الفرار من إسرائيل.. “عربي بوست” يتتبع بيانات رسمية تُظهر تزايد الهجرة منها وتراجعاً في العائدين إليها

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/28 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/28 الساعة 12:49 بتوقيت غرينتش
تزايد في أعداد المهاجرين من إسرائيل وتناقص في أعداد العائدين إليها - عربي بوست

تواجه إسرائيل تحولات كبيرة في معدلات الهجرة منها وإليها، لا سيما منذ عام 2023 الذي شكّل نقطة مفصلية مع اندلاع الحرب على غزة، وتكشف بيانات رسمية إسرائيلية تتبعها "عربي بوست" وحللها، عن مؤشرات على تحوّل إسرائيل من "دولة جاذبة" للسكان، إلى أخرى طاردة لهم. 

تعكس البيانات حول الهجرة من إسرائيل ملامح أزمة داخلية متصاعدة، تتمثل في تنامي هشاشة البنية المجتمعية في إسرائيل، وتزايد الميل إلى الانسحاب في مواجهة الأزمات الأمنية والاقتصادية المتواصلة التي تشهدها البلاد، لا سيما في فترة حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ عام 2022 وحتى هذه اللحظة.

ويظهر تحليل البيانات الصادرة عن المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء، ارتفاعاً ملحوظاً وغير مسبوق في أعداد الإسرائيليين الذين يهاجرون من إسرائيل، وفي الوقت ذاته، انخفاض لافت في أعداد العائدين إليها، إضافة إلى أن إسرائيل تواجه حركة سفر مرتفعة من الفئات العمرية المنتجة. 

يرتكز هذا التحليل على 3 مجموعات من البيانات المتعلقة بحركة الهجرة من وإلى إسرائيل، مع تركيز خاص على الفترة الممتدة من 2023 وحتى مايو/ أيار 2025، وهو آخر شهر تتوفر عنه بيانات إسرائيلية، حتى تاريخ نشر هذه المادة. 

تنقسم البيانات التي تتبعها "عربي بوست" إلى 3 محاور رئيسية: 

– أعداد المهاجرين الإسرائيليين المغادرين من إسرائيل والعائدين إليها.

– أعداد المهاجرين بحسب طريقة الدخول. 

– أعداد الإسرائيليين المغادرين بحسب الفئات العمرية.

أعلى رقم للهجرة منذ 15 عاماً

تغطي البيانات الخاصة بأعداد المهاجرين من إسرائيل والعائدين إليها، الفترة من عام 2010 وحتى مايو/ أيار 2025، وتظهر تحوّلاً لافتاً في حركة الهجرة، خلال الفترة من 2023 وحتى الشهر الماضي. 

تظهر البيانات أن "ميزان الهجرة" في إسرائيل اتجه بشكل أكبر نحو السالب، ويقصد بـ"ميزان الهجرة"، الفارق بين العدد الكلي للأشخاص القادمين إلى بلد ما، والعدد الكلي للذين يتركونه.

فإذا كان عدد القادمين أكبر من المغادرين، يكون ميزان الهجرة إيجابيًا، ويدل على أن الدولة تستقبل عددًا أكبر من السكان الجدد، ويعكس ذلك وجود ظروف اقتصادية ومعيشية أفضل.

أما إذا كان عدد المغادرين أكبر من القادمين، يكون ميزان الهجرة سلبيًا، ويؤشر ذلك إلى أن الدولة تواجه مشكلات اقتصادية أو سياسية أو أمنية، تدفع السكان إلى الهجرة.

خلال الأعوام من 2010 وحتى 2022، كانت أعداد المهاجرين من وإلى إسرائيل مستقرة نسبيًا، وتراوحت بين 31.1 ألف شخص و39.4 ألف شخص، إلا أن هذا التوازن اختل في العام 2023، الذي شهد ارتفاعًا في عدد المهاجرين إلى 55.3 ألف شخص.

