"ألف جبهة تلمس الأرض في مسجد سراي علي وردي خلال صلاة الجمعة"، لكن بعض المصلين الآن يسجدون وهُم قلقون؛ إذ إن فوز رئيس وزراء الهند بولاية جديدة أدى إلى تزايد مخاوف المسلمين من تعرُّضهم لمزيد من التمييز والعنف.
علت أصوات مكبرات الصوت خارج المسجد، الذي تحيط به ناطحات سحاب جورجاون، وهي مدينة مجاورة لنيودلهي من جهة الجنوب، تضم شركات التكنولوجيا وصالات البولينغ وغيرها من رموز "الهند الجديدة".
ولكن الهند الحديثة التي يبنيها رئيس الوزراء القومي الهندوسي، ناريندرا مودي، باتت تتخلى تدريجياً عن أهم سمات التي بُنيت عليها الهند منذ الاستقلال، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية
فوز رئيس وزراء الهند بولاية جديدة أدى إلى تزايد مخاوف المسلمين
فبعد يوم من إعلانٍ أن مودي فاز فوزاً ساحقاً في الانتخابات، انتاب القلق كثيراً من المصلين المسلمين بشأن ما إذا كان هناك مكان لهم في هذا البلد الجديد.
وقال حاجي شزاد خان، رئيس جماعة محلية تضم نشطاء مسلمين، بينما يجلس بفناء مظلل على بُعد أمتار قليلة من المسجد: "في هذه الأيام، لم يعد الوضع آمناً بالنسبة لنا هنا".
بالنسبة لعديد من المسلمين، الذين يبلغ تعدادهم قرابة 200 مليون، وهو عدد قد يشكل سابع أكبر دولة على الأرض، فإن إعادة انتخاب مودي بنجاح ساحق شكَّلت تجربة فاصلة لهم.
كانت الحملة الانتخابية الأكثر حدة في التاريخ الحديث للبلاد، حافلة بالإشارات إلى المهاجرين غير المصرح لهم من بنغلاديش بوصفهم "نملاً أبيض"، وترشيح هندوسي متهم بالإرهاب في البرلمان، ونقاش حول ما إذا كان قاتل المهاتما غاندي -الذي قتل الأب المؤسس بزعم خضوعه لمطالب المسلمين- كان في الواقع وطنياً.
على الرغم من هذا، أو ربما بسببه، أدلى 270 مليون هندي بأصواتهم لمصلحة حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) الذي يقوده مودي، أو لمصلحة حلفائه.
وبعد أن وصل العنف ضد المسلمين إلى ذروته
وقالت نازيا إروم، وهي مؤلفة لكتاب عن تربية طفل مسلم في الهند اليوم: "لقد اعتقدنا حقاً أنه سيواجه مقاومة"، "اعتقدنا أن كثيراً من الأصوات التي حصل عليها عام 2014 كانت تستند إلى أجندة مودي التنموية، وأن الناس الآن قادرون على رؤية ما وراءها، وستكون الأمور مختلفة. لكن اتضح أننا كنا مخطئين تماماً".
كانت المشاحنات بين الهندوس والمسلمين، وكذلك التوتر بين طوائف الديانتين، سمة ثابتة للحياة بالهند. لكن في السنوات الخمس الماضية، ازداد العنف ضد المسلمين، وضمن ذلك مقتل ما لا يقل عن 36 شخصاً من مُزارعي الماشية والتجار، على يد "حراس البقر"، الذين اتهموهم -زوراً في العادة- بإيذاء الحيوانات الموقرة.
وتم تقليل أماكن الصلاة للمسلمين
في جورجاون، حيث وصل مئات الآلاف من المهاجرين المسلمين في السنوات القليلة الماضية، جنباً إلى جنب مع الهندوس، للعمل في المصانع ومواقع البناء، فازداد التوتر حدَّة.
شُنت حملات شرسة ضد المسلمين الذين يُصلّون في الأماكن العامة؛ لأن المساجد لا تكفي أو بعيدة جداً. تضاءل عدد أماكن الصلاة المصرَّح بها تدريجياً إلى ما يزيد قليلاً على 60، إثر احتجاجات من جانب المنظمات الهندوسية. قال خان: "إنهم لا يسمحون لنا بالصلاة".
راجيف ميتال، وهو رئيس جماعة قومية هندوسية قامت بحملة ضد المساجد في المنطقة، يصر على أن هدف حملته هو التقيد الصارم بقوانين التخطيط البلدية.
وقال: "نحن لسنا ضد الناس الذين يؤدون الصلاة، لكن يجب أن يتم ذلك في المسجد أو بجميع المناطق المخصصة لهم".
يشير حزب بهاراتيا جاناتا إلى إحصائيات تُظهر أنه لم تكن هناك أعمال شغب دينية واسعة النطاق خلال رئاسة مودي للوزراء، وأنه لا توجد زيادة بجرائم التحيز في البيانات الرسمية للبلاد، رغم أن بعض جماعات حقوق الإنسان تقول إن هذه المعلومات غير دقيقة وغير موثوق بها.
فقدْ شجَّع مودي المتطرفين فأصبحوا يقتلون بسبب فرية اللحم البقري
كان تأثير حكم مودي هو تشجيع المتطرفين، كما يقول منتقدوه، وخلق ثقافة يمكن أن تزدهر فيها الشوفينية الدينية والإفلات من العقاب.
