وجدت الأميرة الهولندية كاثرينا أماليا نفسها تحت الحراسة الأمنية المشددة، بعد أسابيع قليلة من انتقالها لأمستردام لبدء دراستها الجامعيّة، مع ظهور تقارير صحفية تفيد بتعرضها لتهديدات اختطاف وتصفية من قِبل العصابات التي صارت تُعرف باسم "موكرو-مافيا".
وتداولت الصحف الهولندية خبر تشديد الإجراءات الأمنية على وليّة العهد الهولندية، بعد ظهور مؤشرات على أن أماليا ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، قد يكونان قد وُضعا ضمن قائمة الاستهداف من قِبل عصابة جريمة منظمة، يتزعمها رضوان التاغي، ذو الأصول المغربية. ما خلفية هذا التصعيد؟ وما تاريخ هذه المافيا وزعيمها؟
جدل اختطاف الأميرة الهولندية
نقلت وكالة الأنباء الهولندية (إي إن بي)، في 13 أكتوبر/تشرين الأول، تصريحاً للملك فيليم ألكسندر والملكة ماكسيما، يفيد بأن ولية العهد الأميرة كاتارينا أماليا لم يعد بإمكانها مغادرة منزلها "في الواقع" لأسباب أمنية.
وأضاف الملكان أن ابنتهما البالغة من العمر 18 عاماً لا تعيش في أمستردام حالياً، ولم يعد بإمكانها الخروج، وذلك رغم بدايتها بدراسة السياسة وعلم النفس والقانون والاقتصاد بجامعة أمستردام منذ أسابيع قليلة فحسب، وانتقالها إلى شقة مستأجرة في العاصمة تقاسمتها مع طلاب آخرين، لكن المخاوف على سلامتها أجبرتها على العودة للقصر الملكي في لاهاي.
لم تذكر المقابلة مع الملكين طبيعة التهديدات التي تتلقاها الأميرة، لكن صحيفة "دي تليخراف" الهولندية الشهيرة نشرت خبراً الشهر الماضي، يفيد بوجود إشارات جديدة لدى الشرطة والنيابة العامة عن احتمال استهداف قادة المافيا المغاربية للأميرة أماليا ورئيس الوزراء مارك روته.
تزامناً مع تلك الأخبار، صعّدت السلطات إجراءاتها الأمنية مع رفض الشرطة التصريح بنوعية الترتيبات الأمنية المحيطة بالعائلة المالكة حالياً، كما وصف رئيس الوزراء الهولندي الوضع بـ"المروّع"، وعبّر عن قلقه الشديد، لكنه قال أيضاً إنه غير قادر على تحديد تفاصيل التهديد.
وتحدثت جهات إعلامية عن صلة المغربي متعدد الجنسيات رضوان تاغي بالتهديد الذي تتعرض له شخصيات عمومية هولندية، جاء ذلك بعد تبادله رسائل مع سجينٍ آخر يقضي حكماً بالمؤبد، اشتبهت السلطات باحتوائها على رسائل مشفّرة.
ترادف ذلك مع تعقيب عضو البرلمان الهولندي أوليس إليان على الأمر، قائلاً في حسابه على تويتر إن محتوى الرسائل ومقصدها "يكاد يستحيل تفسيره"، وإن الأمر خطير للغاية، ويجب إيقافه على الفور، واصفاً إياه لاحقاً بـ"الكوكتيل الخطر".
عصابة التاغي تدفع هولندا للتساؤل: هل أصبحنا دولة تحكمها المافيات؟
بدأت شهرة رضوان التاغي بالوصول إلى مستويات دولية، في سبتمبر/أيلول 2019، عندما قُتِل المحامي الهولندي ديرك ويرسوم (Derk Wiersum) بالقرب من منزله في العاصمة الهولندية أمستردام، وقد كان يعمل آنذاك لصالح الشاهد الرئيسي في المحاكمة ضد رضوان التاغي، نبيل البقالي.
روّعت هذه الجريمة أهالي العاصمة والبلاد عامةً، لا سيما أن الجريمة حصلت ضد شخص مدنيّ أمام منزله وعائلته، في وسط الأحياء الهادئة للضواحي، وليست مجرد جريمة بين أفراد العصابات كما كان يشيع عن سجل جرائم هذه المافيات.
