أبو ظبي مرعوبة، إذ يبدو أنها أكثر من سيدفع ثمن التصعيد الذي خلقته بنفسها في منطقة الخليج، إذ تظهر الأحداث المتوالية ضعف الإمارات في مواجهة أي انتقام إيراني.
واللافت أن الإمارات تتجنب اتهام إيران بالمسؤولية عن الهجمات التي تتعرض لها البلاد، بل الأكثر من ذلك، إنها تحاول إخفاء وقوع هذه الهجمات.
ضعف الإمارات في مواجهة أي انتقام إيراني ظهر من خلال هذه الهجمات
ساندَ ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد كل إجراءٍ ضد إيران: نقضُ أمريكا لاتفاقها النووي مع إيران، العقوبات ضد طهران، تشكيل الناتو العربي، إقامة مؤتمرٍ "معادٍ لإيران" في بولندا، وتصنيفُ الحرسِ الثوري الإيراني منظمةً إرهابية.
كل ذلك في سبيل جعل إمارته الصغيرة ركناً أساسياً في سياسة واشنطن تجاه إيران، والآن يدفع الأمير ثمنَ هذه المواقف، حسبما ورد في مقال لديفيد هيرست، رئيس تحرير Middle East Eye البريطاني.
كشفت ثلاثُ هجماتٍ على مرافق نفطية وخط أنابيبٍ سعودي بوضوح وفعالية ضعفَ أبو ظبي أمام هجماتٍ في أي مكانٍ في الخليج وجنوب مضيق هرمز في حال نشبت حربُ خليجٍ ثالثة شاملة.
هجوم لم يعلن عنه أقلق الإماراتيين
كانت ثمة هجماتٌ أخرى تبناها الحوثيون اليمنيون، لكن كان أيضاً ثمة هجومٌ لم يتم الإعلان عنه، حسب هيرست.
إذ تم استهدافُ بئر نفطٍ إماراتية في الخليج، حسب مصدرٍ إماراتيٍّ مطلع، قبل أيامٍ من زرع ألغامٍ بحرية على أربع ناقلات نفطٍ قُبالة ميناء الفجيرة في بداية الشهر الماضي.
وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه إن "الأضرار كانت محدودة، ومثله مثل الألغام الأخرى كان الغرض هو إرسالُ رسالة.
وأضاف "سبب الهجومُ أضراراً ولكنها لم تكن جسيمة. لكن نحن قلقون جداً حيال هذا. مستشارُ الرئيس الأمريكي للأمن القومي، جون بولتون، لا يتقدم بالسرعة التي كانت تأملها أبو ظبي".
فشلت ثلاثةُ مؤتمراتٍ في مكة، حضرها كلها محمد بن زايد خلال عطلة نهاية الأسبوع، فشلت في الوصول إلى ردٍّ متماسك.
تعهد بولتون بأن الولايات المتحدة ستقدم أدلةً على تورط إيران في الهجوم إلى مجلس الأمن الدولي.
رسالة واضحة لبن زايد
الرسالة الأكثر تماسكاً يوم السبت أتت من المعسكر الآخر.
فقد حذَّر زعيم حزب الله، حسن نصر الله، أن "المنطقة كلها ستشتعل" إن بدأت الولايات المتحدة حرباً، ما سيدفع سعر برميل النفط للارتفاع إلى 300 دولار. لكن نصر الله كان متأكداً مع ذلك من أن هذا لن يحدث بسبب كل ما يعنيه ذلك لأن "الجميع متورطون".
كان المقصود بالرسالة هو جيرانُ إيران في الخليج.
الهجمات التي كان الغرض منها جذب انتباه العالم ولكنها لم تسبب أضراراً تذكر أرسلت رسالةً قويةً إلى محمد بن زايد بشكلٍ شخصي.
إيران وصفت الاتهامات بأنها المسؤولة عن الهجمات بأنها "بلا أساس".
ولكن أياً كان من قام بالهجمات، يبدو أنه كان يقول لمحمد بن زايد: "ثمة طرفان يمكن أن يقوما بالتصعيد، وإمارتك الصغيرة ستكون في واجهة الفوضى التي خلقتها أنت بنفسك".
الإمارات أنكرت وقوع الهجمات، لكن الحوثيين قدموا الأدلة
الاستجابة الإماراتية على تلك الرسالة كانت الصمت والإنكار.
أنكرت الإمارات في البداية أن الهجمات على الفجيرة حدثت بالأصل، مثلما أنكرت الهجمات الحوثية بطائراتٍ من دون طيار على مطاري أبوظبي ودبي خلال الصيف الماضي.
ونقل المكتب الإعلامي في أبوظبي عن هيئة الطيران بعد تبني الحركة اليمنية هجوماً في أغسطس/آب الماضي أن "المزاعم الإعلامية الحوثية حول مطار دبي الدولي مزاعم كاذبة.
وقالت الهيئة بعد هجومٍ آخر في سبتمبر/أيلول الماضي إنه "بالنسبة للتقارير التي أوردتها مصادر مشكوكٌ فيها هذا الصباح، يمكن لهيئة إدارة مطارات دبي التأكيد أن مطار دبي الدولي يعمل بشكل طبيعي بدون أي انقطاع".
لكن فيلماً تم التقاطه بطائرة من دون طيار تحلق فوق المدرج الأول من المطار وتتحول بعد انفجارها إلى كرة من النار، كان تأكيداً لوقوع الهجوم.
إذ نشر الحوثيون، المعروفون رسمياً باسم أنصار الله، مقطع فيديو في الثالث والعشرين من شهر مايو/أيار الماضي يُظهر الهجوم ويفند الإنكار الإماراتي.
