سلطت كارثة بيئية تسببت فيها إعمار مصر وهي الشركة الإماراتية المالكة لقرية "مراسي" المطلة على شاطئ خليج "سيدي عبد الرحمن" أحد أجمل شواطئ العالم المطلة على البحر الأبيض المتوسط الضوء على الآثار السلبية التي تسببها المشروعات السياحية والعمرانية على معدلات الأمان البيئي في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة المصرية لتحسين صورتها البيئية مع استعدادها لاستضافة مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ "COP27" في نوفمبر المقبل.
وقررت وزارة البيئة المصرية وقف كافة أعمال التكريك بالمنطقة الشاطئية للقرية، لكن بعد أن استمرت عملية النحر لأكثر من عام، بهدف تنفيذ مشروع سياحي يتضمن إقامة مرسى لليخوت في عمق البحر، وأخذت الوزارة المصرية التعهدات اللازمة بعدم استئناف أي أعمال جديدة ومغادرة الكراكة للموقع وفك المعدات المتصلة بها.
وتوالت شكاوى سكان ورواد القرى السياحية المجاورة الذين استطاعوا تكوين رأي عام مساند لقضيتهم بعد أن فضحوا تعرض حرم البحر المتوسط لأعمال نحر لإقامة المرسى الجديد، ما أدى لوجود عكارة في المياه لاحظها المصطافين مع دخول أشهر الصيف التي يتوافد فيها أصحاب الفيلات والغرف الفندقية التي يمتلكونها بالقرى السياحية المجاورة.
وذهب البعض منهم، ممن خرجوا علنًا لإدانة الجرائم البيئية على وسائل الإعلام المحلية، للتأكيد على أن عمليات النحر تسببت في تآكل حوالي 10 أمتار واختفاء الرمال وامتلأ بالحجارة نتيجة تراكم الحجر الجيري من الحفر في خليج سيدي عبد الرحمن.
كوارث بيئية غير ظاهرة
اكتشاف الكارثة البيئية في "مراسي" وتسليط الضوء عليها وتدخل الحكومة السريع لوقف مزيد من تدهور الأوضاع قد لا يظهر في مناطق أخرى تتعرض لمشكلات بيئية لا تقل خطورة عن ما شهده الساحل الشمالي، غير أنه يبقى كامنًا دون أن يحظى بالاهتمام ذاته، تحديداً ما يتعلق بالمشروعات القومية التي تنفذها الحكومة المصرية والتي تبقى هدفًا أساسيًا للتنمية العمرانية لكنها في المقابل تعد وجه آخر للتلوث البيئي يتطلب تدخلات مماثلة لوقفها.
تحتل مصر المرتبة الـ"94″ من بين "180" دولة شملها مؤشر الأداء البيئي العالمي في العام 2020، والذي يمتلك آلية لديها القدرة إبراز الدول الرائدة في الأداء البيئي وأفضل الممارسات، وبالرغم من أن الإحصاء الأخير أشار إلى تقدم المؤشر المصري بنسبة 7 في المئة غير أنها مازالت تقبع ضمن الدول التي تحظى بمؤشرات نجاح منخفضة تجاه التعامل مع ملف البيئة بالرغم من الاهتمام الذي توليه لقضايا البيئة وتغيرات المناخ في إطار استعدادها لتسويق خطتها نحو إنجاح "COP27".
كشف مصدر مطلع بوزارة البيئة لـ "عربي بوست" أن لديه معرفة بطبيعة الانتهاكات التي تتعرض لها السواحل المصرية جراء "التمدد العمراني" و"الاستثمار السياحي"، لكنه اشترط عدم ذكر اسمه لحساسية منصبه- قائلا: إن كافة مشروعات التنمية العمرانية على ساحل البحر المتوسط لديها آثار بيئية سلبية، وذلك بسبب التخطيط الخاطئ للمدن الجديدة وعدم دراسة الآثار السلبية لتلك المشروعات على كفاءة الشواطئ.
ويأتي الحديث هنا عن مدينة العلمين الجديدة التي تخطط الحكومة لأن تكون عاصمة ثانية إلى جانب العاصمة الإدارية الجديدة (ِشرق القاهرة) أو المدن المتوقع أن ترى النور خلال السنوات المقبلة مثل "رأس الحكمة الجديدة"، و"علم الروم الجديدة"، و"عجيبة الجديدة" وهي مدن تقع بالنطاق الجغرافي لمحافظة مرسى مطروح "غرب".
