كُشف يوم الخميس 30 مايو/أيَّار، عن مجموعة سرية من الوثائق، تُظهر أن إدارة ترامب أضافت سؤالاً عن المواطنة إلى الإحصاء السكاني الوطني عام 2020، كجزء من خطة يمينية لتغيير طريقة رسم مناطق الاقتراع في الولايات المتحدة، وهي خطة وضعت ليستفيد منها "البيض غير اللاتينيين"، كما يقول الكاتب جاي مايكلسون، المختص في الشؤون القانونية بموقع The Daily Beast الأمريكي. والذي وصف الأمر بأنه "أسوأ مما كان قد يظن أي شخص"، وأن "هذا هو تفوق العرق الأبيض".
الهدف.. مزيد من التمثيل للمناطق البيضاء!
يدعي الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية والمنظمات التقدمية الأخرى أن إدارة ترامب أضافت سؤالاً عن المواطنة لترهيب اللاتينيين من ملء الإحصاء، خوفاً من أن تستخدم السلطات معلومات الإحصاء لترحيلهم. يقدر مكتب الإحصاء أن 6.5 مليون شخص لن يجيبوا.
قد تؤدي عدم المشاركة في الإحصاء هذه، بدورها، إلى تقليل عدد دوائر الكونغرس ذات النزعة الديمقراطية، وإلى تخصيص أموال أقل للمناطق التي لا يوجد فيها عدد كبير من السكان، وحتى إلى خفض تمثيل المجامع الانتخابية في الولايات التي تضم كتلاً سكانية إسبانية كبيرة مثل تكساس، وكاليفورنيا، ونيويورك. ومن شأن ذلك أن يجعل الانتخابات الرئاسية على الأرجح مماثلة لانتخابات 2016 -عندما فاز ترامب بأصوات مجامع انتخابية أكثر رغم خسارته في عدد التصويت العام.
في الواقع، فإن الغرض من سؤال المواطنة هو إعادة رسم الدوائر الانتخابية في الكونغرس بناءً على عدد المواطنين فقط، لا على إجمالي السكان، وبالتالي تغيير الوضع الديمقراطي في أمريكا على حساب المهاجرين والملونين [غير البيض].
يبلغ عدد سكان الدائرة الانتخابية للكونغرس حالياً حوالي 710 ألف شخص. لكن إذا حسب عدد المواطنين فقط، لا إجمالي عدد السكان، فعندها سيكون للمنطقة التي يبلغ عدد سكانها 1.2 مليون شخص، بينهم 500 ألف شخص من غير المواطنين، نفس تمثيل المنطقة التي تضم 710 ألف شخص على سبيل المثال. النتيجة النهائية، كما تصرح الوثائق التي كشف عنها حديثاً بوضوح، ستكون مزيداً من التمثيل للمناطق البيضاء، وعدداً أقل لمناطق الملونين والحزب الديمقراطي.
وقال ديل هو، المحامي الذي يترافع في القضية أمام المحكمة العليا، لموقع The Daily Beast: "نعرف الآن أن سؤال المواطنة وُضِعَ في محاولة للحد من تأثير الأقليات.. كلُّ شيءٍ واضح بالأبيض والأسود، هذا أمر مذهل".
الرجل الذي يدور حوله الكشف هو أحد هؤلاء السياسيين الغامضين الذين صاغوا السياسة الأمريكية دون أن يعرف معظم الناس اسمه: توماس هوفيلر، والذي توفي الصيف الماضي عن عمر يناهز 75 عاماً.
كان هوفيلر أحد صانعي مبادرة REDMAP (الخريطة الحمراء)، الناجحة بشكل كبير، عام 2010. ورداً على انتصار الرئيس أوباما والتغيرات الديموغرافية في أمريكا، استخدمت REDMAP البيانات الضخمة والأموال المشبوهة لقلب الولايات غير محددة الأعراق إلى العكس. وقلب ذلك بدوره العديد من الهيئات التشريعية في الولايات، التي أعادت رسم خرائط العشرات من المجامع الانتخابية لأفضلية البيض على غير البيض، والجمهوريين على الديمقراطيين.
إعادة رسم خرائط المجامع الانتخابية لزيادة أفضلية البيض
كانت جهود REDMAP ناجحة إلى درجة أنه على الرغم من فوز الجمهوريين بأقل من نصف الأصوات في مجلس النواب عام 2016، فإنهم حصدوا 241 مقعداً مقابل 194. في ويسكونسن منح المجمع الانتخابي الأكثر انحرافاً في الذاكرة الجمهوريين 60% من المقاعد في مجلس الولاية، على الرغم من حصدهم لنسبة 47% فقط من الأصوات. في ولاية بنسلفانيا، صوَّت 44٪ من الناخبين لصالح الديمقراطيين، لكنهم مثلوا نسبة 33٪ فقط في الكونغرس.
من قبيل الصدفة، تنظر المحكمة العليا أيضاً قضيتين رئيسيتين متعلقتين بالتلاعب بالمجامع الانتخابية، كلاهما من عواقب ما فعله هوفيلر في REDMAP، ومثلهما مثل قضية التعداد، من المرجح أن تحكم الأغلبية المحافظة للمحكمة لصالح المتلاعبين بالمجامع.
في حبكة تصلح لمسلسل سياسي مثير على شبكة نتفليكس، وجدت ابنة هوفيلر الليبرالية المناقضة له سياسياً، 4 أقراص صلبة و18 وحدة تخزين محمولة بعد وفاة والدها، حوت 75 ألف ملف، بما في ذلك ملفات لا حصر لها عن مشروع REDMAP وجهود هوفيلر اللاحقة لترسيخ الأغلبية التشريعية البيضاء حتى في عصر الأغلبية السكانية غير البيضاء.
