أجبر إغلاق السلطات المصرية لمعبر رفح الحدودي، سكاناً من غزة إلى اللجوء للموقع الأشهر حول العالم لجمع التبرعات "GoFundMe"، وذلك لتقديم طلبات مساعدة لتأمين مبالغ ضخمة من أجل دفعها كـ"فدية" أو "رشاوى" لمسؤولين مصريين، كما يسميها البعض، مقابل السماح بعبور عائلات من غزة لمصر، وتم جمع ما لا يقل عن 1.5 مليون دولار من خلال عشرات الطلبات المقدمة من أصل المئات منها، فيما يؤكد سكان من غزة أن ثمن العبور لمصر وصل لـ11 ألف دولار للشخص الواحد.
وأصبح الموقع الذي يتيح التبرع من دول حول العالم ممتلئاً بمئات طلبات المساعدة لإخراج عائلات بأكملها من قطاع غزة، الذي يعاني سكانه البالغ عددهم نحو 2.2 مليون نسمة، من حرب إسرائيلية مُدمرة مُستمرة منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى اليوم.
إغلاق المعبر يدفع فلسطينيين لجمع التبرعات
هذه الحرب التي تسببت باستشهاد وجرح عشرات الآلاف يزيد من قسوتها إغلاق السلطات المصرية لمعبر رفح، والسماح لأعداد قليلة للغاية بالعبور، الأمر الذي تسبب بارتفاع تكلفة ما يسميه سكان غزة بـ"التنسيق"، والذي يقضي بدفع أموال لضباط مسؤولين في مصر مقابل تسهيل خروجهم من القطاع، وذلك من خلال وسطاء.
ورصد "عربي بوست" 65 طلباً من أصل مئات الطلبات، وجميع الطلبات الـ65 قدمها أصحابها تحت عنوان واضح وهو "الإجلاء من غزة" عبر معبر رفح، وجمعت هذه الطلبات حتى يوم 16 يناير/كانون الثاني 2024، مبلغ 1.514.283 دولار، ومن المقرر أن يقوم أصحابها بتخصيصها لدفع فدية الخروج من غزة.
هذه الطلبات الـ65 هي فقط خلال الفترة من بداية ديسمبر/كانون الأول 2023، وحتى 16 يناير/كانون الثاني 2024، وبدأت طلبات المساعدة تأخذ منحاً تصاعدياً منذ بداية يناير الجاري، مع تصعيد الاحتلال لعملياته العسكرية في وسط وجنوب غزة، إضافة إلى زيادة تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع.
11 ألف دولار مقابل الشخص الواحد!
تمتلئ طلبات الاستغاثة بالقصص المؤلمة لعائلات من غزة فقدت منازلها، وتشردت، ولم تعد أمامها خيارات إلا الخروج من غزة، من خلال دفع الأموال لمسؤولين في الجانب المصري من معبر رفح لتسهيل الخروج.
يؤكد أصحاب الطلبات ارتفاع المبلغ الذي ينبغي دفعه لمسؤولين في الجانب المصري مقابل تسهيل الخروج من غزة، وتُشير معظم العائلات التي تطلب المساعدات إلى أن تكلفة العبور إلى مصر تتراوح بين 8 آلاف إلى 11 ألف دولار مقابل الشخص الواحد، فيما ينخفض المبلغ إلى حدود ألف إلى ألفين دولار للأطفال.
تذكر إحدى العائلات في طلبها أنها مضطرة إلى دفع ما بين 10 إلى 11 ألف دولار مقابل كل شخص من أجل دخول مصر، فيما تُشير عائلة أخرى إلى أنها تحتاج إلى 90 ألف دولار من أجل الحصول على تصاريح لإجلاء جميع أفرادها من غزة إلى مصر، وتؤكد عائلة ثالثة أنها بحاجة إلى 75 ألف دولار ثمن إخراج أفرادها من القطاع.
تؤكد طلبات أخرى حصول عملية ابتزاز من قبل مسؤولين بالجانب المصري من الحدود مع غزة، من أجل السماح بدخول الأراضي المصرية، وتُشير إلى أن التكلفة في ازدياد مستمر مع رغبة متزايدة في الانتقال إلى مصر، لا سيما من أجل العلاج أو لمّ شمل العائلات.
