بجلباب مغربي وقسمات وجه حازمة، خطا خطوات واسعة نحو خيمة الخراف الإسبانية المعروضة بأحد أكبر أسواق أضاحي العيد بالعاصمة المغربية الرباط، التي زارها "عربي بوست"، نهاية الأسبوع الماضي.
لم يضيّع العم الستيني الوقت، ولم يكترث لما هو معروض بالسوق، فقراره محسوم قبل أن يُغادر بيته، اقتناء الكبش المستورد من إسبانيا، تفقّد الخراف واختار واحداً، تفاوض مع البائع على سعره، وطلب حمله لسيارته.
في حديث مقتضب مع "عربي بوست"، أخبرنا أن سعر خروفه المستورد بلغ 3100 درهم (نحو 300 دولار)، معتبراً أنه سعر مناسب لخروفٍ مثله، وقال: "هذا كله لحم، فتيٌّ ولم يكمل السنة، ولن أجد مثله بهذا السعر في الكباش المحلية".
ولأول مرة في تاريخه، يلجأ المغرب إلى استيراد أغنام عيد الأضحى، من كل من إسبانيا والبرتغال ورومانيا بصفة استثنائية ومؤقتة، حسب ما أعلنته الحكومة سابقاً، في بلاغ رسمي؛ وذلك من أجل حماية القطيع الوطني وضمان استقرار الأسعار عند الاستهلاك.
بين الأكباش الإسبانية في المغرب والمحلية.. المغاربة حائرون
عكس العم الستيني وقفت سيدة في الأربعينيات من عمرها، ترقب الأغنام المستوردة والحيرة تسبقها، قالت: "في الحقيقة دائماً ما نُقبل على كل شيء مستورد… لكن استيراد الخراف فكرة جديدة ولم نجرّب لحومها من قبل".
في حين جزمت سيدة أخرى تقف غير بعيد، بأن "56 ألف ريال (2800 درهم) ثمن جيد لمثل هذا الخروف، أنا أيضاً سأقتني هذا الإسباني". وبالقرب من الخيمة ذاتها التي تشهد تجمهراً، رب أسرة صرح لـ"عربي بوست": "لن أشتري غير الخروف المحلي، رغم سعره، على الأقل أنا أعرف ما يُطعمه صاحبه".
بين مقبل وحائر ورافض تنوعت آراء العديد من الأشخاص، التقاهم "عربي بوست"، منهم من يعتقد أن الأغنام المحلية أجود، ومنهم من يدفعه الفضول، وآخرون يشترون دون تردد، فيما يبقى الحاسم هو السعر الذي يشهد ارتفاعاً لحدود نهاية الأسبوع.
وتختلف أسعار أكباش العيد في المغرب، بين المستورد الذي يتراوح سعره بين 250 و300 دولار، وسعر الكبش المحلي الذي تتراوح قيمته بين 400 و800 دولار، في الوقت الذي يصل فيه الحد الأدنى للأجور في المغرب لنحو 300 دولار.
توازن في السوق
ميلود، فلاح وكساب أغنام، والذي بيعت أغنامه من سلالة "الميرينوس" الإسبانية، بعد أن اشتراها من المستورد مباشرة، دون وسطاء، يقول لـ"عربي بوست" إن السعر مناسب، يتراوح بين 1500 درهم و 2500 إلى 3000 درهم (بين 150 و250 دولاراً).
وكشف المتحدث أن خراف الميرينوس قصيرة القامة ومكتنزة، وهو الأمر الذي عاينه "عربي بوست" وسط سوق بيع الخرفان، مشيراً إلى أن المنتج الإسباني يحترم صحة المواطنين ويحترم المعايير الدولية.
ويسجل ميلود أن عملية استيراد الخرفان من إسبانيا جديدة والناس لم يتعودوا عليها، وقد تحتاج بعض الوقت حتى يتعود عليها المجتمع المغربي، ويضيف مستدركاً: "مع ذلك، الشراء موجود، والإقبال جيد".