كان أحد تلك الملفات دراسة كتبها عام 2015 لموقع الأخبار المحافظ Washington Free Beacon، توضح كيف ستفيد إعادة تقسيم الدوائر على أساس عدد المواطنين بدلاً من إجمالي السكان "البيض غير اللاتينيين" والجمهوريين، لكن لا يمكن الحصول على هذه البيانات إلا عن طريق إضافة سؤال المواطنة إلى التعداد.
ملف آخر كان عبارة عن رسالة كتبها هوفيلر باسم شخص آخر، تطالب بسؤال المواطنة. وُضِعَت هذه الكلمات بالضبط في طلب وزارة العدل من وزارة التجارة التي تدير التعداد. هذا الطلب في صلب قضية المحكمة العليا.
مساعدو ترامب كذبوا حول الأمر ومارسوا الخداع
لم يكشف مسؤولو إدارة ترامب عن أيٍّ من هذا. على العكس من ذلك، لقد كذبوا بجرأة حول هذا الأمر، وأنكروا أن هوفيلر كان له أي علاقة بسؤال المواطنة بينما هو من كتب في الواقع خطاب وزارة العدل. بل لقد شهد جون غور، المسؤول البارز في وزارة العدل، تحت القسم، أنه قام بصياغة الخطاب، الذي نعرف الآن أنه منسوخٌ من هوفيلر. أما كيف سيؤثر كل هذا على مجريات قضية المحكمة العليا، فلا شيء مؤكد.
في المرافعات الشفهية في أبريل/نيسان، بدا أن الأغلبية المحافظة للمحكمة تميل لصالح الأسباب المنطقية التي دفعت بها وزارة التجارة -وهي أن معلومات المواطنة ضرورية لإنفاذ قانون حقوق التصويت- على ظاهرها، رافضة التحقيق في جبل الأدلة على سوء السلوك والخداع المحيط بهذا.
من بين تلك الأدلة إثبات على أن وزير التجارة ويلبر روس وأتباعه كذبوا على الكونغرس حول عملية إضافة السؤال، وسجلات لاجتماعات بين روس ومستشاري البيت الأبيض ستيف بانون وكريس كوباتش قبل فترة طويلة من طلب وزارة العدل لسؤال المواطنة، وشهادات عديدة لخبراء يقولون إنه بينما لا يوجد سبب لجمع بيانات المواطنة لتنفيذ قانون حقوق التصويت، فليس هناك شك في أن السؤال عن المواطنة من شأنه أن يخفض معدلات استجابة ذوي الأصول اللاتينية، في انتهاك لشرط التعداد في الدستور.
إنه سلاح ضد الأقليات
اكتشاف هذه الوثائق الصادمة معقد، فبطريقة ما، فهو يدعم بالفعل قضية الحكومة. قالوا طوال الوقت إن مسألة الجنسية كانت لتطبيق قانون حقوق التصويت. الآن، اتضح أن هذا صحيح، بطريقة ما: سؤال المواطنة سيجعل قانون حقوق التصويت سلاحاً ضد الأقليات. هذا بالتأكيد ليس ما دفعت به الحكومة، لكنه ليس حجة أيضاً.
لكن الأدلة الجديدة تظهر أن الحكومة الأمريكية كذبت بوضوح، في انتهاك لقانون الإجراءات الإدارية. يمكن للمحكمة أن تنظر في أدلة جديدة ما دامت تساعد على البت في القضية. وهنا، المذكرة، والرسالة، والأكاذيب كلها بمثابة انتهاك هائل للقانون.
وقال المحامي ديل هو: "إذا كانت الحكومة تستطيع أن تفلت من فعل الأشياء بسبب معاكس لما تدعيه، فنحن نعيش في الدولة التي يقصدها جورج أورويل".
تزوير لأهداف حزبية وعرقية
من الممكن أن تعيد المحكمة العليا القضية إلى المحاكم الأدنى للتداول في الأدلة الجديدة. قدم الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية الأدلة إلى محكمة المقاطعة التي نظرت فيها القضية لأول مرة، مطالباً بفرض عقوبات على المسؤولين الذين كذبوا تحت القسم.
ويمكن لحجز القضية للحكم في محكمة المقاطعة أن يقضي على سؤال المواطنة، إذ يجب طباعة استمارات الإحصاء في الأشهر المقبلة، على الرغم من أن ديل هو من أخبر موقع The Daily Beast أن الحكومة قد اعترفت مؤخراً أنه يمكن طباعة استمارات الإحصاء بشكل أسرع إذا لزم الأمر، مقابل مزيد من الأموال.
قدم الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية أيضاً إخطاراً إلى المحكمة العليا، لإبلاغها بالأدلة الجديدة، والمطالبة بالعقوبات في محكمة المقاطعة.
بصرف النظر عن المسائل القانونية، فإن اكتشاف اليوم هو مفاجأة مذهلة، حتى بمعايير إدارة ترامب. إنه يكشف عن جهد دام سنوات، بقيادة البيت الأبيض، لـتزوير النظام الانتخابي لتحقيق أهداف حزبية وعرقية. ما هو على المحك أكثر من مجرد الإحصاء السكاني، وأكثر من التمثيل في الكونغرس. وبهذا يكون مبدأ "شخص واحد، صوت واحد" على المحك، وأصبحت الديمقراطية كما نعرفها على المحك.