دفعت حادثة القتل هذه برئيس نقابة الشرطة الهولندية، يان ستروجس، إلى التحذير من أن هولندا باتت تُظهر علامات تحوّلها لدولة مخدّرات (Narco-state)، ويتضمن هذا المصطلح الدول التي اختُرقت فيها المؤسسات الشرعية من قبل قوة وثروة تجارة المخدرات غير المشروعة، أو المناطق التي باتت خاضعة لسيطرة الجريمة المنظمة لأغراض إنتاج المخدرات والاتجار بها، وقد أُطلق هذا الوصف في فتراتٍ سابقة على كولومبيا وغينيا وسورينام والمكسيك وغيرها.
وجاء في تصريح ستروجس قوله: "لدينا بالتأكيد خصائص دولة المخدرات، لسنا المكسيك بالطبع، ليس لدينا 14400 جريمة قتل، لكن إذا نظرت إلى البنية التحتية، ومبالغ الأموال الهائلة التي تجنيها الجريمة المنظمة، والاقتصاد الموازي.. نعم، لدينا حالة دولة مخدرات".
لم تكن حادثة اغتيال ويرسوم الأولى في سجل جرائم المافيا، لكنها كانت ناقوس خطر يُعلن عن مستوى العنف والتمكّن الذي وصلت إليه العصابات.
وذلك يأتي بعد اكتشافات صادمة سابقة عن أعمال المافيات، منها غرف تعذيب وسجون تابعة لإحدى العصابات في هولندا عام 2020، وإيجاد رأس مقطوع خارج مقهى "فيروز" للشيشة لشاب مغربيّ (23 عاماً)، في رسالةٍ رمزية ضمن حرب عصابات أمستردام البادئة منذ 2012.
وكان المقهى نفسه قد شهد عملية تصفية قبل عامين لرجلٍ مغربيّ (30 عاماً) كان يُفترض أن يشهد في قضية جنائية سابقة متعلّقة بتصفية رجل مغربي كان شريكاً لمافيا أمستردام، ومنذ بدء الصراع ضمن المافيا المغربية في 2012، بمسألة تتعلق بشحنات الكوكايين، وثّقت الشرطة حوادث سنويّة لاختفاء وقتل أفراد يُعتقد أن لهم صلة بالمافيا.
أعمال عنف وتهديد لصوت الصحافة
في يوليو/تموز 2021، صُعِق الهولنديون بخبرِ تعرض پيتر دي فريس- الصحفي الاستقصائي الهولندي المحبوب والأكثر شهرة في البلاد- لهجوم مسلّح وسط العاصمة أمستردام، بعد ظهوره في برنامج آر تي إل بوليڤارد، وقد أدت إصابته إلى مفارقته للحياة بعد أيام قليلةٍ من الهجوم.
تحرّكت شرطة أمستردام فوراً لإيقاف بعض الأشخاص ممن يُشتبه بصلتهم بالهجوم، ووجدت النيابة العامة على هاتف أحدهم رسالة ترسم صورة استهدافهم للصحفي: "برو، تلك الرصاصة اخترقت رأسه تماماً مرتين، الرصاص ضرب كل شيء، رائع".
ربطت الصحف الهولندية حادثة الاغتيال هذه بعمل دي فريس مع عائلة الشاهد الرئيسي ضد رضوان تاغي، نبيل البقالي، إذ وافق سابقاً على تقديم العون لهم من واقع خبرته، وأيضاً لمنح الثقة والدعم في وقتٍ لا يجرؤ فيه أحد على الدفاع أو التدخل في قضيّة تخص أحد أفراد المافيا السابقين، فقد قُتِل شقيق نبيل ومحاميه بالفعل وذلك بعد تقديم نبيل لما يقرب من 1500 صفحة من النصوص التي تحتوي على أدلّة تُجرّم رئيسه السابق والمافيا التي يتبع لها، يُضاف إلى ذلك تغطية دي فريس المستمرّة لتطورات قضية نبيل في البرنامج الإخباري بوليڤارد.