وحسب المتحدث فإن هذا النوع من الخرفان يخلق تنوع العروض التنافسية، ويرى ملاحظون أن السوق سجل نوعاً من التوازن في الأسعار مع دخول الأغنام المستوردة من كل من إسبانيا والبرتغال ورومانيا.
وفي حديث لـ"عربي بوست"، قال محمد كاريمين، رئيس الفيدرالية البيمهنية للحوم الحمراء، إن المهنيين قبلوا الانفتاح على استيراد خروف العيد؛ لرفع الحرج عن القطاع وعدم إجهاده، ويؤكد كاريمين أن تنويع العرض ورفعه يؤثران في سعر السوق ويجرانه نحو التوازن.
ويفيد الفاعل المهني في الإطار ذاته، بأنه تم استيراد نحو 200 ألف رأس لحد الآن، وأن إدخال الخروف المستورد للأسواق حقق نوعاً من التأثير النفسي على الباعة؛ مما أدى إلى نوع من التوازن في السوق.
حماية المستهلك ترحب
رحب بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بخطوة الانفتاح على استيراد أضاحي العيد، مسجلاً غياب الأكباش المستوردة في كل المناطق، حيث يقتصر بيعها على المتاجر الكبرى والأسواق المنظمة.
وقال الخراطي إن الخراف المستوردة جيدة وخاضعة للمراقبة الصحية وعلفها مراقَب، ودخلت المغرب في ظروف نقل تحترم المعايير الدولية، مشيراً إلى أن طريقة نقل المواشي تؤثر في جودتها بعد الذبح.
ونوه بتنوع العرض وحرية الناس في الاختيار، وقال لـ"عربي بوست": "أنا خروفي مستورد وثمنه مناسب مقارنة بأسعار الخرفان المحلية".
وسجّل الفاعل المدني وجود فوضى في قطاع تربية المواشي، وتمنع في رجوع الأسعار عند غياب مسببات ارتفاعها لمستويات أقل، قائلاً "السوق الداخلية تعرف أزمة ريع، ولا توجد مؤسسات رسمية تعنى بالاستهلاك" مشيراً إلى تقزيم دور جمعيات حماية المستهلك، وتجريدها من حق التوجه للقضاء.
وشدد الخراطي على أن عيد الأضحى وسوق بيع المواشي عملية تجارية كبيرة بمليارات الدراهم يجب أن تخضع لقوانين، تستفيد منها الدولة والمواطنون.
واعتبر أن تقديم دعم موجه للاستيراد دون التدخل في تحديد السعر الأقصى للبيع هفوة وفراغ في تحقيق الهدف المرجو من الاستيراد، والذي يتمثل في خلق تنوع في السوق ووفرة في العرض من أجل تخفيض السعر النهائي لصالح المواطن.
استيراد لأول مرة
يقدر العرض الوطني للمواشي المخصصة لعيد الأضحى بـ7.8 مليون رأس، ضمنها 6.3 مليون رأس من الأغنام و1.5 مليون من الماعز، ويتجاوز العرض الطلب الذي يقدر بـ5.6 مليون رأس، ضمنه 5.1 مليون رأس من الأغنام و500 ألف رأس من الماعز.
ولأول مرة في تاريخه، يلجأ المغرب إلى استيراد أغنام عيد الأضحى، الأمر الذي أعلنته الحكومة سابقاً، في بلاغ رسمي، وهو الإقدام على فتح الاستيراد بصفة استثنائية ومؤقتة، من أجل حماية القطيع الوطني وضمان استقرار الأسعار عند الاستهلاك، مع توفير الدعم من خلال الإعفاء من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد، ومنح دعم لاستيراد الأغنام المخصصة للذبح في حدود 500 درهم لكل رأس.
يوضح محمد كاريمين أنه لأول مرة، وقع تأثر في الهيكل الإنتاجي للقطيع المحلي بسبب توالي سنوات الجفاف، وتأثير كل من أزمة الحرب وكوفيد 19 على مستوى التضخم، وسجل تناقص في النعاج بنحو 30%.
وتتم عملية الاستيراد تحت إشراف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا)، ومصالح وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.