغريدة.
وقالت: "أعتقد أنهم وجدوا التغريدة مثيرة للأعصاب لأنها غير متوقعة". ولم تعلم إيرل الخدمة التي استخدمتها ابنتها للجدولة الزمنية لتغريدتها لتُنشر بعد عام، ولكنها تعتقد أنها كانت تقصد نفسها بهذه الرسالة، وليس أحباءها من بعد موتها. وقالت الأم: "كانت تأمل في أن تستلم رسالتها بنفسها، كانت تأمل أن تظل على قيد الحياة، كانت متمسكة بالحياة".
ولكن على الرغم من تصوير تشارلي بروكر للحياة الرقمية بعد الموت بطريقة متشابكة، قد يكون الإرث الرقمي في الواقع أكثر راحة للمقربين. استخدمت إستر إيرل خدمة تُدعى FutureMe لإرسال رسائل إلكترونية لنفسها، وذكرت إن بإمكان والديها قراءتها في حال وفاتها. وبعد ثلاثة أشهر من وفاة إستر، استلمت والدتها واحدة من تلك الرسائل الإلكترونية. وقالت عن الرسالة: "إنها كانت قوية بشكل مزلزل. هذه الرسالة جعلتنا ننتحب، ولكنها أشعرتنا أيضاً براحة كبيرة. أعتقد أن ذلك بسبب أنها مقصودة، وحقيقة أنها كانت تفكر في مستقبلها، والوضوح الذي قبلت به ما كانت عليه وما كانت تأمل أن تصبح عليه".
البصمة الرقمية مشكلة حقيقية
وذكر ويلسون أيضاً أن الأشخاص لا يعلمون القوانين المعنية بالأصول الرقمية مثل الموسيقى والأفلام والألعاب التي يُنزلونها. بالرغم من اعتقاد معظمنا أننا نمتلك مكتبة iTunes الخاصة بنا أو مجموعة ألعاب PlayStation التي نشتريها، في الحقيقة، معظم تلك التنزيلات الرقمية تمنحنا ترخيصاً للاستخدام فقط، وينتهي هذا الترخيص بوفاتنا.
ما نريده وما يسمح به القانون لنا تجاه إرثنا الرقمي قد يكونان مختلفين تماماً. حتى الآن لا توجد قوانين تسيطر على قراراتنا المتعقلة بإرثنا الرقمي. تقول كاسكيت: "القوانين التنظيمية دائماً ما تكون بطيئة في مواكبة التكنولوجيا. لهذا ينتهي الأمر بكتابة القواعد واللوائح من قبل المنصات والمؤسسات مثل فيسبوك".
فيسبوك يواجه أسئلة صعبة
في عام 2012، تُوفيت فتاة ألمانية بعدما صدمها قطار الأنفاق في برلين. وبالرغم من ترك الفتاة كلمات مرورها الإلكترونية لوالديها، لم يتمكنا من الوصول لحساب فيسبوك الخاص بها بسبب تحويله لـ"ذكرى" من قبل الشبكة الاجتماعية. بداية من أكتوبر/تشرين الأول 2009، سمحت فيسبوك بتحويل الملفات الشخصية إلى "صفحات تذكارية" تظل للأبد. بحيث لا يتمكن أحد من الوصول إلى الحساب أو تجميده، ويظل مجمداً في مكانه ليشارك عليه الأحباء تعازيهم.
ورفع والدا الفتاة دعوى قضائية ضد فيسبوك للوصول لحسابها، وكانوا يأملون من خلال استخدامه تحديد إن كانت وفاتها ناتجة عن الانتحار. وخسرا القضية، إلى أن منحتهما محكمة ألمانية الإذن لاحقاً للوصول لحسابها، بعد ستة أعوام على وفاتها.
وتقول كاسكيت: "أجد من المريب على أي شركة تقنية كبرى لم تتمكن حتى من إثبات أي مصداقية أو شفافية أو أنها منظمة أخلاقية تتولى بنفسها صياغة القواعد التي تملي علينا كيف نحزن، وتصدر أحكاماً أخلاقية بمن يتوجب عليه ومن لا يتوجب عليه الوصول للبيانات الشخصية الحساسة". وتتساءل المؤلفة عن الطريقة التي تستخدم بها فيسبوك بيانات الموتى لتحقيق الأرباح، بحجة رغبة المستخدمين الأحياء في إبقاء حسابات أحبائهم على فيسبوك لكيلا يخسروا إمكانية الوصول لصفحاتهم التذكارية. وتعتقد، كعالمة نفسية، أن فيسبوك قد يكون هو من يملي علينا أحزاننا.
وأضافت كاسكيت: "يحول فيسبوك الحسابات إلى صفحات تذكارية لمنع ما يُطلق عليه (نقاط الألم)، مثل استلام تذكير بأعياد ميلاد الأشخاص المتوفين. ولكن واحدة من الأمهات اللاتي تحدثت إليهن لكتابي كانت منزعجة جداً من تحويل حساب ابنتها لصفحة تذكارية وتوقفت مثل تلك الإشعارات. كانت تقول إنها لا تزال ابنتي، ولا يزال هذا التاريخ الذي ولدتها فيه".
وبالرغم من أن مستخدمي فيسبوك لديهم الآن خيار تحديد "جهة اتصال وصيّة" يمكنها إدارة أو حذف ملفاتهم الشخصية بعد الوفاة، تشعر كاسكيت بالقلق إزاء خيارات التخصيص المحدودة جداً فينا ما يتعلق بأمور مثل تذكير أعياد الميلاد أو إذا كان بإمكان الغرباء النشر على الملف الشخصي. وتقول: "إن خصائص التفرد والخصوصية التي تتسم بالحزن سوف تضيق الخناق على فيسبوك في كل مرة يحاول فيها الوصول إلى حل واحد يناسب الجميع".