كان دي فريس في الواقع مُهدداً من قبل رضوان تاغي منذ أكثر من سنتين، فقد أعلن في 14 مايو/أيار 2019، عن معرفته بأنه أصبح على "قوائم الموت" لمافيا رضوان تاغي، أيّ أنه صار هدفاً للتصفية، وذلك في تغريدة نشرها يقول فيها إن القضاء والشرطة أبلغاه بذلك، ونشرت صحيفة "دي تليخراف" الهولندية، في ديسمبر/كانون الأول 2020، خبر إبلاغ الجهات الأمنية الهولندية لدي فريس- واثنين من فريق محاماة نبيل- بأنهم أُدرجوا في قوائم الموت لرضوان تاغي، وباتت حياتهم في خطرٍ محدق.
وبعد ذلك ظهرت أدلّة أخرى على إصدار أمر قتل الصحفي من قبل رضوان تاغي، كان آخرها ذكر اسم تاغي على لسان الشاهد 5089، الذي قدم إفادته في استجوابات الشرطة في قضيّة اغتيال الصحفي، وفقاً لموقع RTL nieuws، ومن ثم ذكر اسم تاغي مجدداً باعتباره مُصدِرِ أمر القتل في أحد التسجيلات التي وثقتها أجهزة تنصّت وضعتها الشرطة في سيارة مُشتبه رئيسي في عملية التصفية، وفقاً لصحيفة NRC الهولندية.
هزّت حادثة اغتيال دي فريس الجمهور الهولندي بشكلٍ خاص، لأنه كان يمثّل صورة الصحفي الشجاع الذي لا يتردد في اقتحام أخطر القضايا في عيون الكثيرين، لا سيما بعد إمضائه أكثر من أربعين سنة في الاستقصاء عن الجرائم، ومساعدته في حلّ واحدةٍ من أشهر القضايا الجنائية في الثمانينات، وهي اختطاف الملياردير ورجل الأعمال الهولندي فريدي هاينكن، التي تحوّلت إلى فيلم لاحقاً، ومن ثم إطلاقه لبرنامج تلفزيوني في 1995، ركّز فيه على فتح الملفات الإجرامية التي نُسيت، ونجح في فكّ الغموض عن العديد من القضايا، وكانت له طرقه الخاصة في تحقيق ذلك، حتى إنه أقنع ما يقرب من 15 ألف رجل بالخضوع لاختبارات الـDNA في إحدى المرات من أجل حلّ قضية واحدة.
أضف إلى ذلك، سلسلة من المواقف العلنية المطبوعة في عقول الهولنديين وتعرضه المتكرر للتهديد من الجرائم التي كان ينخرط في التقصّي عنها، وكذلك وقفاته الإنسانية المتعددة، بما في ذلك تشجيعه على الترحيب وتقديم الدعم للاجئين إزاء موجة انتشار خطاب الكراهية ضدهم.
خلال أيام من الاغتيال، طُلِب من طاقم برنامج RTL Boulevard الشهير إخلاء موقعهم ونقل الاستوديو لمكانٍ آخر، لأن هناك تهديدات جديّة ضدهم من قبل مافيات الجريمة المنظمة، ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة الغادريان، في أول شهر أكتوبر/تشرين الأول، فإن الطاقم لم يستطع العودة لمكتبه السابق حتى يومنا هذا، وفريق التحرير للبرنامج تغيّر نهجهم الصحفي ومنظورهم للجريمة بعد الحادثة، فالآن "الأمر مختلف تماماً"، مشبّهين الحال بالنمط الإيطالي.
تسبَّب هذا الخبر بموجة من الاستياء بين الصحفيين الهولنديين، لأن هذه المرة الأولى التي تشهد البلاد فيها تهديد برنامج كاملٍ من قبل العصابات، كما كان الاغتيال وحوادث التهديدات الأخرى واحدة من الأسباب الرئيسية لانحدار مرتبة هولندا لأدنى مستوى لها على الإطلاق في مؤشر حرية الصحافة العالمي في 2021، وذلك بنزولها من موقعها المعتاد ضمن العشرة الأوائل إلى المركز الثامن والعشرين.