ولكن الأغرب لماذا لا توجه الإمارات اتهاماً مباشراً إلى إيران؟
لم توجه الإمارات تهماً رسميةً لإيران حول الهجمات التي وقعت، حتى بعد مؤتمرات مكة الثلاثة التي خصصت لحشد الدعم الخليجي، والعربي والإسلامي ضد إيران.
وحين سأل مراسل البي بي سي وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بشكلٍ مباشر ما إذا كان يعتقد أن إيران مسؤولة عن الهجمات، اكتفى الجبير بالقول: "لدينا بعض المؤشرات وسوف نعلن عن النتائج فور انتهاء التحقيق".
بالنسبة لأبوظبي الاتهامُ العلني لا يقل خطورةً، فتوجيه الاتهام الرسمي لإيران يعني أن الجمهورية الإسلامية قامت بإعلان الحرب، حربٍ لا أحد مستعدٌ لها، وخاصةً الإمارات.
كما سيؤدي ذلك أيضاً إلى ارتفاع رسوم التأمين ويفزع السفن التجارية ويقلص حركة الشحن التي اجتذبتها الإماراتُ إلى موانئها، وخاصةً ميناء الفجيرة، ثاني أضخم ميناء في العالم لتزويد السفن بالوقود.
وهذه السياسات أطلقت انتقادات داخلية ضد بن زايد
كان حجم التجارة غير النفطية الإيرانية مع الإمارات بقيمة 16.83 مليار دولار في عام 2018، معظمها عبر دبي. الآن وبسبب الحزمة الأخيرة من العقوبات، تم طردُ العديد من الشركات الإيرانية التي انتقلت إلى عمان وقطر وتركيا. هذا أيضاً خلق توتراتٍ بين دبي وأبو ظبي.
يتم التعبير عن السياسات العدائية تجاه محمد بن زايد على أعلى المستويات داخل الإمارات.
فنائب الرئيس الإماراتي ورئيس الوزراء، محمد بن راشد آل مكتوم، أعلن في تغريداتٍ على تويتر معارضته للسياسات "الكريهة"، وقال إن التاريخ سيقرر ما إذا كان الحكام العرب لديهم "إنجازاتٌ عظيمة تتحدث عن نفسها أم مجرد خطابات فارغة مكونة من صفحاتٍ وكلماتٍ بلا قيمة".
التوتر في الإمارات واضحٌ أيضاً على شبكات التواصل الاجتماعي بين شخصياتٍ رسمية، فحين عبر الأكاديمي عبدالخالق عبدالله عن الموقف الرسمي قائلاً في تغريدةٍ إن "دول الخليج لا تريد الحرب ولكن إن نشبت الحرب فإنها محصَّنةٌ بأقوى درعٍ دفاعي يمكن تخيله. كما أنها ستكون في موقفِ المستفيد من تقليص نفوذ إيران وتقزيمها ونزع مخالبها".
فرد رجل الأعمال البارز خلف أحمد الحبتور، الذي يدعم إقامة علاقاتٍ أقوى مع إسرائيل: "أخي الدكتور عبدالخالق، ما من رابح في الحرب. صحيحٌ أننا محميون دفاعياً، لكن اقتصادنا لن ينجو من نتائج أي هجومٍ عسكري على إيران، وهذا سيشلُّ المنطقة اقتصادياً لسنوات. لا نريد حرباً في منطقتنا ونطالب زعماءنا بالبحث عن حلٍ للأزمة بأي طريقةٍ عدا الحل العسكري".
فرانكنشتاين الصغير جعل ترامب يأتي له بحاملة طائرات ولكن الحوثيين لديهم 300 طائرة مسيرة
يدرك الآن الموظفون السابقون في وزارة الخارجية الأمريكية أنهم خلقوا "فرانكنشتاين الصغير" بالترويج لمحمد بن زايد، الطيار السابق في سلاح الجو الإماراتي، ليشغل المنصب الذي يشغله الآن، وليصبح مقرباً من ترامب أقل رؤساء أمريكا توازناً وأسهلهم إقناعاً عبر تاريخها، لكن فات أوان الندم.
استراتيجية إيران، التي ستتضح بانتهاء مهلة الشهرين الممنوحة للدول الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015 لإنقاذ الاتفاق، ستكون استخدامَ الانسحاب من بنودٍ محددة من الاتفاق كأدواتٍ للضغط في أي مفاوضاتٍ مستقبلية.
كما أن استراتيجيتها ستقوم على وضع شروطٍ فعالة مسبقة للمحادثات، وبحث ما الحافز الذي يتعين عليها القبول به للتفاوض قبل رفع العقوبات؟
في هذه الأثناء، لدى بولتون حاملة طائرات أبراهام لينكولن وقاذفات بي 52 التي كان نشرها حسب ما قال في نهاية الأسبوع الماضي بتوصيةٍ من الجيش الأمريكي، لكنه شخصياً أعلن الخبر.
ولدى الحوثيين بنكٌ من 300 هدف لطائراتهم بدون طيار، وهم ينوون استخدامها كلها.
والآن، هل حقق بن زايد أهدافه من كل هذه المغامرات؟
المعضلة الحالية لأبو ظبي هي بلا شك صنيعةُ يديها. لقد أظهر العقلُ الأقل توازناً في الشرق الأوسط، ونعني عقلَ ولي عهدها، حسب تعبير هيرست، أظهر بشكل متكرر قدرةً على اختلاق النزاعات في جهاده المستمر ضد الإخوان المسلمين وإيران.
قواته غارقةٌ في مستنقع اليمن، عملاؤه لم يصلوا لنتيجةٍ في ليبيا، وهو يحاول تكرار نفس المعادلة في السودان.
قد يدرك ترامب متأخراً حقيقةَ أن أكبر حلفائه يشكل أكبر خطرٍ على مصالح أمريكا العسكرية في الخليج.