تكشف أرقام رسمية من وزارة الصحة الإسرائيلية حول عدد الإصابات التي دخلت للمستشفيات منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عن فجوة كبيرة بين هذه الأرقام وبين ما أعلنه جيش الاحتلال الإسرائيلي عن عدد المصابين بصفوفه، وهذا التباين يشكك بالرواية الإسرائيلية الرسمية، التي تتضاءل صحتها أيضاً أمام المعلومات القليلة التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية عن أعداد الجنود المصابين.
وتُعد الأعداد الحقيقية للمصابين في جيش الاحتلال، أحد أبرز الجوانب الغامضة في الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ لم تعهد إسرائيل حالة من التكتم على أرقام خسائر الجيش كالتي تحدث بهذه الحرب، وذلك بخلاف سياستها في كل الحروب السابقة، وتؤكد تقارير إسرائيلية أن الجيش يتعمد إخفاء الأرقام الحقيقية لإصابات جنوده حفاظاً على الروح المعنوية للإسرائيليين.
أرقام رسمية تضعف رواية الجيش
يذكر الموقع الإلكتروني للجيش الإسرائيلي أنه حتى يوم 13 يناير/كانون الثاني 2024، وصل عدد الجنود المصابين منذ بدء الحرب إلى 2511، من بينهم 1099 إصابة منذ بدء التوغل البري في القطاع يوم 27 أكتوبر 2023.
ولم يبدأ الجيش في الإعلان عن أعداد جنوده المصابين إلا يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2023، وقبل هذا الإعلان بيوم، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن عدد إصابات الجيش وصل لـ5 آلاف، قبل أن تتعرض لضغوط وتحذف الرقم، وتنشر رقماً جديداً لأعداد الجرحى هو ألفان.
وأعداد الجنود المصابين التي نشرها الجيش هي جزء قليل من أعداد الإصابات الواردة في قاعدة بيانات وزارة الصحة الإسرائيلية، إذ تُشير إلى أنه حتى يوم 11 يناير 2024، استقبلت المستشفيات 13080 إصابة، بينها 580 إصابة حرجة، منذ بدء الحرب.
تدرج وزارة الصحة أعداد المصابين في قاعدة بيانات أنشأتها خصوصاً للإصابات التي لها علاقة بالحرب، ولا تفرق بيانات وزارة الصحة بشكل واضح بين إصابات المدنيين والعسكريين، ورغم ذلك، فإن أعداد الإصابات المُسجلة ضمن فترات زمنية مُحددة من الحرب، تعطي مؤشرات مهمة متعلقة بالمصابين من الجيش.
قسّمنا أعداد الإصابات التي تعلنها وزارة الصحة إلى 3 فترات زمنية: الأولى من يوم بدء عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر، وحتى 26 أكتوبر 2023 أي قبل بدء التوغل العسكري داخل غزة بيوم.
الفترة الثانية، منذ يوم 27 أكتوبر وحتى بدء الهدنة يوم 24 نوفمبر، والفترة الثالثة، منذ 2 ديسمبر 2023 يوم استئناف القتال، وحتى يوم 11 يناير 2023.
في الفترتين الزمنيتين الثانية والثالثة، تقُل الأسباب التي يمكن أن تؤدي لإصابة مدنيين إسرائيليين، مقارنة بما هي عليه بالفترة الأولى من الحرب، ما يرفع من احتمالية ونسبة أن يكون العدد الأكبر من المصابين من العسكريين.
لنتناول الفترات الزمنية الثلاث للحرب بالتفصيل:
الفترة الزمنية الأولى الأكثر عدداً بالجرحى
منذ 7 أكتوبر وحتى 26 أكتوبر، بلغ عدد الإصابات 5484، وهي أعلى فترة منذ بدء الحرب من حيث عدد الإصابات، وهذا المعدل المرتفع للإصابات يعود لحدوث الهجوم على مستوطنات بغلاف غزة والذي أدى لسقوط قتلى وجرحى بصفوف عسكريين ومدنيين إسرائيليين، كما تعرضت مناطق مُحتلة لمعدلات عالية من الرشقات الصاروخية التي أطلقتها المقاومة.
ونظراً لتوافد المدنيين والعسكريين الجرحى للمستشفيات في نفس الوقت، تبقى المؤشرات عن الإصابات بين العسكريين خلال هذه الفترة غير واضحة، على خلاف الفترتين التاليتين من الحرب.
في الفترتين الثانية والثالثة من الحرب بلغ عدد الإصابات 7596 إصابة، الأمر الذي يثير تساؤلات عن صحة أرقام الجيش بإصابة 2511 جندياً فقط من قواته.
الفترة الزمنية الثانية.. آلاف الإصابات بعد بدء التوغل
منذ 27 أكتوبر وحتى 24 نوفمبر 2023، بلغ عدد الإصابات التي وصلت للمستشفيات 3739 إصابة، وفي بداية هذه الفترة الزمنية، بدأ جيش الاحتلال عمليته البرية، وسجل الأسبوع الأول من المعارك، أعلى عدد بالإصابات خلال هذه الفترة بـ1237 إصابة.