رغم ذلك كانت هناك سوابق بالهجمات على مقرّات الصحافة، أبرزها إرسال شاحنة بيضاء في يونيو/حزيران 2018، لتصطدم بواجهة أحد المكاتب الرئيسية لصحيفة دي تليخراف الرائدة في هولندا، وهو الهجوم الذي ربطته الشرطة بالمافيا المغربية، مع تأكيد النيابة العامة في العام اللاحق أنها تشتبه بأن رضوان تاغي هو مُصدر الأمر، وكذلك في الشهر نفسه حادثة إطلاق قذيفة صاروخية على مبنى يحوي شركات متعددة، منها الشركة الإعلامية الناشرة لمجلّة بانوراما ومنصات أخرى، التي وجد صلات بعيدة مع رضوان تاغي، لكن القضاء لم يستطع أن يثبت بعد أن الاعتداءين نُفّذا بالنيابة عن مافيا تاغي.
مافيا التاغي تُسهم في الاقتصاد الموازي للكوكايين
في لقاءٍ له مع مجلة Vice، وصف أحد المحققين العاملين على القضية تاغي ورجاله بأنهم ضمن "أكثر المجرمين وقاحةً" ممن واجهوهم على أصعدةٍ متعددة، وبأنهم يتسمون بالتهوّر الكامل، وُمضيفاً أن تاغي "يعتبر نفسه إلهاً، ومن ناحية تهريب الكوكايين، ربما يكون كذلك".
في الواقع، يُنسب إلى مجموعة تاغي المسؤولية عن نقل كميات هائلة من الكوكايين- بالطنّ المتري- عبر الموانئ الهولندية والبلجيكية، لتوزيعها في جميع أنحاء أوروبا.
لا يتعلّق الأمر بمليارات اليورو التي تتدفق عبر تجارة الكوكايين فحسب، بل أيضاً بالفوز في معركة التحكّم بالموانئ وطرق عبور الكوكايين، ومن خلالها القتال على السلطة وصراع العوالم السفلية للمافيا.
ارتبط تصاعد عنف عصابات المافيا في هولندا وبلجيكا بالمجمل بازدياد تدفق الكوكايين عبر موانئ روترداك وأنتويرب، اللذين يُعتبران من أكثر الموانئ ازدحاماً في أوروبا والأكثر جذباً لتهريب الكوكايين.
وتدلّ الأرقام الواردة في آخر التقارير الصادرة من الأمم المتحدة بهذا الشأن على مدى تضخم صناعة وتجارة الكوكايين مؤخراً، وتسجيل مستويات قياسية بالنسبة لأوروبا عامةً وهولندا خاصةً.
فقد نوّه التقرير بأن سلاسل توريد الكوكايين إلى أوروبا باتت أكثر تنوّعاً، ما يعني انخفاضاً في الأسعار وارتفاعاً في الجودة، وبالتالي المزيد من التهديد لأوروبا بتوسع سوق الكوكايين وانتعاشه وتزايد الأضرار التي تنجم عنه في القارة.
وتشير التقارير إلى زيادة نسبة كمية الكوكايين المضبوطة عالمياً بنسبة 9.6% عام 2019 مقارنة بالعام الذي سبقه، لتصل إلى 1436 طناً، وهو ما وصفته بالرقم القياسي.
وخصص التقرير ميناء أنتويرب بالذكر لتسجيله زيادة مطردة في كميات الكوكايين المُعترضة منه في السنوات الأخيرة، ليحوز وحده ما نسبته 28% من كميات الكوكايين المضبوطة في كل أوروبا عام 2019، ووفقاً للتقرير معظم هذا الكوكايين مخصص على الأرجح للمنظمات الإجرامية العاملة خارج هولندا التي توزّعه لوجهات أوروبية أخرى.
واستدلّ التقرير بإحدى الشحنات البالغة 7 أطنان، والمضبوطة في ميناء أنتويرب، على مركزية المنظمات الإجرامية الموجودة في هولندا، والتي لها صلات عابرة للدول في إدارة تجارة الكوكايين في أوروبا، بالإضافة إلى الانخراط الأعلى للجنسيات الأجنبية في تجارة شحنات الكوكايين الأكبر في هولندا.
ارتبط تصاعُد مستويات العنف ارتباطاً وثيقاً بازدهار تجارة الكوكايين المهرّبة عبر موانئ روتردام وأنتويرب وهامبورغ. وقد بدأت حرب العصابات التي انخرطت المافيا المغربية بها في 2012 بسبب سرقة مجموعة لـ200 كجم من الكوكايين من مجموعة منافسة من أمستردام، وامتد العنف والثأر وعمليات التصفية بين العصابات في هذه الحرب إلى شوارع المدن الهولندية والبلجيكية لسنين.
