لا تقود كلمات المحقق الأمريكي الخاص روبرت مولر في خطابه المفاجئ أمام الصحفيين في وزارة العدل الأمريكية، الأربعاء 29 مايو/أيار 2019، إلا لنتيجةٍ واحدةٍ فقط: ليس أمام رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، خيار عدا البدء بعملية إقالة الرئيس دونالد ترامب.
هذا ما يراه الكاتب الأمريكي مايكل دي أنتونيو، مؤلف كتاب ومشارك في آخر، حول سيرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المثيرة. ويضيف أنتونيو: حيثيات الإقالة موجودة في الجزء الثاني من تقرير المستشار الخاص الذي حدد 11 طريقة استكشفها المحققون لمعرفة ما إذا كان ترامب قد أعاق عمل مولر وأعاق سير العدالة بشكل متعمد.
أشار مولر في خطابه الموجز إلى هذه النتائج وإلى حقيقة أنه لم يكن بإمكانه فعل شيء حيالها حين قال: "لو كانت لدينا الثقة أن الرئيس لم يرتكب أي جريمة لقلنا ذلك".
عدم اتهام ترامب ليس لنقص أدلة، بل لسياسة وزارة العدل
مسألة أنه لم يتم توجيه الاتهام لترامب لم تكن مبنيةً على نقص الأدلة بل على سياسة وزارة العدل الأمريكية التي تحظر اتهام الرئيس، وشرح مولر ذلك بالقول: "اتهام الرئيس بجريمة لم يكن خياراً بإمكاننا أخذه في الاعتبار".
في إجابتها على الأسئلة بعد ساعاتٍ من خطاب مولر، قالت بيلوسي إن "كل الخيارات مفتوحة" لكنها كررت أن الكونغرس سيستمر حالياً في "التحقيق" و "اللجوء إلى القضاء" سعياً وراء الحقيقة، بحسب ما نقلت شبكة CNN الإخبارية.
كما أن رئيس اللجنة القضائية في الكونغرس، جيري نادلر، لم يذكر أن الإقالة قريبة، ولكنه قال: "باعتبار أن المستشار الخاص مولر لم يكن قادراً على توجيه الاتهامات الجنائية إلى الرئيس، فإن مسؤولية الكونغرس الآن هي الرد على الجرائم والأكاذيب والتصرفات غير القانونية الأخرى التي قام بها ترامب، وهذا ما سنفعله".
رغم أن مولر اعتقد أنه ممنوعٌ من توجيه الاتهام لترامب، فإنه قال إن مكتبه كان مدركاً أنه يتوجب التحرك حين كان الشهود ما زالوا متاحين والوثائق لا تزال متوفرة، وأنه سيتم توجيه الاتهام إلى أشخاص آخرين. وأضاف أنه بالنسبة لترامب فإن "الدستور يتطلب عمليةً خارج نطاق نظام العدالة الجنائي لاتهام الرئيس أثناء ولايته بارتكابِ فعلٍ غير قانوني".
متى يمكن أن تبدأ عملية إقالة ترامب إذاً؟
ستبدأ عملية الإقالة غالباً بتحقيق لجان الكونغرس في الانتخابات والهجمات الروسية وجهود ترامب الواضحة في التستر وإعاقة العدالة. الكثير من هذه التحقيقات تتضمن تهديدات ترامب لرئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي حينها، جيمس كومي.
في بداية ولايته، طلب ترامب من كومي التساهل مع مستشار الأمن القومي حينها، مايكل فلين، الذي كان يخضع للتحقيق بسبب كذبه حول اتصالاته مع الروس.
"آمل أن تتخلى عن هذا التحقيق"، هذا ما قاله ترامب لكومي، حسب أقوال كومي لاحقاً. لاحقاً، حين قام بعزل كومي، اعترف ترامب بشكل علني أنه قام بذلك بسبب تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي في التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.
إن كان سلوك ترامب مع كومي غير كافٍ لإقناع أعضاء الكونغرس بأن الإقالة يجب أن تكون خياراً متاحاً، فإنهم بحاجةٍ إذاً إلى قراءة تقرير مولر والتركيز على الجزء الثاني منه، فهناك، كما لاحظ عضو الكونغرس جاستين آماش، سيجدون "جهداً متكرراً من الرئيس لاستخدام منصبه لإعاقة العدالة أو إعاقة التحقيق المتعلق بالتدخل الروسي في الانتخابات؛ لأن ذلك سيضع مصالحه في خطر".
الأفعال التي قام بها ترامب، حسب التقرير وحسب ما ينقل آماش (الجمهوري مثله مثل ترامب)، تتضمن ضغط الرئيس على المستشار السابق للبيت الأبيض، دون ماكغان، للكذب حول مطالبة ترامب له بالتحرك للإطاحة بمولر من التحقيق.
سواءٌ أكانت هذه الأفعال ستُعتبر "جرائم كبرى وجُنحاً" يمكن أن تقود لإقالة الرئيس أم لا، إلا أنها غالباً تُعتبر مسيئةً لأي شخص لديه رأي جادّ في واجبات الرئيس كموظف في الدولة ومدافعٍ عن المثل الديمقراطية الأمريكية.
الملف بين أيدي مجلس النواب
مسألة أن مولر شعر بالإساءة بسبب الحقائق التي كشفها تحقيقه وبسبب سلوك الرئيس بدت جليةً في تقريره وفي ظهوره المفاجئ أمام الصحافة.
لسنواتٍ قاد الرئيس حملاتٍ تصعيديةً للحط من شأن شخصيات الفريق العامل مع مولر، مكتب التحقيقات الفيدرالي والاستخبارات بشكل عام. أما مولر المعروف بندرة أحاديثه العامة فكرَّس بعضها يوم الأربعاء للدفاع عن هؤلاء الأشخاص: "أود شكرَ المحامين، عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، المحللين والكادر المحترف الذي ساعدنا على إجراء هذا التحقيق بشكلٍ عادلٍ ومستقل. هؤلاء الأفراد الذين قضوا حوالي سنتين مع مكتب المستشار الخاص كانوا في قمة النزاهة".
"النزاهة" وهي كلمةٌ نادراً ما ارتبطت بدونالد ترامب كانت دوماً مرافقةً لمولر طوال حياته المهنية. باكتمال عمله كمحققٍ خاصٍ، أصبحت النزاهة الآن في أيدي مجلس النواب الذي بإمكانه استعادة "كرامة الرئاسة" بالقيام بما اقترحه مولر: بتقريره وخطابه، طالبهم مولر بالقيام بواجبهم وقدم لهم الإرشادات حول كيفية إنجازه.