من المؤشرات المهمة التي تؤخذ بالاعتبار خلال هذه الفترة عند النظر لأعداد الإصابات التي دخلت المستشفيات:
1 - معدل الرشقات الصاروخية كان أقل من وتيرتها في بداية الحرب، بحسب ما تظهره بيانات لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي عن عدد الإنذارات المتعلقة بإطلاق صواريخ وقذائف، ويعني ذلك أن نسب الإصابات بين المدنيين أقل من سابقتها، مع التأكيد هنا على أن ليست كل الرشقات الصاروخية تتسبب بخسائر بشرية، فضلاً عن أن جيش الاحتلال يؤكد دائماً أنه يتصدى للصواريخ ويسقط معظمها.
2 - مستوطنات في غلاف غزة تم إخلاؤها منذ يوم 7 أكتوبر 2023، وبعدها بأيام تم إخلاء المستوطنات عند الحدود مع لبنان، ويُقدر عدد سكان "غلاف غزة" بأكثر من 40 ألفاً، ويرتفع لأكثر من 200 ألف مع احتساب بعض البلدات والأحياء القريبة التي طالتها صواريخ المقاومة الفلسطينية، ما يعني أيضاً أن معدل إصابة المدنيين الذين يُحتمل أنهم أصيبوا بالقذائف ضئيل، فضلاً عن أنه تم إخلاء المستوطنات القريبة من الحدود مع لبنان أيضاً.
3 - توقفت عملية تسجيل إصابات جديدة بين المدنيين ناجمة عن هجوم يوم 7 أكتوبر.
4 - تصدي فصائل المقاومة الفلسطينية للقوات المتوغلة في غزة، وتنفيذها لعمليات عدة للالتفاف حول صفوف جيش الاحتلال وإيقاع قتلى وجرحى بصفوفه، وفي نفس هذه الفترة كانت ترد تقارير إسرائيلية عن وقوع إصابات بين الجنود.
من بين الأيام البارزة التي أقر فيها الاحتلال بسقوط عدد كبير من جنوده قتلى كان يوم 31 أكتوبر 2023، حيث اعترف بمقتل 15 جندياً خلال 24 ساعة، وبالعودة لبيانات وزارة الصحة الإسرائيلية، وجدنا أنه في هذا اليوم تم تسجيل دخول 177 إصابة للمستشفيات، وهو من بين الأيام الأعلى عدداً بالإصابات.
كذلك خلال الفترة بين 27 أكتوبر و24 ديسمبر، سجلت بعض الأيام معدلات عالية في الإصابات، وفي نفس الوقت كان عدد الإنذارات من إطلاق الصواريخ أقل من فترات سابقة، الأمر الذي يقلل من نسبة الإصابات بين المدنيين.
الفترة الزمنية الثالثة: من 2 ديسمبر 2023، حتى 11 يناير 2024، بلغ عدد الإصابات في المستشفيات الإسرائيلية 3370 إصابة.
في بداية هذه الفترة انهارت الهدنة، واستأنف جيش الاحتلال هجومه البري على غزة، لكنه وسّع من عملياته العسكرية التي وصلت لمحاور أخرى في غزة، وفي الأسبوع الأول من استئناف القتال، سجلت المستشفيات الإسرائيلية 782 إصابة، وهو أكثر أسبوع من حيث عدد الإصابات خلال هذه الفترة.
في هذه المدة أيضاً لا تزال المستوطنات المحيطة بغزة والقريبة من الحدود مع لبنان مُخلاة، كما أن معدل الإنذارات بضرب صواريخ وقذائف على الأراضي المحتلة أقل من نظيره مع بداية الحرب.
وشهدت هذه الفترة أيضاً زيادة في أعداد الجنود الإسرائيليين القتلى، إذ بلغ عددهم 124 قتيلاً، في حين أن عدد قتلى الجيش منذ بداية المعارك حتى يوم 24 نوفمبر كان 77.
هذه الفجوة الكبيرة التي وجدناها بين أرقام وزارة الصحة الإسرائيلية، وبين أعداد الجيش، دفعت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى القول في تقرير سابق لها، إن الجيش يخفي العدد الحقيقي لجرحاه منذ بداية الحرب، ولفتت إلى أنه بعد فحص أرقام المستشفيات وجدت تبايناً كبيراً بين هذه الأرقام وتلك المُعلنة من الجيش.
تؤكد الصحيفة أن هذا التباين الكبير لا يمكن تفسيره، وقالت إن المستشفيات تُدير غرف عمليات للتعامل المباشر مع جرحى الحرب، وأضافت أنه "بالتالي فإن البيانات المُفاد عنها تتعلق بالجنود الذين أُصيبوا بالحرب".
ضغط على المستشفيات الأقرب من غزة
ويجري استقبال المصابين منذ بدء الحرب في 26 مستشفى ومركزاً طبياً موزعة في شمال وجنوب ووسط الأراضي المحتلة، بحسب ما تظهر بيانات وزارة الصحة الإسرائيلية.