لكن القفزة الأكبر في أعداد المهاجرين، جاءت في العام 2024، إذ بلغ عددهم 82.8 ألف مهاجر، ليسجل بذلك أعلى رقم للهجرة من إسرائيل منذ العام 2010.

تظهر المقارنة بين أعداد المهاجرين من إسرائيل في 2010 وما يقابله في عام 2024 أن العدد ارتفع بنسبة 127%، ويشير ذلك إلى أن موجة الهجرة الكبيرة للإسرائيليين ارتفعت مع استمرار الحرب، وما رافقها من توترات أمنية وأزمات اقتصادية أثرت بوضوح على الداخل الإسرائيلي.

تزايد الهجرة من إسرائيل

يوضح تحليل البيانات أيضًا، أنه مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، سجلت معظم أشهر عام 2024 زيادة في أعداد المهاجرين مقارنة بنفس الأشهر من العام 2023.

في حين تبدو أعداد المهاجرين الإسرائيليين خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2025 متقاربة مع أعداد المهاجرين خلال نفس الأشهر من العام 2024، وذلك على النحو التالي:

من شهر 1 إلى شهر 5، 2024: 25.8 ألف مهاجر إسرائيلي.

من شهر 1 إلى شهر 5، 2025: 22.9 ألف مهاجر إسرائيلي.

الهجرة من إسرائيل

كانت دائرة الإحصاء الإسرائيلية تعتبر أن الهجرة تنطبق على الإسرائيليين الذين يقيمون في الخارج لمدة عام واحد، لكن منذ العام 2022 أدخلت تعديلات على تعريف الهجرة.

أصبح المهاجر من إسرائيل هو الشخص الذي يقيم في الخارج لمدة 9 أشهر على الأقل، وينطبق الأمر نفسه على المهاجر العائد إلى إسرائيل، الذي يعود ويقيم في إسرائيل مدة 9 أشهر من تاريخ دخوله.

وفي مقابل ارتفاع أعداد المهاجرين من إسرائيل، فإن أعداد المهاجرين العائدين إليها سجلت تراجعاً غير مسبوقٍ أيضاً خلال العامين 2023 و2024، وهو أقل معدلٍ للعودة منذ العام 2010.

مثلاً، في العام 2021، كانت نسبة المهاجرين العائدين إلى إسرائيل من إجمالي المغادرين 93.9%، لكن النسبة انخفضت إلى 50.3% في 2023، وتدهورت مرةً أخرى في 2024، ووصلت إلى 29.2%، فيما بلغت خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2025 نحو 21.5%.

تراجع في أعداد الهجرة العامة إلى إسرائيل

تظهر بيانات إسرائيلية أخرى، تتضمن أعداد المهاجرين إلى إسرائيل بحسب طريقة الدخول، مؤشراً إضافياً على تراجع أعداد الراغبين في العيش في إسرائيل، وسط تفاقم أزماتها الداخلية.

البيانات التي حللها "عربي بوست" تتضمن أرقاماً لأعداد المهاجرين منذ العام 1996 وحتى الشهر الثالث من عام 2025، وبلغ عدد المهاجرين خلال هذه الفترة 1.08 مليون مهاجر.

تصنف البيانات المهاجرين إلى أنواع مختلفة:

– المواطنون المهاجرون.

– المهاجرون وفقاً لـ"قانون الدخول".

– من حولوا صفتهم من سائح إلى مهاجر.

– حاملو تأشيرات الهجرة.

يظهر تحليل البيانات أن هنالك 3 مراحل رئيسية للهجرة إلى إسرائيل: مرحلة الذروة، ومرحلة الاستقرار، ومرحلة التقلبات التي شهدت انخفاضاً فيها أعداد المهاجرين.

الهجرة من إسرائيل

1- مرحلة الذروة: تمتد من العام 1996 وحتى عام 2002، وبلغ عدد المهاجرين إلى إسرائيل خلال هذه الفترة 434.5 ألف مهاجر.

من الأسباب الرئيسية لارتفاع أعداد المهاجرين خلال هذه الفترة أنها كانت جزءاً من موجة الهجرة الكبيرة إلى إسرائيل، التي بدأت عقب انهيار الاتحاد السوفييتي في العام 1991، واستمرت لسنوات بعد الانهيار.

