يكشف "عربي بوست" عن شبكة من المواقع الإلكترونية وحسابات على شبكات التواصل، تنفذ تفاصيل ما جاء في خطة وضعتها الحكومة الإسرائيلية، للتصدي للتظاهرات في الجامعات الأمريكية المتضامنة مع غزة والمنددة بالاحتلال. وتقوم الخطة على التشهير بالمتظاهرين وترهيبهم، بمن فيهم أمريكيون مشاركون بالتظاهرات، الأمر الذي يثير تساؤلات عن سماح أمريكا بتنفيذ الخطة ضد مواطنيها.
والخطة الإسرائيلية ضد طلاب الجامعات الأمريكية الرافضين للحرب، مستوحاة من خطة مشابهة اسمها "مشروع الفراشة"، وضعتها شركة إسرائيلية ضمت مسؤولين سابقين في "الموساد" عام 2017، للتصدي للنشطاء المتضامنين مع فلسطين في أمريكا والداعمين للمقاطعة.
خطة "التسمية والتشهير"
ظهر الحديث لأول مرة عن خطة الحكومة الإسرائيلية ضد طلاب الجامعات في أمريكا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وذكرت حينها صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الخطة هي "استراتيجية إسرائيل ضد معاداة السامية بالجامعات الأمريكية"، بحسب وصفها.
تُشير تفاصيل الخطة إلى وجود خشية كبيرة لدى إسرائيل من حراك الجامعات، لكونها تشكل خطراً على صورة إسرائيل بالخارج لا سيما في أمريكا.
وتتضمن الخطة الإسرائيلية 6 محاور، من بينها التشهير بالمتضامنين مع غزة، ويقف وراءها وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، إيلي كوهين، الذي تم استبداله نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، بالوزير إسرائيل كاتز، وتم تعيين كوهين كوزير للطاقة، وحينها طلب كوهين إنشاء فريق عمل بقيادة مسؤولين كبار متخصصين لتنفيذها.
تنص الخطة على نشر أسماء الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات الأمريكية الذين يتضامنون مع غزة، والتشهير بهم بغرض التأثير سلباً على فرص حصولهم على الوظائف، إضافة للتواصل مع النقابات المهنية لتجنيدها ضد المتظاهرين، وممارسة ضغوط على رؤساء الجامعات.
تراهن الخطة على الضغط على مسؤولي الجامعات، وتُشير إلى أنه في حال انخفضت فرص حصول طلابها على الوظائف (بسبب مواقفهم)، فإن الجامعات ستتحرك بشكل أكبر ضد طلابها الذين يعلنون تضامنهم مع فلسطين، وذلك خوفاً على سمعة الجامعات، وبالتالي معدل إقبال الطلاب عليها.
تتشابه هذه الخطة مع خطة وضعتها شركة الاستخبارات الإسرائيلية السابقة PSY – Group في العام 2016، وسمّتها "مشروع الفراشة"، وكان الهدف منها استهداف الناشطين في الجامعات الأمريكية، المؤيدة لحركة مقاطعة إسرائيل.
وصل "عربي بوست" إلى ملف داخلي للشركة مؤرخ بعام 2017، تضمن بعض التفاصيل عن الخطة، والتي تتشابه مع ما نصت عليه خطة الحكومة الإسرائيلية، ومن أبرز نقاط التشابه، استهداف الجامعات بشكل رئيسي، وتسمية المتظاهرين والتشهير بهم، وعدم ربط نفسها بالممولين أو إسرائيل.
كان من بين أبرز المسؤولين عن الخطة رام بن باراك، الذي تقلد سابقاً منصب نائب مدير "الموساد"، بحسب "نيويوركر"، وتم إغلاق الشركة في العام 2019، بعد تحقيقات أجريت حول التأثير على الانتخابات الأمريكية.
ويربط تحقيق أجرته مجلة "ذا نيشن" الأمريكية، بين "مشروع الفراشة"، وبين اجتماع سري أجراه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع رجال أعمال أمريكيين يهود، في لاس فيغاس عام 2015، وكان نتنياهو حينها قد قرر التحرك على نطاق واسع ضد المناهضين لإسرائيل بأمريكا.
شبكة للتشهير بطلاب الجامعات الأمريكية
تتبع "عربي بوست" تفاصيل تطبيق الخطة الإسرائيلية في الجانب المتعلق بالتشهير، ووجد أن هنالك شبكة مقسمة إلى جزأين، الأول تديره "منظمات" عبر مواقعها على الإنترنت، والثاني حسابات على موقع "إكس"، بعضها تم إنشاؤها بالتزامن مع الإعلان عن الخطة الإسرائيلية، إلا أنه ليس معلوماً متى تم اعتماد الخطة قبل الإعلان عن تفاصيلها.