يقول ماثيو هيلم، المحلل التقني البالغ من العمر 27 عاماً من مينيسوتا، إن ملف والدته الشخصي على فيسبوك ضاعف أحزانه عقب وفاتها منذ أربع سنوات: "كان العام الأول هو الأكثر صعوبة، حيث شعرت أن بعض الأقارب ينشرون تعازيهم على الملف الشخصي لأمي لجذب الانتباه. في البداية، كنت أتمنى لو كان بإمكاني مسح كل شيء". وكان يأمل هيلم أن يحذف الملف الشخصي لأمه ولكنه لم يكن قادراً على الوصول للحساب. ولم يطلب من فيسبوك حذف الملف الشخصي لأنه لم يرد أن يمنحهم إقراراً بوفاة أمه.
وعلى العكس من ذلك، أحبت ستيفاني نيمو، الكاتبة البالغة من العمر 50 عاماً من ويمبلدون، أن تكون جهة الاتصال الوصيّة لزوجها بعد وفاته بسرطان الأمعاء في ديسمبر/كانون الأول 2015. وتقول: "تشاركت أنا وزوجي الكثير من المعلومات على فيسبوك. كان الأمر أشبه بمذكرات يومية إلكترونية. لم أرد خسارة كل ذلك". وتسعد بمواصلة نشر الناس على الملف الشخصي لزوجها، وتستمتع بالإشارة لحسابه في المنشورات التي تتعلق بإنجازات أبنائهم. وأضافت: "لست طائشة ولا أقيم له ضريحاً، ولكنها الطريقة التي أخبرهم بها بأن والدهم عاش من أجلهم ولعب دوراً مهماً في حياتهم".
والآن تشجع نيمو الأشخاص على التخطيط لإرثهم الرقمي. وترك زوجها أيضاً كلمات مرور حساباته على ريديت وتويتر وجوجل وحساباته البنكية الإلكترونية أيضاً. كما حذف رسائل فيسبوك التي لم يرغب أن تراها زوجته. وتقول نيمو: "حتى في الزواج هناك أمور معينة لا ترغب أن يراها نصفك الآخر لأنها شديدة الخصوصية. ويقلقني قليلاً هذا الأمر، هناك أشياء لا أود أن يراها أبنائي أيضاً إذا حدث لي شيء ما".
من له الحق بالاطلاع على أسرار المتوفى؟
وعندما يتعلق الأمر بالاختيار بين السماح للأقارب بالوصول لحساباتك أو ترك منصة الوسائط الاجتماعية تستخدم بياناتك بعد وفاتك إلى أجل غير مسمى، تصبح الخصوصية قضية أساسية. على الرغم من أن الاختيار الأول قد يثير قلقنا، فالخيار الثاني أشد بؤساً بكل تأكيد. تقول د. إيدينجا هاربينجا، محاضرة القانون بجامعة رتفوردشاير، إنه ينبغي أن نطالب بحقنا القانوني في الخصوصية بعد الموت.
وتقول: "ينبغي أن يكون للمتوفى الحق في التحكم بما يحدث لبياناته الشخصية وهويته الإلكترونية عند وفاته". وأوضحت أن قانون حماية البيانات لعام 2018 يعرّف "البيانات الشخصية" بأنها تعود للأحياء فقط. وتقول هاربينجا إن هذا التعريف يمثل معضلة بسبب عدم تطبيق القواعد واللوائح مثل النظام الأوروبي العام لحماية البيانات على الموتى، وعدم وجود أحكام تتيح لنا تمرير بياناتنا الإلكترونية في وصايانا". وتضيف: "ستظهر العديد من المشكلات لأننا لا نعرف ماذا سيحدث في حالة وجود جهة اتصال وصيّة على حساب فيسبوك، ولكن هناك شخصاً من أقرب الأقارب يريد الوصول للحساب". على سبيل المثال، إذا قررت أن تسمح لأحد أصدقائك بحذف صور حسابك على فيسبوك بعد وفاتك، يمكن لزوجك أن يعارض ذلك قانونياً. وتقول هاربينجا "سنرى الكثير من القضايا في المحاكم بهذا الشكل".
وتقول كاسكيت إن الأشخاص لا يدركون مقدار التخطيط والتحضير الذي يحتاجون إليه لوضع الخطط القابلة للتنفيذ. من الواضح إننا إن لم نبدأ باتخاذ القرارات المتعلقة بالوفاة الرقمية، سيتخذها عنّا شخص آخر، "وما قد يتوق إليه شخص ما قد يكون مرعباً للآخرين".
واصلت إستر إيرل التغريد على تويتر بعد عام من وفاتها. واستمرت المنشورات الآلية من الموقع الموسيقي الإلكتروني Last.fm لتذكّر متابعيها بالموسيقى التي تحبها. لا يمكننا توقع المشكلات الإلكترونية التي نتركها وراءنا بعد الموت؛ لم يخطر ببال لوري إيرل قط أن تلغي أذون منصة Last.fm للنشر على صفحة ابنتها قبل وفاتها. وتقول: "كنّا سنوقف تحديث المنشورات إن كان باستطاعتنا ذلك".
تقول كاسكيت إن "الفكرة الأساسية" هي التفكير بمقدار ما نخزّنه من البيانات رقمياً. وتضيف: "تحتفظ أجهتنا، رغماً عنّا ودون جهد منّا، بالكثير من البيانات. ولا نفكر بعواقب ذلك عندما لا نعود موجودين".