بدأت هجرة اليهود من دول الاتحاد السوفيتي السابق، إلى إسرائيل، بشكل جماعي قبيل وعقب انهيار الاتحاد، وتفيد إحصائيات رسمية بأن حوالي 1.6 مليون يهودي سوفيتي، وصلوا إلى إسرائيل بين عامي 1989 و2006.

2- مرحلة الاستقرار: من العام 2003 وحتى عام 2021، وخلالها كانت أعداد المهاجرين سنوياً إلى إسرائيل متقاربة، بلغ إجماليها 490 ألف مهاجر، وتراوح معدل الهجرة خلال هذه الفترة بين 18.1 ألف و37.4 ألف.

لكن عند مقارنة متوسط أعداد المهاجرين خلال مرحلة الذروة بمتوسط أعداد المهاجرين في مرحلة الاستقرار، يظهر بشكل واضح انخفاض لافت في وتيرة الهجرة.

في مرحلة الذروة (مدتها 7 سنوات)، استقبلت إسرائيل 434.5 ألف مهاجر، بمعدل وسطي يصل إلى 62.1 ألف مهاجر. وفي المقابل، فعلى مدار 19 عاماً من مرحلة الاستقرار، استقبلت إسرائيل 490.5 ألف مهاجر، بمعدل وسطي يصل إلى 25.8 ألف مهاجر.

يبرز هذا التفاوت كيف تحولت إسرائيل من نقطة جذب نشطة لـ"المهاجرين اليهود" خلال تسعينات القرن الماضي إلى بلد تراجعت فيه وتيرة الهجرة بشكل كبير خلال العقدين التاليين.

3- مرحلة التقلبات: تمتد من عام 2022 وحتى 2024، وتبدأ هذه الفترة بمعدل هجرة مرتفع في عام 2022، حيث وصل إلى إسرائيل 76.5 ألف مهاجر، وتزامن هذا الارتفاع مع الحرب الروسية الأوكرانية، التي هرب بسببها يهود من البلدين إلى إسرائيل. 

قبل حرب 2022، كان يُقدر عدد اليهود في روسيا بنحو 155 ألف شخص، فيما يُقدر عدد الأشخاص الذين يعرفون أنفسهم كـ يهود في أوكرانيا قبل الحرب بـ 145 ألف شخص

لكن منذ العام 2023، بدأت تسجل معدلات الهجرة إلى إسرائيل انخفاضًا جديدًا، ووصل إلى إسرائيل في ذلك العام 47.4 ألف شخص، بمعدل انخفاض 38% عما كانت عليه الهجرة في العام 2022.

وفي العام 2024، انخفض مرة أخرى عدد المهاجرين إلى إسرائيل، ووصل إلى 32.2 ألف شخص، لتسجل بذلك أعداد المهاجرين في هذا العام، انخفاضاً بنسبة 58 % عما كانت عليه في العام 2022، و32.1 % عما كانت عليه في العام 2023.

وفي العام 2024، انخفض مرةً أخرى عدد المهاجرين إلى إسرائيل، ووصل إلى 32.2 ألف شخص، لتسجل بذلك أعداد المهاجرين في هذا العام انخفاضًا بنسبة 58% عما كانت عليه في العام 2022، و32.1% عما كانت عليه في العام 2023.

أما الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2025، فأظهرت انخفاضًا مقارنة بنفس الأشهر من العام 2024 والعام 2023.

الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2023: 20,155 مهاجراً.

الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2024: 8,378 مهاجراً.

الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2025: 5,729 مهاجراً.

وتبرز هذه الأرقام كيف أن استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وتفاقم الآثار الاقتصادية الناجمة عن الحرب، تسبب في انخفاض في أرقام المهاجرين إلى إسرائيل.