يتشابه عمل أطراف هذه الشبكة في عمليات التشهير، ووجدنا في "عربي بوست" أنها تستخدم قواعد بياناتها المختلفة لشن هجوم مشترك ضد بعض الأفراد على وجه التحديد.
ولا تربط هذه الشبكة نفسها بالحكومة الإسرائيلية بشكل مباشر، وهي بذلك تنفذ ما ورد بالخطة عن ضرورة أن لا يحمل التحرك ضد طلاب الجامعات أي رابط "مع دولة إسرائيل"، لا سيما أن طبيعة تنفيذ الخطة تحمل عملاً استخباراتياً لجمع المعلومات والتشهير واحتمال إلحاق الضرر بالأشخاص المستهدفين.
تُشهّر أطراف الشبكة على الإنترنت بالمحتجين في الجامعات، وتنشر أسماءهم وصورهم وتفاصيل شخصية عنهم، وتوجه لهم تهمة جاهزة وهي "معاداة السامية"، التي يطلقها الإسرائيليون على كل من يندد بالحرب على غزة.
مواقع إلكترونية خاصة بالتشهير
أبرز أطراف هذه الشبكة، منظمة أمريكية تُسمى "Accuracy in Media"، ويترأسها "آدم جيليت"، وهو يهودي يعد من بين أكثر الشخصيات بأمريكا عداءً للتظاهرات بالجامعات، وتُشير البيانات المفتوحة المصدر عن مصادر تمويل هذه الشركة، بأنها تتلقى تمويلاً من عائلات يهودية ومنظمة يمينية تسمى Informing America Foundation.
أنشأ "جيليت" مواقع إلكترونية، وجعل الرابط الإلكتروني لها بأسماء طلاب جامعات أمريكية متضامنين مع غزة"، واطلع "عربي بوست" على بعض المواقع، ووجدها تحمل أسماء طلاب جامعة "هارفارد"، وعند دخول المواقع، وجدنا صورهم ورسائل تشهيرية واتهامات بـ"معاداة السامية"، وذلك في تنفيذ واضح للخطة الإسرائيلية.
يظهر نشاط المنظمة على شبكات التواصل أنها دفعت الأموال لترويج منشورات تشهيرية على "فيسبوك" ضد طلاب وأساتذة الجامعات، ورصد "عربي بوست" عدداً من الإعلانات الممولة خلال الأشهر أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول 2023.
كذلك أطلقت المنظمة الأمريكية موقعاً إلكترونياً سمّته "هارفارد تكره اليهود"، ويتضمن الموقع رسالة تتهم أساتذة في "هارفارد" بأنهم "دعموا الإرهابيين"، بحسب وصف الرسالة، التي أشارت بذلك إلى من ندد بالحرب الإسرائيلية على غزة، ويتيح الموقع إرسال رسالة إلى مسؤولي "هارفارد" يطالبهم بالتصدي لمن هم ضد إسرائيل بحجة "معاداة السامية".
جاب اسم موقع "هارفارد تكره اليهود" شوارع في مدن أمريكية، عبر حملة مولتها المنظمة للتشهير بطلاب الجامعات الأمريكية وترهيبهم، وبدأت الحملة بعد أيام معدودة من بدء الحرب على غزة، وتضمنت تسيير شاحنات قرب الجامعات، وعرضت على شاشة كبيرة أسماء متضامنين مع غزة وصورهم، وكتبت عنهم أنهم "معادون للسامية".
ظهرت الشاحنات في تواريخ مختلفة، بدءاً من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومن خلال ما رصده "عربي بوست" فإن المنظمة شهرّت بالطلاب والمدرسين في محيط جامعات "هارفارد" (يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول)، و"ييل"، و"نيو هيفن"، جامعة "كولومبيا"، وعرضت إحدى الشاحنات لافتة كتبت عليها أن "جامعة كولومبيا تقود معاداة السامية".
هذه الحملة جاءت كرد على نشر 30 مجموعة طلابية في أمريكا بياناً ليلة الحرب على غزة، وقالوا فيها إن إسرائيل "مسؤولة بالكامل عن أعمال العنف" التي انتهت بمقتل إسرائيليين، مشيرين بذلك إلى هجوم يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الذي شنته فصائل فلسطينية على مستوطنات بغلاف غزة.
قائمة سوداء بأسماء المتضامنين مع غزة
الشبكة التي يصب عملها في خدمة الخطة الإسرائيلية، يبرز فيها موقع اسمه "Canary mission"، وهذا الموقع على الرغم من تأسيسه عام 2015 ونشره منذ ذلك الحين صوراً ومعلومات تشهيرية تعود لأشخاص تضامنوا مع فلسطين، إلا أنه يُعد الآن من بين أبرز المُشهرّين بطلبة الجامعات المتظاهرين في الجامعات الأمريكية.