لا يُعرف بالضبط إلى أيّ مدى كان رضوان تاغي شرياناً رئيسياً في انتعاش سوق الكوكايين في أوروبا، لكن وثائق للشرطة سُربت للإعلام البوسني، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أشارت إلى انتماء تاغي إلى عصابة مخدّرات أوروبية عملاقة، يُقدّر سيطرتها على ثلث تجارة الكوكايين الأوروبية المهرّبة إلى ميناء روتردام.
وذكرت الصحيفة أن عصابة المخدرات تلك كانت تعمل من دبي، وأن رضوان تاغي كان يعمل بها إلى جانب قادة من المافيا الإيطالية والأيرلندية والبوسنية.
صلات مشبوهة بالمخابرات الإيرانية وتصفيات معارضين
نشرت صحيفة "دي تليخراف" الهولندية، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تقريراً تتحدث فيه عن اشتباه القضاء الهولندي بأن المخابرات الإيرانية هي في الحقيقة من تؤمّن الحماية لرضوان تاغي.
ووفقاً لمصادر الصحيفة التي نسبتها للتحقيقات الجارية آنذاك، فقد كان تاغي يسافر باليخوت ما بين إيران ودبي بانتظام وحرية، لأنه كان يسهل عمل المخابرات الإيرانية في عمليات التصفية المطلوبة في أوروبا.
يُعتقد بعلاقة تاغي بعملية اغتيال المعارض الإيراني محمد رضا كُلاهي صمدي، المتهم بتدبير تفجير مقر الحزب الجمهوري الإسلامي في طهران في 1981، الذي يُعتبر من أبرز الهجمات التي شهدتها إيران منذ وصول آية الله الخميني للحكم.
وكان كُلاهي قد وصل إلى هولندا وتقدّم بطلبٍ للحصول على حق اللجوء في أوائل التسعينات، وعاش هناك في بلدةٍ صغيرة وهادئة قرب أمستردام لسنوات، تحت اسم مستعار ومهنة "فني كهرباء"، بجانب زوجته وطفله، إلى أن قُتل أمام منزله بالرصاص، في ديسمبر/كانون الأول 2015.
ووفقاً لما توصلت إليه المحاكمات حتى الآن، فإن الشابين اللذين نفذا عملية اغتيال كُلاهي "أنور.ب" و"مورئو.إم"، فعلاها بتوجيهٍ من شخصٍ يُدعى نوفل فصيح، وهو زعيم عصابات من أصل مغربي، يقضي عقوبة في السجن بتهمٍ أخرى، ويُفترض أن الأخير هو حلقة الربط بين تاغي والمخابرات الإيرانية، وهو أحد مساعدي رضوان وفقاً لتقرير دي تليخراف.
ويُعتقد أيضاً أن لنوفل روابط مع بارون المخدرات التشيلي الهولندي ريتشارد فيغا، الذي يرتبط بدوره بعلاقات مع ميليشيات حزب الله اللبنانية.
وتكررت حوادث الاغتيال لمعارضين إيرانيين في هولندا بعد عامين، وذلك مع تصفية زعيم حركة النضال العربي لتحرير الأحواز أحمد مولى نيسي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والتي اشتُبه بتوظيف المخابرات الإيرانية لمافيا أخرى لتنفيذها.
تعتقد الشرطة الهولندية أن وجود تاغي في دبي كان بهدف التخطيط لتنفيذ عمليات تصفية أخرى لصالح المخابرات الإيرانية في أوروبا، إلا أنه لم تصدر إدانات رسمية بحق التاغي إلى الآن فيما يخصّ الاغتيالات المرتبطة بإيران.
مارينغو.. محاكمة من أخطر وأعقد المحاكمات
قُبِض على رضوان تاغي في ديسمبر/كانون الأول 2019، من قبل شرطة دبي، وذلك بعد اكتشاف دخوله أراضي الإمارات مُنتحلاً هوية شخص آخر، وسُلّم إلى السلطات الهولندية رغم عدم وجود معاهدةٍ بين البلدين لتسليم المجرمين.
