"لم نكن نعلم ما ينتظرنا من مسؤوليات والتزامات مالية، واعتقدنا أن الزواج لن يختلف كثيراً من حيث متطلّباته المادية عمّا كنا نتحمّله من مسؤوليات قبل الزواج، وفي الأخير قررنا الطلاق بالتراضي"، هكذا تحدثت مفيدة و. مع "عربي بوست".
تقول مفيدة، التي تزوّجت سنة 2019، إن "السنة والنصف الأولى لم تحمل أي صعوبات، ما عدا تلك الأحداث العادية التي يعيشها كل الأزواج، لكن مع مرور الوقت، خاصة بعد أزمة كورونا، تغيّر المناخ داخل منزلها، وساد التوتّر بسبب الصعوبات المادية".
وليست مفيدة وحدها، فتردي الأوضاع الاقتصادية نتيجة الوضع السياسي أدى إلى أزمة اجتماعية، على رأسها تفاقم المشاكل الأسرية بين الأزواج، فكانت النتيجة ارتفاع نسبة الطلاق في تونس بشكل استثنائي وغير مسبوق.
أيضاً تراجع عدد عقود الزواج المبرَمة، ومنه الولادات في بلد من المرجّح أن تتجاوز نسبة التضخّم فيه الـ10% مع نهاية السنة الجارية، ولا يتجاوز فيه الأجر الأدنى المضمون ما يُقارب الـ150 دولاراً أمريكياً.
الطلاق والزواج
وفق آخر الأرقام التي نشرتها مؤسسة "سيغما كونساي"، إحدى المؤسسات الكبرى بالإحصاء في تونس، فقد تم تسجيل 16 ألف حالة طلاق سنوياً كمعدّل لحالات الطلاق في تونس.
فيما كشفت آخر المعطيات الإحصائية التي أصدرتها وزارة العدل التونسية، عام 2020، عن المحاكم التونسية بثت في نحو 46 حالة طلاق يومياً كمعدّل في تونس.
بالتوازي مع ارتفاع حالات الطلاق في تونس كشفت معطيات أرقام حديثة، نشرها المعهد الوطني للإحصاء، واطلع عليها "عربي بوست" أن عدد عقود الزواج في تونس تراجع من 98 ألفاً سنة 2016 إلى 71 عقداً سنة 2021.
ووفق نفس المعطيات الإحصائية المتعلقة بعقود الزواج المبرَمة في تونس خلال الفترة الممتدة بين سنة 2013 وسنة 2021، فقد مثلت سنة 2020 أعلى نسبة في تراجع عدد عقود الزواج المبرمة بتراجع بحوالي 21%.
كما أثبت تقرير صادر عن الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، أن نسبة العزوف عن الزواج في تونس مرتفعة بشكل كبير، لتصل إلى 60% ممن هم في سن الزواج.
وأورد نفس التقرير أن عدد العازبات أو النساء اللواتي يعزفن عن الزواج ارتفع إلى أكثر من 1.250.000 امرأة من مجموع نحو 5 ملايين امرأة في سنّ الخصوبة أو الزواج في تونس.
عوامل اقتصادية واجتماعية
بطبيعة الحال لا يُمكن الحديث عن ارتفاع عدد حالات الطلاق في تونس وتراجع عدد عقود الزواج المُبرمة دون تسليط الضوء على العوامل الاقتصادية والمالية كمحدد أو مُعطى رئيسي، ولكنه ليس الوحيد.
ووفق الباحث في علم الاجتماع، سنيم بن عبد الله، فإن أحد أهم عوامل ارتفاع حالات الطلاق في تونس هي اقتصادية واجتماعية، كالبطالة والرغبة من طرف الرجال والنساء في الهجرة، سواء النظامية أو غير النظامية.
ووفق الأستاذ في الجامعة التونسية، فالعوامل الاقتصادية والأزمات السياسية المتتالية التي تعيشها تونس منذ 2011 ساهمت بدرجة رئيسية في ارتفاع عدد حالات الطلاق وتراجع عدد عقود الزواج بسبب العزوف الكبير عن الارتباط.
وأشار المتحدث إلى أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة أثرت كليّاً على وضعيات الشباب التونسي المفكر في الزواج، حيث يفضّل كثيرون تأجيل فكرة الزواج أو العزوف كلياً عن الارتباط.
ووفق تقدير بن عبد الله، فالزواج أصبح في تونس مشروعاً اقتصادياً بالأساس، أكثر منه عاطفياً، أو في علاقة بتكوين أسرة ومرحلة من مراحل حياة الإنسان، مما جعل تردي الوضع الاقتصادي يُنتج ضرورة عزوفاً عن الزواج.
وحسب المتحدث، فإن الزواج يُشكل صعوبة كبرى، نظراً لارتفاع كلفته باعتبار أن الغالبية من عائلات المقبلين على الزواج يتشبّثون بإقامة الزواج تحت غطاء العادات والتقاليد، ما يعني تكلفة كبيرة يُمكن أن تبلغ في المتوسّط 15 ألف دولار.
قرارات فردية
الباحث في علم الاجتماع، عبد اللطيف الهرماسي، اعتبر في حديثه مع "عربي بوست" أن مؤسسة الزواج في تونس شهدت تحولات عميقة في السنوات الأخيرة، شأنها شأن العلاقة بين الزوجين.
لكن حسب المتحدث، فإن مؤسسة الزواج في تونس لم تصل إلى حدّ الانهيار كما تذهب بعض التحليلات، حيث يرى الهرماسي أن الحديث عن تفكّك مؤسسة الزواج في تونس وتصدعها لا يستقيم بتاتاً.
إذ يؤكّد الباحث في علم الاجتماع أن تناول الطلاق كظاهرة اجتماعية وتطورها في المجتمع يجب أن يكون من خارج منظور الاختلال والأزمة باعتماد تعميمه على كل الأسرة.
فالأسلم في رأي الهرماسي هو اعتبار أن الطلاق قرار فرديّ يتخذه الأزواج استجابة وردّ فعل على الصعوبات أو المستجدات التي تطرأ على حياتهم الزوجية، فالطلاق ترجمة لخيارات ترتبط بأوضاع خاصّة وفردية.
ليخلص الباحث في علم الاجتماع إلى أنه يجب وضع حالات الطلاق، رغم ارتفاعها المتواصل، في سياقها كفعل فردي وليس في سياق عام يُعمم على مؤسسة الزواج ككلّ.