في كل عام، مع اقتراب شهر رمضان المبارك، يبدأ سوريا ساهيتابي وأصدقاؤه المُقرَّبون في الشعور بالإحباط.
فقد كانوا في حيرة من أمرهم بشأن كيفية مساعدة المزيد من الإندونيسيين في دراسة القرآن، وهو ما قد يبدو مفاجئاً في أكبر الدول ذات الغالبية المسلمة سكاناً في العالم.
تعلم قراءة القرآن لغير الناطقين بالعربية قد يستغرق سنوات
كما هو معروف يتلو المسلمون حول العالم القرآن كاملاً خلال شهر رمضان، الذي بدأ في إندونيسيا يوم الأحد الماضي 5 مايو/أيار 2019. ويمكن أن يستغرق تعلُّم سور القرآن البالغ عددها 114 سورة سنوات لغير الناطقين بالعربية.
ففي إندونيسيا يتعلَّم الكثيرون التلاوات العربية اللحنية –وكذلك الترجمات والتفسيرات باللغة الإندونيسية- عن طريق الاستماع إلى التسجيلات الصوتية.
التحدي الأكبر كان لهؤلاء الفئة من الناس، وشعروا بالإحباط لعدم وجود أي مساعدة مقدمة لهم
لكنَّ سوريا (25 عاماً) وأصدقاءه واجهوا تحدياً حقيقياً حين تعلَّق الأمر بدراسة آيات القرآن: إنَّهم صُمٌّ، بحسب صحيفة The New York Times الأمريكية.
وقال في مقابلة، رافقه فيها مترجم لغة إشارة: "شعرتُ أنا وأصدقائي الصُمُّ بالإحباط لأنَّنا لم نجد أي وسيلة لمساعدة الصُمِّ على التمكُّن من الوصول إلى (تعاليم) الإسلام".
لكنَّ كل هذا تغيَّر العام الماضي 2018، حين اشترك مع منظمة إسلامية محلية للعمل على مشروع لإنتاج مقاطع فيديو بلغة الإشارة تُترجِم كل سور القرآن.
ونشروا أول فيديو على موقع يوتيوب قبل بداية شهر رمضان العام الماضي.
مضى العمل ببطء في هذا المشروع، وبحلول رمضان هذا العام، أنتج "مشروع قرآن إندونيسيا" 4 مقاطع فيديو لسور إضافية ومقطع فيديو للأذان.
المعضلة الثانية التي يواجهها هؤلاء عدم قدرتهم الوصول للعلماء المسلمين
وفي حين يستطيع الكثير من الصُمِّ في إندونيسيا قراءة وحفظ بعض سور القرآن، فإنَّهم لا يملكون قدرة كبيرة للوصول إلى العلماء الإسلاميين الذين يمكنهم التواصل معهم.
ومن أجل مساعدة الصُمِّ المسلمين ليس فقط على حفظ الآيات ولكن أيضاً على فهم معانيها، تعتزم المجموعة إطلاق لعبة لوحية تعليمية عن أساسيات الإسلام وكذلك 10 أقراص فيديو رقمية (DVD) تشرح بعض الأدعية.
قال سوريا عن المشروع: "إنَّه يُغيِّر كل شيء. ومقاطع الفيديو أيضاً تحمل رسالتها الخاصة: إن كنتم تريدون أن يتعلَّم الصُمُّ الإندونيسيون الإسلام، لابد أن يتعلَّموا لغة الإشارة. فالإسلام ليس مقتصراً على ما تقرأ، بل يمتد بدرجة أكبر بكثير إلى ما تفهم".
انطلق هذا المشروع عام 2017 ويهدف لإنتاج تسجيلات صوتية للقرآن بثلاث لغات
بدأت فكرة تعلُّم القرآن بلغة الإشارة في عام 2017 حين التقى سوريا بأرتشي فطرة ويريجا، المؤسس والمنتج التنفيذي لمشروع قرآن إندونيسيا.
وكانت المؤسسة غير الربحية لويريجا بالفعل تحاول الوصول إلى شباب مهتمين بالقرآن من أجل إنتاج تسجيلاتٍ صوتية للقرآن باللغة العربية والإندونيسية والإنجليزية، يقوم بالأداء الصوتي فيها مطربون وممثلون إندونيسيون مشاهير.