ظهور الصخور وتلاشي الرمال الطبيعية أبرز الظواهر
ويضيف المصدر ذاته، أن بناء الكتل العمرانية الجديدة والأبراج الشاهقة في مدينة العلمين، أثر سلبًا على شواطئ قرى "مارينا"، والأمر ذاته حدث من قبل حينما جرى تشييد قرى الساحل الشمالي الحديثة أو ما يُعرف بالساحل الشرير مثل قرى "مراسي" و"سيندا" و"أمواج" و"سيشل" وغيرها وصولا إلى مرسى مطروح والتي كان لها تأثير سلبي على ما يعرف بالساحل الطيب، ويبدأ من قرى" سيدي كرير" حتى قرية "الدبلوماسيين"، ويظهر ذلك من خلال نحر الشواطئ وظهور الصخور وتلاشي مساحات واسعة من الرمال الطبيعية.
يعاني الطريق الساحلي الدولي "إسكندرية – مطروح" من أزمة بيئية ستكون لها أثر سلبي على شواطئ البحر المتوسط، بحسب ما يشير المصدر الذي يؤكد أن شركات التطوير العقاري التي حصلت على تشييد القرى السياحية وعشرات "الكومباوند" على طول الطريق لم تلتزم بالمعايير البيئية المطلوبة والتي تحتم عليها بناء عقاراتها على الجانب الآخر المقابل للبحر لكنها أقامتها مباشرة أمامه ما سينعكس على جودة الرمال وستكرر ظواهر نحر الشواطئ.
ودائما ما يتورط أصحاب القرى السياحية و"الكومباوندات" في مخالفة صريحة للاشتراطات البيئية بإقامتها بحيرات صناعية في حرم البحر، وهو الأمر الذي انتهكه مشروع "soul" لشركة إعمار مصر، ويترتب على ذلك تغيير خط الشاطئ الأصلي وتبقى عواقبه مجهولة في المستقبل ويساهم في إفساد القيمية البيولوجية والبحرية للمناطق التي تقام فيها، بحسب ما أكده المصدر المطلع.
اللافت للنظر أن الكثافة العمرانية في المناطق الجديدة مرتفعة للغاية ويظهر ذلك من خلال تلاصق المباني والفيلات وتظهر كأنها مناطق شعبية، ويظهر ذلك بوضوح أيضًا في التصميم الأولى لمشروع "soul"، والأمر يرجع لرغبة المستثمرين تحقيق أفضل عوائد مالية من الاستثمارات دون مراعاة للأثر البيئي التي سيترتب عليها انكماش مساحات السواحل في حين أن هناك زيادات مضطردة في أعداد السكان.
الجوانب الربحية تطغى
تكمن الأزمة التي يتوافق عليها خبراء البيئة في أن الجوانب الربحية سواء كانت على المستوى الاستثماري أو السياسي تطغى على الجوانب البيئية بالرغم من الاهتمام المتصاعد لدى الحكومة بقضايا التغيرات المناخية، وتشير وزيرة البيئة المصرية، ياسمين فؤاد، في تصريحات سابقة: "إن مصر تأمل أن تحقق تقدمًا في مجالات تمويل المناخ والتكيف والخسارة والأضرار، لمواكبة التقدم الذي يأمل العالم أن يحققه في جهود التخفيف والوصول إلى الحياد الكربوني".
لكن ذلك لا يجري ترجمته على أرض الواقع، إذ يقول أحد المسؤولين بالمنظمة المصرية لحماية الطبيعة، إن أي مشروع تنموي جديد تقدم عليه الحكومة المصرية أو القطاع الخاص دون دراسة يكون له تأثيرات سلبية على الطبيعة، ومن ثم يكون له تأثير سلبي على البيئة، وأن التوسع في شق طرق جديدة في الصحاري الشاسعة دون الاهتمام بالأثر البيئي لها وماهية الكائنات الحية الموجودة بتلك المناطق وقد تتضرر منها مما يقود لانقراض كائنات صديقة للبيئة.
وبحسب وزارة النقل المصرية فإنها تمكنت في الفترة ما بين أعوام 2014 وحتى الآن من إنشاء 7000 كم من الطرق الجديدة، وجرى الانتهاء من تنفيذ مشروعات بأطوال 5500 كم في بقاع جغرافية متعددة شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا، إلى جانب تنفيذ 900 كوبري ونفق، إلى جانب إضافة ثمانية مدن جديدة خلال الفترة الزمنية ذاتها.
