احتفظت القوات المؤيدة للاتحاد الأوروبي بغالبية كبرى في البرلمان الأوروبي، لكن المجلس سيضطر الآن لطي صفحة الثنائية الحزبية التاريخية بعد انتخابات يخرج منها مشتتاً أكثر من أي وقت مضى.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، لم يعد بإمكان المحافظين المسيحيين الديمقراطيين في حزب الشعب الأوروبي والاشتراكيين الديمقراطيين في كتلة الاشتراكيين والديمقراطيين أن يشكلوا معاً غالبية، لكنهما يبقيان أكبر كتلتين في المجلس.
وكلفهم تقدم القوميين والشعبويين وكذلك الليبراليين والخضر، عشرات المقاعد في البرلمان الأوروبي الذي يضم 751 مقعداً.
ولن تتمكن كتلتا الحزب الشعبي الأوروبي، (نحو 180 مقعداً)، وكتلة الاشتراكيين والديمقراطيين (150 مقعداً) بحسب التوقعات، من إعادة تشكيل "التحالف الكبير" الذي أتاح لهما سابقاً بناء توافقات حول نصوص تشريعية وتقاسم المناصب القيادية.
صحيفة The Guardian البريطانية رصدت، في تقرير لها، أبرز 5 ظواهر في انتخابات أقل ما يقال عنها إنها شهدت انقلاباً في موازين القوى السياسية بالقارة العجوز.
1. تراجع التيار الوسطي التقليدي بشدة
كانت ليلة سيئة للتيار الوسطي المعتدل في جميع أنحاء أوروبا. فمن المتوقع أن يخسر التجمُّع الاشتراكي الديمقراطي الفضفاض في البرلمان الأوروبي 41 مقعداً في المجلس المكوَّن من 751 مقعداً؛ ليحصل على 150 مقعداً متوقعاً الآن بعدما حصل على 191 مقعداً في عام 2014.
ولم يكن الوضع كذلك أفضل بكثير لليمين المعتدل في ظل مؤشراتٍ إلى أنَّ كتلة حزب الشعب الأوروبي ستتقلَّص من 221 مقعداً إلى 179 مقعداً مع أنَّه سيظل أكبر تجمُّع. أي أنَّ التجمعين معاً سيفقدان أغلبيتهما وسيضطران إلى التطلُّع إلى فوز الخُضر والليبراليين بالسيطرة على مقاليد الأمور.
2. الخُضر يحظون بموجةٍ من الدعم
ضاعف الخضر الأصوات التي حصلوا عليها تقريباً ليحتلوا المرتبة الثانية بنسبة 21%، متقدمين على الديمقراطيين الاجتماعيين. وجاءت العديد من الأصوات من بلدان شمال أوروبا التي كانت معاقل القارة الصناعية يوماً ما، لكنَّها أصبحت تشهد خروج الشباب -بإلهامٍ في أغلب الأحيان من غريتا ثونبيرغ الناشطة المناخية السويدية البالغة من العمر 16 عاماً- إلى الشوارع للمطالبة بالتوقف عن الاعتماد على الوقود الأحفوري.
قفز حزب الخضر الألماني إلى المركز الثاني خلف محافظي حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، وكان ثلث الذين صوَّتوا له تحت سن الثلاثين.
من جانبها، اعترفت أنغريت كرامب كارينباور، زعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني الذي يُعد أكبر حزبٍ أوروبي في البرلمان الأوروبي إلى جانب حزب رابطة الشمال الإيطالي وحزب بريكست البريطاني، قائلةً: "كانت هذه الانتخابات تُتعلق أولاً وقبل كل شيء بقضية المناخ وحماية المناخ".
وضاعف الخضر كذلك نصيبهم من الأصوات ليحصلوا على مقعدين في فنلندا والدنمارك، وفازوا بأول مقعدين في أيرلندا منذ عقدين، وحصلوا على المركز الثالث في فرنسا، وقدَّموا أداء قوياً في بلجيكا وهولندا.