وفي شهر مارس/آذار 2021، بدأت أولى جلسات محاكمة رضوان تاغي، وسط انتشار أمني مكثف في محيط المحكمة الواقعة في أمستردام، وذلك لأجواء التكهنات والتخوفات التي تحيط بما بات يُعرف بمحاكمة مارينغو Marengo trial، التي سيُحاكم بها رضوان تاغي، بالإضافة إلى 16 من المشتبه بهم الآخرين من ذوي الصلة بالمافيا الهولندية المغربية.
تشمل التهم في القضايا المطروحة في محاكمة مارينغو عدداً من جرائم القتل ومحاولات القتل التي وقعت بين 2015 و2017.
لا تزال المحاكمة الضخمة هذه في مراحلها الأولية حتى الآن، ويتوقع مطلّعون على القضية أن تستمر المحاكمة لسنوات، لا سيما مع استمرار ظهور أدلّة جديدة ومتابعة العصابة عمليات الاغتيالات في الخارج حتى بعد احتجاز زعيمها.
لم تنتهِ المتاعب بالقبضِ على رضوان تاغي وإحالته للقضاء، إذ عمدت أذرعة المافيا التابعة له في الخارج إلى اغتيال الشاهد الرئيسي ضده، نبيل البقالي، وشقيقه، وتهديد المحاميين الاثنين الجديدين اللذين عُيّنا بعد اغتيال المحامي ديرك ويرسوم، ما دعا السلطات الهولندية لفرض إجراءات الحماية على حياتِهما.
وكذلك الأمر مع اغتيال الصحفي پيتر دي فريس، الذي اختار التعاون مع بقالي، وآخرها التهديدات الموجهة للأميرة الهولندية ورئيس الوزراء، بالإضافة إلى الأسماء الأخرى التي تُرسل المافيا تهديداتها لها، ومنهم صحفي الجرائم جون فان دن هوفيل، ما يدلّ على أن رضوان تاغي ومساعده لا يزالان يواصلان نشاطهما الإجرامي من داخل السجن الهولندي.
كما ظهرت تقارير متتابعة عن محاولات رضوان تاغي ابتكار مخططات هروبٍ متعددة من السجن، ومن ذلك الاستعانة بابن عمّه الذي يتواصل معه بمثابة المحامي لتوظيف مرتزقة أو مسلّحين ذوي تدريبٍ عال للهجوم على السجن، واكتشاف اختراق المافيا لبعضٍ من حرّاس السجن بالرشاوى وغيرها، ما أمّن قنوات اتصال غير مراقبة، ليتابع تاغي بها التواصل مع العالم الخارجي، ويُعتقد أنه تمكّن بهذه الطريقة من تبادل الرسائل مع أفراد عصابته، بالإضافة إلى زعيم المافيا الإيطالية رافاييل إمبريال، وغير ذلك من أنباء لا تهدأ منذ أن قُبِض على تاغي.
تأخذ السلطات الهولندية التهديدات هذه كلها بجديّة، وقد استعانت الجهات المسؤولة بفريقٍ خاص من الجيش الهولندي، في ديسمبر/كانون الأول 2021، وذلك لمساعدة الحرّاس ومنع أيّ محاولات هروب محتملة من أعضاء المافيا ذوي الصلة بمحاكمة مارينغو، وفقاً لصحيفة دي تليخراف، مع وضع احتمال أن تستعين المافيا بطائرة هليكوبتر في إحدى المراحل.
بعد أشهرٍ قليلة من القبض على رضوان تاغي، خصص الصحفي الجنائي جون فان دين هوفيل جزءاً من عرضِه المُسمّى "مطاردة الموكرومافيا" لقصة صعود وسقوط رضوان تاغي، ومساعده سعيد رزوقي، وذلك قبل أن يصبح هو الآخر على قوائم المهددين من قبل المافيا.
وعند نشره عن مافيا تاغي، في أبريل/نيسان 2020، حذّر هوفيل من أن سلطات إنفاذ القانون أخطأت بمواضع كثيرة في تقدير مدى جديّة خطورة هذه المنظمة ومدى سهولة ارتكابها للقتل، وأن المافيا لا تزال فاعلةً في هولندا حتى بعد القبض على زعمائها، لأن "هؤلاء الأشخاص نموا كثيراً من الأموال الكبيرة التي اكتسبوها في تجارة الكوكايين. طالما تُجنى الأموال الكثيرة من هناك ويتوفر الطلب الكبير سيظهر أشخاص جدد".