التوسع السريع في البني التحتية دون دراسات يضر بالبيئة
يعتبر المسؤول أن حالة التوسع السريع في البنية التحتية، وهو أمر إيجابي يحقق عوامل نفع إيجابية للمواطنين من أجل الخروج من الوادي الضيق، قد يعد أحد أوجه الإضرار بالبيئة لأنها تكون دون إدراك للخسائر الطبيعية المترتبة عليها، وهناك أزمة تتعلق بحالة الوعي الحكومي والمجتمعي نحو إجراء دراسات على طبيعة الحياة البرية الموجودة في تلك الصحاري، أو ما يسمى بخدمات النظم البيئة، وتبقى الرغبة في الإنجاز السريع طاغية على الجوانب العملية.
تدخلت المنظمة بشكل مباشر لوقف جملة من التعديات على الطبيعة في مدينة الجلالة، وهي مدينة جديدة تقام أعلى هضبة الجلالة فوق 700 متر من سطح الأرض بمحافظة السويس (ِشرق)، وبحسب النوبي، فإن الحكومة أخطأت بالأساس حينما اختارت بناء مدينة جديدة فوق أحد الجبال في حين أن مصر لا تمتلك سوى جبال قليلة وكان لذلك تأثير سلبي على الحياة البرية بتلك المناطق، تحديداً فيما يتعلق بالطيور المهاجرة والتي تعد هذه البقعة ممر لهجرة مليون ونصف طائر سنويًا.
نجحت المنظمة بالتعاون مع وزارة البيئة المصرية في إنشاء مرصد الجلالة بهدف رصد وتتبع هجرة الطيور، في إطار مشروع الحياة الجديدة للنسور المصري، ويلفت النوبي إلى أن المرصد الذي أبدت الحكومة تعاوناً ملموساً لإنشائه يحد من الأخطار المرتبة على إقامة المدنية الجديدة في تلك المنطقة.
ويضرب أمثلة على إهمال الحكومة المصرية للكائنات الحية وطبيعة حياتها بعدم وجود دراسات ترصد أعداد طائر "أبو قردان" والذي يُلقب بـ"صديق الفلاح المصري"، ويعد أهم الطيور المصرية على الإطلاق، وتتمثل أهميته في كونه يلتقط الحشرات والآفات الزراعية وتشير التقديرات غير الرسمية بوجود مئات الآلاف منه داخل مصر ويساهم تخليص التربة المصرية مما يقرب من حشرة، وفي حال انقراضه فإنه سيتسبب بكارثة بيئية، سواء كان ذلك على الناحية الصحية عبر التوسع في استخدام المبيدات الحشرية المضرة بالصحة أو مضاعفة تكلفة الزراعة وانعكاساتها على جودة حياة المواطنين بوجه عام.
يتخوف المسؤول من مشروع تطوير "التجلي الأعظم" بمنطقة سانت كاترين بجنوب سيناء، ضمن مخطط يستهدف تحويل المنطقة إلى بؤرة سياحية عالمية للسياحة البيئية والدينية، مشيراً إلى "أن عمليات الهدم والبناء تبدو أنها فجة، ولم نتأكد بعد ما إذا كانت حظيت بدراسة الآثار السلبية المترتبة جراء الاعتداء على الحياة البرية والطبيعية في تلك المنطقة من عدمه".
كلفة تلوث الهواء
لا يرتبط الأمر فقط بالمشروعات القومية الكبرى، إذ أن مصر تعاني كونها تشكل بيئة غير صحية جراء تلوث الهواء والذي يكلف ميزانية الدولة 47 مليار جنيه سنويا، من تكاليف الرعاية الصحية، وخسائر دخل الموظفين، وانخفاض الإنتاجية نتيجة الأمراض المزمنة، بحسب تقديرات البنك الدولي. ومع النمو السكاني، وزيادة الاتجاه نحو المدن والاعتماد على التصنيع.
وبدلاً من الاتجاه نحو إيجاد بيئة أفضل أقدمت الحكومة المصرية على مدار السنوات الماضية على ما يمكن تسميته "مذبحة الأشجار" وإزالة بعض الحدائق العامة، في العاصمة القاهرة وغيرها من المدن الكبرى، بحجة أن ذلك يحقق المصلحة العامة المتمثلة في تطوير تلك المناطق، وتوسيع الشوارع للحد من الزحام.