يخصص الموقع الإلكتروني صفحات تتضمن أسماء طلاب، وأساتذة جامعيين، ومنظمات منددة بالحرب الإسرائيلية، ويتضمن الموقع عشرات الأسماء لمشاركين حاليين في حراك الجامعات الأمريكية، إذ يعود تاريخ إضافة الأسماء إلى شهر أبريل/نيسان 2024.
وجد "عربي بوست" أن الأسماء التي شهّرت بها منظمة "Accuracy in Media" من إنشاء مواقع إلكترونية بأسمائهم، هي نفس الأسماء الموجودة في قاعدة بيانات "Canary mission"، ومن بينها، اسم مسؤولة عن مجموعة للطلاب السود في جامعة "هارفارد".
يحيط الموقع نفسه بالسرية حول المسؤولين عنه وعن مصادر تمويله، لكن تقريراً لافتاً لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، نشرته في أكتوبر/تشرين الأول 2018، يحمل مؤشرات على ارتباطه بالسلطات الإسرائيلية، إذ قالت الصحيفة إنها حصلت على وثائق تؤكد أن السلطات تستخدم قاعدة بيانات "Canary mission" لمنع طلاب أمريكيين من دخول الأراضي المحتلة إذا وردت أسماؤهم في القائمة السوداء، إضافة إلى استجوابهم بسبب موقفهم من فلسطين.
حسابات للتشهير على موقع "إكس"
قادنا التحقيق في حملات التشهير ضد طلاب الجامعات الأمريكية المتضامنين مع غزة، إلى العثور على حسابات نشطة على موقع "إكس"، تشارك في التشهير ومهاجمة الطلاب والأساتذة الجامعيين، وتتهمهم بـ"معاداة السامية"، وبأنهم من "أنصار حركة حماس".
حساب "Documenting Jew Hatred on Campus" على موقع "إكس"، تم إنشاؤه في مارس/آذار 2024، مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية، وفي رسالته التعريفية يقول الحساب إن هدفه "التأثير على المؤسسات الأكاديمية لمعارضة كره اليهود من خلال كشف المناخ السام المعادي لإسرائيل في الجامعات".
ينشر الحساب صوراً لطلاب الجامعات والأساتذة، ويشهر بهم بطريقة تخدم أهداف الخطة الإسرائيلية الحكومية، وبطريقة مشابهة لعمل الموقعين اللذين ذكرناهما، واللافت في هذا الحساب أنه يركز بشكل كبير على نشر صور الأساتذة الجامعيين الذين انضموا للطلاب المؤيدين لفلسطين.
يمتلك هذا الحساب موقعاً إلكترونياً، وبحسب ما رصده "عربي بوست"، فإن الحساب ينشر رابطاً على موقع "Google Doc"، يجري تحديثه باستمرار، ويتضمن أسماء شخصيات ومنظمات ويشهر بها بسبب مشاركتها في تظاهرات الجامعات ضد إسرائيل.
من الحسابات الأخرى التي تم رصدها، حساب "StopAntisemitism" على موقع "إكس"، وفي طريقة مشابهة لما يفعله موقع "Canary mission"، ينشر الحساب صوراً لطلاب وأساتذة ومسؤولين بالجامعات الأمريكية وصوراً لحساباتهم على شبكات التواصل، ويشهر بهم بسبب التظاهرات الداعمة لغزة، ويوجه اتهامات لهم بـ"معاداة السامية".
على الموقع الرسمي لهذا الحساب على الإنترنت، وضع المسؤولون عنه قائمة سمّوها "مُعادو السامية لهذا الأسبوع"، وينشرون فيها صور جامعيين وأساتذة من الجامعات الأمريكية، وتفاصيل عن نشاطاتهم المؤيدة للفلسطينيين بغرض التشهير بهم.
ويظهر تتبع بعض الأسماء التي شهّر بها هذا الحساب بسبب دعمها لفلسطين، أنها نفسها موجودة في قاعدة بيانات موقع "Canary mission".
رصد "عربي بوست" أيضاً العديد من المواقع والحسابات الأخرى التي تهاجم المتظاهرين وتشهر بهم، من بينها موقع "رابطة مكافحة التشهير"، وصحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية، وحساب "SAFE COLUMBIA"، الذي تم إنشاؤه في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ويعيد هذا الحساب بشكل ملحوظ تغريد المنشورات التي ينشرها حساب "Documenting Jew Hatred on Campus".
على الرغم من عمل هذه الشبكة بشكل واسع ومنسق ضد المتضامنين مع غزة، فإن زخم الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية لا يزال مرتفعاً، كذلك وعلى الرغم من أن بعض الذين استهدفتهم حملات التشهير قد رفعوا قضايا قانونية، إلا أن استمرار أطراف هذه الشبكة وبعضها موجود في أمريكا في عمله، عرض السلطات الأمريكية لانتقادات، خصوصاً أن التشهير يستهدف مواطنيها وعلى أرض بلدهم، لصالح إسرائيل.