الفئة المنتجة الأكثر سفراً من إسرائيل

يظهر النوع الثالث من البيانات التي حللها "عربي بوست" أرقامًا حول أعداد الإسرائيليين الذين يغادرون البلاد بحسب الفئات العمرية، والتي تم تقسيمها إلى 5 فئات:

من سن (0-19)، ومن (20-24)، ومن (25-59)، ومن (60-64)، ومن (65 عامًا وما فوق)، وتغطي البيانات الفترة من عام 2015 حتى عام 2024.

بحسب البيانات فإن الفئة العمرية من سن 25 إلى 59، هي الأكثر مغادرة لإسرائيل، وتمثل هذه الفئة عصب النشاط الاقتصادي، لكونها تُعد من الفئة المنتجة، ثم تليها الفئة العمرية من 0 إلى 19 عاماً. 

صحيفة "جيروزاليم بوست"، كانت قد أشارت في تقرير لها نشرته يوم 13 أكتوبر 2024، إلى أنه في العام 2023، بلغ متوسط عمر المهاجرين الذكور 31 عاماً، وقالت إن الأشخاص الذين هم في العشرينات والثلاثينات من العمر شكلوا 40 % من المهاجرين.

حذرت الصحيف من أن إسرائيل تفقد بذلك قوى عاملة كبيرة من سن ينخرط فيه كثيرون في سوق العمل، أو يتابعون دراستهم، أو يتلقون تدريباً في الخارج. 

ويمتلك إسرائيليون جوازات سفر دولة أخرى إلى جانب جواز سفرهم الإسرائيلي، ولا تقدم الحكومة الإسرائيلية بيانات رسمية عن نسبة الإسرائيليين الذي يحملون جنسية مزدوجة. 

لكن تفيد تقديرات غير رسمية، بأن نحو 10 % من الإسرائيليين (نحو مليون شخص) يحملون جنسية بلد آخر، فيما ذكر تقرير لموقع "تايمز أوف إسرائيل" عام 2023، أن هنالك نحو 200 ألف إسرائيلي يحملون جواز سفر أمريكي. 

تحذيرات متتالية

تنعكس أرقام الهجرة العالية من إسرائيل، وانخفاض أرقام العائدين إليها، بشكل واضح في تحذيرات وسائل الإعلام الإسرائيلية والشخصيات الإسرائيلية المؤثرة ومراكز الدراسات، وجميعهم ينبهون إلى ضرورة تحرك الحكومة الإسرائيلية للتقليل من وطأة ارتفاع معدل مغادرة إسرائيل.

موقع "تايمز أوف إسرائيل" ذكر في تقرير نشره في ديسمبر 2024 أن "هجوم 7 أكتوبر 2023 حطم أي شعور بالأمان، ومعه وعد إسرائيل المؤسس: أن تكون ملاذًا آمنًا لليهود حول العالم"، وفق تعبيرها، وأشارت إلى أن خروج الإسرائيليين يثير المخاوف من حدوث "هجرة عقول" في قطاعات حيوية.

في السياق نفسه، حذر البروفيسور الإسرائيلي آرون شيخانوفر، الحائز على جائزة "نوبل"، من أن إسرائيل تواجه خطراً بسبب مغادرة "أفضل العقول وأكثرها كفاءة"، ورغبتهم في العيش في بلدان أخرى. 

تعود بعض التحذيرات من ارتفاع عدد المغادرين لإسرائيل، إلى ما قبل بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

مثلاً نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست"، في أبريل 2023، تقريراً الت فيه إن بعض الإسرائيليين يختارون مغادرة البلاد، إما لاعتبارات اقتصادية، أو بسبب القلق المرتبط بالصراع في الشرق الأوسط، أو الاعتراض على نفوذ المؤسسة الدينية في المجال العام، إضافة إلى وجود عوامل جذب أخرى مثل فرص العمل.

وتُظهر الأرقام الرسمية الإسرائيلية أن معدل السفر العالي من إسرائيل لا يزال يسجّل معدلات مرتفعة خلال النصف الأول من عام 2025، وذلك بالتزامن مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، التي خلّفت ما لا يقل عن 189 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح.

تحميل المزيد