وقاد أهالي حي مصر الجديدة (شرق القاهرة)، في شهر سبتمبر الماضي، حملات إلكترونية عديدة لوقف استغلال الحكومة المصرية لأجزاء كبيرة من مساحتها التي تبلغ 50 فداناً وتحويلها إلى عمارات سكنية ومطاعم وأنشطة تجارية مؤجرة، وهو الأمر الذي تكرر من قبل مع "حديقة الطفل" بحي مدينة نصر (ِشرق القاهرة)، وحديقة قصر عابدين بوسط العاصمة، وحديقة "الأسماك" بحي الزمالك (غرب القاهرة).
في المقابل يؤكد مصدر مطلع بوزارة البيئة المصرية، أن هناك جملة من الإجراءات التي تستهدف تقليل الأثر البيئي السلبي والتعامل بسرعة مع أي أخطار تسببها المشروعات العمرانية أو الصناعية الجديدة، وأن المشروعات لا بد أن تحصل في البداية على اشتراطات تنظم عملها أو ما يسمى بـ"رخصة التشغيل"، ويكون ذلك وفقًا لدراسات متكاملة وتحظى بموافقة وزارة البيئة، ثم تكون هناك رقابة من جانب الجهة الإدارية التابعة للمشروع للتأكد من التزامه بما جاء في المواصفات، وفي حال المخالفة يتم إبلاغ جهاز شؤون البيئة.
وهناك رصد ذاتي تُشرف عليه الجهة المنفذة وفي حال وجود تغيرات يتدخل جهاز شؤون البيئة التي يكون عليها دور موازي يتمثل في التفتيش والرقابة على الحالة البيئية والالتزام باشتراطات التشغيل ويتم اتخاذ إجراءات قانونية ضد المخالفين، ويكون التشديد على المصانع كثيفة الانبعاثات أو مشروعات ذات التأثير المباشر على حماية الشواطئ.
وبالرغم من ذلك إلا أن هناك اتهامات مباشرة لوزارة البيئة بأنها لا تتحرك إلا بعد فوات الأوان وهذا ما حدث مع نحر الشواطيء حيث شهد الساحل الشمالي تغييرات كبيرة منذ عام 2019 حتى 2022.
ويشير صلاح حافظ رئيس جهاز شؤون البيئة المصري الأسبق الى إن مشروع المارينا الجديدة تسبب في أزمة نحر شواطئ الساحل الشمالي، موضحا أن التأثيرات البيئية لمشروع المارينا أثبتت مخالفات جسيمة في الرسوم التي تمت الموافقة عليها قبل 5 سنوات.
إستراتيجية غير مفعلة
أقرّت مصر إستراتيجية متكاملة للحدّ من الانبعاثات والتلوث ضمن خطواتها لمواجهة تغيّر المناخ قبل أربع سنوات، إذ توسعت في مشروعات الطاقة النظيفة والنقل الذكي، كما اهتمت بالمشروعات البيئية لتحقيق الاستدامة، غير أن تلك الإستراتيجية مازالت تواجه عقبات عديدة على مستوى التزام الجهات الحكومية أولاً بمعايير الحفاظ على البيئة.
وتشير إحصاءات البنك الدولي إلى أن مصر أنتجت 310 ملايين طن من الغازات الدفيئة في عام 2016، أي نحو 10 في المئة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغة 3.3 مليار طن حينها، وزادت انبعاثات مصر بنسبة 140 في المئة خلال الفترة من عام 1990 وحتى عام 2016، وهي زيادة أسرع ثلاث مرات من المتوسط العالمي. وكانت أكبر القطاعات المتسببة في تلوث البيئة هي الطاقة (71.4 في المئة من الانبعاثات في عام 2016)، ثم الزراعة (10.2 في المئة)، والتصنيع (9.7 في المئة)، وإدارة المخلفات (8.6 في المئة).
وقدرت دراسة للبنك الدولي عام 2019 عن تكلفة تدهور البيئة في مصر أن متوسط الوفيات المبكرة السنوية بسبب التعرض للجسيمات الدقيقة التي يقل قطرها عن 2.5 ميكروغرام في القاهرة الكبرى وحدها يصل إلى 12 ألفا و600 حالة، بالإضافة إلى نحو 3 مليارات يوم عمل ضائع بسبب الأمراض الناتجة عن تلوث الهواء.