تُشير قاعدة بيانات الوزارة إلى أن المستشفيات الأقرب إلى قطاع غزة، هي الأكثر استقبالاً لأعداد المصابين، ويعود ذلك إلى أنها الأقرب لمستوطنات الغلاف التي تعرضت للهجوم، فضلاً عن قربها من مناطق المعارك في غزة، إذ يتم إجلاء الجنود المصابين لهذه المستشفيات بالدرجة الأولى لاعتبارات متعلقة بأهمية الوقت المستغرق للإنقاذ وتلقي الرعاية الطبية.
ويبلغ مجموع الإصابات في أقرب 3 مستشفيات ومركزين طبيين من غزة 7735 إصابة، أي أكثر من نصف المجموع الكلي للإصابات.
تُكذب أرقام مستشفى "سوروكا" الحصيلة الرسمية التي أعلن جيش الاحتلال لعدد المصابين من جنوده، إذ نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن المستشفى قوله يوم 9 يناير 2023، إنه استقبل وحده 1703 جنود مصابين منذ بدء الحرب، أي أكثر من نصف العدد الرسمي المُعلن لأعداد الجنود المصابين وهو 2482.
كذلك فإن الأرقام القليلة الصادرة عن مستشفى "برزيلاي" تكذب صحة أرقام الجيش، إذ ذكرت "هآرتس" في 10 ديسمبر 2023، أن المستشفى عالج منذ 7 أكتوبر 2023، 1949 جندياً أصيبوا في الحرب.
ومن خلال هذه الخريطة التفاعلية يمكنكم معرفة أعداد الإصابات التي تم استقبالها بالمستشفيات منذ بدء الحرب وحتى تاريخ 11 يناير 2024:
تقارير إسرائيلية تكذب أرقام الجيش
على الرغم من الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام الإسرائيلية، فيما يتعلق بحديثها عن خسائر جيش الاحتلال، إلا أن بعضها نشرت أرقاماً ضخمة حول أعداد الإصابات، وحصلت عليها إما من مصادر داخل المستشفيات أو من هيئات طبية في البلاد، وهذه الأرقام تكذّب تماماً الأرقام المُعلنة من الجيش الإسرائيلي عن عدد المصابين بصفوفه.
يوم 5 يناير 2024، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلاً عن أشخاص يعملون بالمستشفيات لاستقبال الجرحى، إن "مآل الأمور أكثر كآبة من البيانات الرسمية بكثير"، وأشارت إلى أنه يتوقع أن يدرج الجيش في قوائم المعاقين 12500 جندي، فيما يتوقع أن يصل نطاق طلبات التأهيل بأقسام المعاقين إلى 20 ألف طلب.
ويوم 3 يناير 2024، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية بينها صحيفة "إسرائيل اليوم"، بيانات من الهيئة الطبية التابعة لجيش الاحتلال، وأفادت بأن 3221 جندياً أصيبوا منذ 7 أكتوبر 2023، وتم إجلاء 2438 منهم وإدخالهم إلى المستشفى، وهذا الرقم أعلى من الرقم الرسمي المنشور على موقع الجيش وهو 2511 إصابة.
وفي 8 يناير 2024، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية بينها القناة 12، و"يديعوت أحرونوت" عن بيان لـ"الفيلق الطبي بالجيش"، قوله إن نحو 9 آلاف جندي تلقوا مساعدة نفسية منذ بدء الحرب، وإن ربعهم لم يعد للقتال، وأضافت أنه بالمجمل "احتاج نحو 13 ألف جندي نظامي واحتياط إلى مرافقة أو علاج طبي على مستوى ما أثناء القتال، وأصيب الآلاف منهم في المعارك"، وفق المصادر العبرية.
كذلك ذكر موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي، مساء الجمعة 13 يناير 2024، "إصابة" 4000 جندي إسرائيلي بإعاقة منذ بداية الحرب على غزة، مرجحاً ارتفاع الرقم إلى 30 ألفاً.
الموقع قال إن "البلاد تستعد لاستقبال عدد كبير من جنود الجيش الإسرائيلي المعاقين، وبعد مرور 100 يوم على الحرب، تم بالفعل الاعتراف بإصابة نحو 4000 جندي بإعاقات"، مشيراً إلى أن تقديرات ترجح أن هذا العدد "سيصل إلى نحو 30 ألفاً".
يؤكد "واللا" أن الجيش الإسرائيلي "لا يقدم جميع بيانات الجرحى للجمهور؛ خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى انخفاض معنويات الناس".
أخيراً، تُشير الأرقام المنشورة من قبل وزارة الصحة الإسرائيلية، إضافة إلى ما تسرّب من معلومات لصحف إسرائيلية، إلى أن الأعداد المُعلن عنها رسمياً من قبل جيش الاحتلال عن عدد المصابين بصفوف جنوده، بعيدة عن الحقيقة، لا سيما مع تأكيدات جهات عدة في إسرائيل من أن أعداد إصابات الجنود يتجاوز بآلاف العدد المُعلن عنه من جيش الاحتلال.