وقال ميناكشي جانجولي، مدير قسم جنوب آسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش: "يخشى المسلمون من الإساءات، أكثر من أعمال الشغب"، ويضيف: "كأن يتعرض بائع خضراوات مسلم للضرب فجأة، أو تقول أسر مسلمة إنها قلقة من حمل عُلَب الغداء، لأنهم لا يعرفون متى سيُتهمون بحمل اللحم البقري".
وتابع: "يشعر الناس بحقهم في فرض آرائهم، والقيام بذلك بعنف. وليس هناك ما يضمن أن الدولة ستتدخل وتحميهم".
إذ خاض الانتخابات على أنها صراع على روح الهند
يدرك أنصار وخصوم مودي على حد سواء، أن انتصاره في 23 مايو/أيار 2019، تعزيز لتحوُّل أيديولوجي فيما سيكون قريباً البلد الأكثر سكاناً في العالم. تعتبر معظم الانتخابات اختياراً بين رؤىً متنافسة، لكن التصويت في الهند هذا العام كان "معركة من أجل روح الهند"، على حد تعبير عضو البرلمان شاشي ثارور.
يدور الخلاف على فكرةٍ عمرها قرن عن الأساطير التي يجب أن تغذي القومية الهندية. أول رئيس وزراء في البلاد، جواهر لال نهرو، درس شبه القارة الهندية المتنوعة بشكل غير عادي وصوَّرها على أنها مخطوطة "كُتبت عليها طبقات فوق طبقات من الفكر والخيال، ومع ذلك لم تمحُ أي طبقة تالية أو تخفِ بالكامل ما كُتب سابقاً" .
صراع بدأه هذا الهندوسي الملحد الذي يعتبر المسلمين والمسيحيين غرباء
على نقيضه وقف القوميون الهندوس مثل فيناياك سافاركار، وهو ملحد، لكنه رأى الهندوسية في تجلياتها التي لا تحصى، كمجموعة من الممارسات الثقافية التي تربط سكان شبه القارة الهندية ليكونوا أمة واحدة. لم تفسح رؤيته مجالاً كبيراً للمسلمين أو الأقليات الأخرى.
وكتب سافاركار في مقال عام 1923: "المواطنون المحمديون أو المسيحيون… ليسوا ولا يمكن الاعتراف بهم على أنهم هندوس"، مضيفاً: "أرضهم المقدسة بعيدة في الجزيرة العربية أو فلسطين. إن أساطيرهم وإلههم وأفكارهم وأبطالهم ليسوا أبناء هذه الأرض".
الحركة القومية الهندية الحديثة تطورت من أفكار سافاكار، كما يقول راجات سيثي، وهو زميل في مؤسسة الهند، وهو مركز بحثي متحالف مع الهيئة الجامعة للهندوس اليمينيين: راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS) [المنظمة القومية الطوعية]، التي انتمى إليها مودي طوال حياته.
وقال سيثي: "يتحدث سافاركار عن هندوسية أكثر عسكرة… لكن المنظمة القومية الطوعية ستقول: لا، إن الأمر يتعلق بالثقافة".
ويضيف: "الهندوسية مجتمع قائم على ممارسات ثقافية مشتركة لا على كتاب عقائدي"، وبهذه الطريقة كان المسلمون والمسيحيون من الهندوس أيضاً: أنماط حياتهم وطقوسهم تتأثر أيضاً بالحضارة الهندوسية في الهند، "يشكل المسلمون جزءاً لا يتجزأ من [الأمة]، لأن كثيراً مما ندافع عنه غير مكتمل من دون المسلمين كدَين".
وأضاف أن السياسة "العلمانية" ظاهرياً لبرلمان نهرو كانت في الحقيقة مجرد كلمة لمغازلة الناخبين المسلمين، من خلال منح المجتمع امتيازات خاصة، مثل الاستقلال السياسي لكشمير، والحق في أحكام الزواج والشؤون الاجتماعية الأخرى وفقاً للشريعة الإسلامية، وكلاهما تهدف الجماعات القومية الهندوسية إلى إصلاحه.
والآن حتى أبناء الأغنياء في المدارس يعانون التمييز الديني
يبدو أن رؤية نهرو الآن في تراجع نهائي. القومية الهندوسية التي حاول تهميشها، وضمن ذلك عن طريق حظر المنظمة القومية الطوعية، قد حصلت على تأييد شعبي واضح.
أسوأ آثارها يقع على الفقراء، لكن الأغنياء وذوي الامتيازات ليسوا محميِّين، كما تقول إروم، التي أجرت بحثاً بكتابها من خلال مقابلة أكثر من مئة طفل وأولياء أمورهم في بعض أعلى المدارس الراقية.
وقالت: "إن ذلك يحدث بالفصول الدراسية، وفي الملاعب: يتعرض الأطفال للإيذاء على أسس دينية، إنهم يعكسون التصدعات التي أصابت مجتمعنا"، مضيفة: "يحدث هذا في أفضل المدارس، وأكثر المدن تحضُّراً، لم يعد هذا هو الهامش".
وتلقي باللوم جزئياً على القنوات الإخبارية التي تبث على مدار 24 ساعة في البلاد، والتي تركز، إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي، على القضايا المثيرة للخلاف والتي تشد الانتباه، لكنها ترسخ صورة البلد في حالة صراع دائمة، "إنها حرب ثقافية بلا نهاية".
وتضيف: "نشأتي في الهند كانت واحدة من أفضل التجارب"، "لم يكن الدِّين أحد العوامل التي أفكر فيها عندما ألعب أو نتشارك الطعام. لكنه صار عاملاً الآن".