3. اليمين المتطرف لم يصل إلى مستوى التوقعات
لم يحقق الزيادة المتوقعة على الرغم من الأداء القوي الذي حققه اليمين المتطرف في بلدان مثل بولندا والمجر وإيطاليا، فالزيادة الكبيرة المتوقعة في أصواته لم تتحقق بالكامل. إذ قضى الأداء القوي الذي قدمَّه التيار الوسطي المؤيد للاتحاد الأوروبي، المتمثل في حزب العمال الاشتراكي الإسباني، على آمال قادة اليمين المتطرف في أن تمنحهم الانتخابات طفرةً هائلة وتتيح لهم فرصةً لتشكيل السياسة في البرلمان الأوروبي. فماتيو سالفيني، زعيم حزب رابطة الشمال اليميني المتطرف ونائب رئيس الوزراء الإيطالي، وصف الانتخابات بأنها تفويضٌ لإجراء تغيير جذري في الاتحاد الأوروبي. ومع أنَّ كتلة القوميين التي تنتمي إليها الرابطة رفعت عدد مقاعدها في البرلمان الأوروبي إلى 58 مقعداً، فإنَّ النتيجة كانت أقل من التوقعات.
4. ظهور أرضية وسطية جديدة
الصورة الأبرز: صحيحٌ أنَّ أحزاب الوسط الكلاسيكية فقدت قوتها في بعض البلدان مثل ألمانيا، لكنَّ الصورة العامة تشير إلى أنَّ التجمُّعات البرلمانية الأربعة الفضفاضة التي تشغل الأرضية الوسطية المؤيدة للاتحاد الأوروبي خسرت أقل من 20 مقعداً، وحصلت على 505 مقاعد من أصل 751، وفقاً لتقديرٍ أجراه البرلمان الأوروبي. وهذا بسبب الأداء القوي للأحزاب المشاركة في التجمع الديمقراطي الليبرالي في البرلمان. فحزب "الجمهورية إلى الأمام" الفرنسي الذي ينتمي إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مُنضمٌ إلى هذا التكتُل، ومع أنَّه جاء في المرتبة الثانية بعد حزب الجبهة الوطنية الذي تتزعمه مارين لوبان، فإنَّه نجح مرةً أخرى في حل محل الأحزاب الديغولية والاشتراكية القديمة في التيار الوسطي في السياسة الفرنسية. وأسهم كذلك حزب الديمقراطيين الليبراليين في بريطانيا في زيادة الدعم لكتلة "تحالف الديمقراطيين الليبراليين من أجل أوروبا"، الذي يبدو أنه حصل على 40 مقعداً.
وقال جاي فيرهوفشتات، السياسي البلجيكي الذي يقود تحالف الديمقراطيين الليبراليين من أجل أوروبا، إنَّ الأحزاب الوسطية التقليدية ضعفت، وإنَّها ستضطر الآن إلى اللجوء إلى تحالف الديمقراطيين الليبراليين من أجل أوروبا للمساعدة في تشكيل ائتلاف. وأضاف أنَّ التحالف سيبرز بصفته الكتلة التي حققت أكبر المكاسب.
لذا، فبينما قد يعلن سالفيني أنَّ اليمين المتطرِّف شكَّل "أوروبا جديدة"، يمكن القول كذلك إنَّ هناك أرضية وسطية جديدة ظهرت لدعم الاتحاد الأوروبي.
5. الإقبال: الفائز الأكبر
إقبال كبير هذه المرة فرح مسؤولو الاتحاد الأوروبي بزيادة نسبة المشاركة إلى 51%، ارتفاعاً من 43% في عام 2014. لينقلب بذلك لأول مرةٍ اتجاه انخفاض المشاركة منذ أول تصويت مباشر للاتحاد الأوروبي في عام 1979. وقد يُخفِّف الإقبال من الأحاديث عن وجود "عجزٍ ديمقراطي" يقوض شرعية الاتحاد الأوروبي. إذ قال كزافييه بيتل، رئيس الوزراء اللوكسمبورغي الليبرالي: "أوروبا تفوز! إقبال الناخبين مرتفع للغاية، والأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي هي الأقوى".