انطلق مشروع لغة الإشارة بمساعدة من غالوه سوكمارا سويجانتو، وهي مُعلِّمة إندونيسية صمَّاء وناشطة في مجال حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. وأشرفت على سوريا في تعلُّم النقاط الدقيقة في ترجمة القرآن إلى لغة الإشارة، وكانت إحدى المنظمات الخاصة بالصُمِّ في مدينة جدة السعودية ترصد التقدم الذي يحرزه.
أصبح مشروع القرآن واحداً من المصادر التعليمية القليلة للصُمِّ الإندونيسيين
ووفقاً للمكتب المركزي للإحصاء في إندونيسيا، بلغ عدد الصُم 2.9 مليون شخص بحلول عام 2015، ولو أنَّ النشطاء يعتقدون أنَّ العدد في الحقيقة أكبر بكثير.
وتوجد خيارات تعليم خاصة قليلة للأطفال الصُم وإمكانية حصول البالغين منهم على الخدمات العامة محدودة، لاسيما في المناطق الريفية النائية الكثيرة بالبلاد. ولم تكن وزارة الثقافة والتعليم تعترف حتى بلغة الإشارة الإندونيسية حتى عام 2016، ولا يوجد إلا القليل من المسؤولين الحكوميين الذين يمكنهم التواصل بلغة الإشارة.
مشكلة المدارس في إندونيسيا أنها لا تلائم مستخدمي لغة الإشارة
افتتحت غالوه مدرسة خاصة وبرنامجاً للتعليم المنزلي للأطفال الصُم عام 2013 بمقاطعة جاوة الغربية على تخوم العاصمة الإندونيسية جاكرتا. ومعظم المُعلِّمين وموظفي الدعم هم أيضاً من الصُم.
وقالت إنَّ المدارس العامة في إندونيسيا لا تلائم مستخدمي لغة الإشارة، وتضع الطلاب الصُّم بدلاً من ذلك في صفوف الطلبة العاديين، وهناك يتوجَّب عليهم أن يتعلَّموا بأنفسهم من خلال قراءة لغة الشفاه من أجل تلقي التعليم.
وقالت غالوه في رسالة بريد إلكتروني: "لغة الإشارة هي عامل الدفع الرئيسي لتطوير مهارات التواصل، بما في ذلك التعبير عن أنفسهم. وانطلاقاً من التجارب الشخصية المتعلقة بالتواصل والمدعومة بكثيرٍ من البحث العلمي، نحن على ثقة من أنَّ لغة الإشارة هي واحدة من أهم العوامل لتطوير مهارات التواصل وأيضاً لتطوير أساس التعليم في بصفةٍ عامة".
ينتشر الصمم في أسرة سوريا. وعرَّفته أخته الكبرى الصمَّاء وعمه الأصم على لغة الإشارة في مرحلةٍ مبكرة.
وقال سوريا: "لكن عندما حان الوقت في الصف لدراسة الإسلام، بدأت أبكي لأني لم أفهم"، مُستذكِراً أنَّه كان يحتاج لقراءة لغة شفاه مُعلِّمه بالمدرسة الابتدائية. وأضاف: "كنتُ مضطراً للتعايش كما لو كنتُ شخصاً يسمع، وحتى آباء اليوم لا يريدون من أبنائهم استخدام لغة الإشارة، إنَّهم يريدون منهم أن يتحدثوا".
لكنَّ الأمور تتغير، ولو أنَّ التغيير يجري بوتيرة بطيئة. فبدأ عددٌ من المساجد في أنحاء البلاد بتوفير مترجمين للغة الإشارة لروَّاد المساجد من الصُم.
وتضم الآن العديد من محطات التلفزة الوطنية ترجمات للغة الإشارة في البرامج الإخبارية والدينية.
وقال: "هذا يُظهِر للناس أنَّ لدينا الحق لاستخدام لغة الإشارة. نحن نريد تغيير الوصم الاجتماعي الذي يرى (أنَّك مختلف إن لم يكن بمقدورك أن تتحدث)".