تقول إحدى العائلات في طلب المساعدة، إن "المنسقين أبلغونا أن إضافة أسماء أفراد العائلة يحتاج إلى 8 آلاف دولار للشخص الواحد"، وتؤكد أن المبلغ الذي سيتم جمعه سوف يُدفع كثمن للانتقال إلى مصر.
ويُرفق بعض أصحاب نداءات الاستغاثة طلباتهم بصورٍ لمنازلهم التي دمرها القصف الإسرائيلي، أو لأفراد خسروهم من عائلاتهم، أو لأماكن عيشهم الحالية وهي عبارة عن خيام مهترئة تفتقر لأساسيات الحياة، كما نشر البعض صوراً لتقارير طبية من مستشفيات غزة تشرح حالاتهم المرضية المستعصية، خصوصاً المصابين بأمراض السرطان.
من بين حملات التبرع التي رصدها "عربي بوست"، تم تنظيم حملة لمساعدة الصحفي الفلسطيني المُصاب بالسرطان يوسف أبو سعيد، والذي لا يزال يواصل تغطية الأحداث في غزة رغم مرضه، وتُشير حملة التضامن مع الصحفي إلى ضرورة خروجه من القطاع من أجل الحصول على العلاج.
"التنسيق" خيار مرهق لسكان غزة
قبل بدء الحرب على غزة، كان أمام سكان القطاع الراغبين في السفر طريقتان رئيسيتان للمغادرة، الأولى طريقة قانونية عبر تقديم طلب إلى وزارة الداخلية في حكومة القطاع، ويتوجب على صاحب الطلب الانتظار لفترة طويلة تصل إلى أشهر للحصول على رد، إذ تُعطي الوزارة الأولوية في اختيار المسافرين لمصر للمرضى، والطلاب، أو أصحاب الإقامات.
الطريقة الثانية من خلال ما يُعرف بـ"التنسيق"، وله نوعان، الأول من خلال اللجوء لشركة "هلا" التي تتولى مهمة نقل المسافرين من غزة لمصر، وبتنسيق مع مسؤولين مصريين في الجانب المصري من رفح، مقابل دفع مئات الدولارات على الشخص، ويختلف المبلغ بحسب مدة فتح المعبر، وبحسب مدى اضطرارية المسافرين للمغادرة.
إلا أن قيمة المبلغ بعد الحرب ارتفعت، إذ يشير أحد الطلبات على موقع "GoFundMe" إلى أنه من أجل إجلاء أفراد العائلة من غزة ينبغي تأمين مبلغ 48 ألف دولار ودفعها لتسهيل العبور إلى مصر، ويُشير الطلب إلى أن هنالك شركة "تتولى الخدمات اللوجستية، وتؤمن الأذونات اللازمة" مع الجانب المصري.
النوع الثاني من "التنسيق" يتم من خلال أشخاص موجودين في غزة، ولهم علاقات مع ضباط مصريين أو مسؤولين بالمخابرات- بحسب تقارير فلسطينية– ويتم الدفع لهؤلاء الذين يطلق عليهم "منسّق أو وسيط" مقابل نقل أسماء المسافرين للجانب المصري ثم السماح لهم بالمغادرة، وفي النهاية يتم تقاسم الأموال بين المنسقين والمسؤولين في مصر.
عقب موافقة الجانب المصري على الأسماء التي سيُسمح لها بمغادرة غزة، يتم إرسال الأسماء إلى الجانب الفلسطيني من المعبر من أجل تسهيل خروجها من القطاع.
ورغم تأكيدات عائلات في غزة أنها خرجت من القطاع بعدما دفعت للوسطاء من أجل السماح لها بالعبور إلى مصر، فإن السلطات المصرية تنفي وجود رشاوى من أجل تسهيل خروج المضطرين من غزة إلى الأراضي المصرية.
يُعتبر معبر رفح، الواقع بين مدينة رفح الفلسطينية في قطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء في مصر، هو البوابة الوحيدة وشريان الحياة المتبقي أمام سكان القطاع المحاصرين من كل الجهات، من أجل الخروج إلى العالم.
ومع كل التقلبات السياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة الحدودية، يصبح معبر رفح خاضعاً لعدة قيود تجعل عملية فتحه، أو العبور من خلاله، أو دخول المساعدات الإنسانية عن طريقه أمراً صعباً، خصوصاً خلال فترات الحروب.