حافظ المستشار السعودي تركي آل الشيخ على قدرته في إثارة الجدل وخطف الأضواء، جدل عاد حين أعلن يوم السبت الماضي الثالث والعشرين من يوليو/تموز الحالي تصفية كل ممتلكاته في مصر، دون توضيح الأسباب أو حتى طبيعة الممتلكات التي تخصه، ما أطلق العنان للتكهنات حول أسباب القرار المفاجئ، وما إذا كان رد فعل من رئيس هيئة الترفيه السعودية على عودة طليقته المطربة المصرية آمال ماهر للظهور الفني مجدداً وتنظيم حفل ضخم لها في مدينة العلمين بالساحل الشمالي، أم أن الأمر أكبر من آمال ماهر؟! وهل كانت تصفية تركي الشيخ لممتلكاته في مصر قراره الشخصي أم أنه طُلب منه مغادرة القاهرة؟!
صحفي مصري عمل لفترة بالقرب من المستشار السعودي، كشف في اتصال مع "عربي بوست"، أن قصة عودة آمال ماهر للغناء ليست سوى حلقة في مسلسل طويل من الاستفزازات، مشيراً إلى أن الخلافات بدأت تزداد في الفترة الأخيرة بين المستشار السعودي وأصدقائه النافذين في جهاز سيادي مصري، وتكرار الاستفزازات لآل الشيخ دون سبب واضح بالنسبة له، وكان آخرها إقدام الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة للمخابرات العامة المصرية على تنظيم الحفل الغنائي المقرر أن تحييه آمال ماهر في العلمين، وهي إشارة فهم منها تركي آل الشيخ أن هناك في الجهاز من يتحداه، مشيراً إلى أن ما علمه من المقربين من المستشار السعودي أن تنظيم الحفل لم يزعجه، ولكن تصدِّي شركة مملوكة للمخابرات لتنظيمه يوحي للجمهور المصري بأن الشائعات التي انتشرت في الأسابيع الماضية حول تعرض آمال للخطف والتعذيب على أيدي رجال تابعين للمستشار صحيحة، وأنها الآن في حماية المخابرات، وهو أمر غير صحيح، بحسب المقربين منه.
لأنه لم يقترب من المطربة منذ تم الطلاق بينهما، والمرة الوحيدة التي حدث فيها تواصل بين الاثنين كان قبل 3 أعوام؛ حينما نظم على نفقته الخاصة حفلاً ضخماً في أحد مسارح منطقة التجمع الخامس؛ احتفالاً بإطلاق ألبومها "أصل الإحساس" واستقدم مهندسي صوت وإضاءة انجليزيين للحفل.
أسباب وراء تصفية تركي الشيخ ممتلكاته في مصر
يضيف: ثم كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بقرصنة موقع قناة العربية السعودية ونشر خبر مفاده أن المتهمة بقتل الصيدلي المصري في السعودية هي شقيقة تركي آل الشيخ.
وهو الخبر الذي نقلته العديد من وسائل الإعلام العربية عن موقع العربية قبل أن تنفيه مجموعة MBC المالكة للقناة والموقع، وتكشف أنه تعرض للقرصنة؛ ما دفع بعض وسائل الإعلام التي نشرت الخبر للاعتذار عنه، بينما تجاهلت وسائل الإعلام المصرية النفي، ما تسبب في زيادة احتقان المصريين ضد المستشار السعودي.
وبالتالي كان منطقياً أن يتخذ قراره بتصفية ممتلكاته في مصر بما فيها منزله في القاهرة، والرحيل عنها طالما أنه غير مرحب به، علماً بأنه جاء إليها قبل 5 أعوام بقلب وعقل مفتوحين وحب كبير لأم الدنيا، كما كان يطلق عليها دائماً في جلساته الخاصة مع أصدقائه.
وكان رئيس هيئة الترفيه في السعودية المستشار تركي آل الشيخ قد نشر منشوراً غامضاً في الثامن عشر من يوليو/تموز الحالي على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قال فيه: "مضحك جداً المحاولة الفاشلة لتشويه سمعتي وسمعة عائلتي عن طريق اختراق موقع إخباري إعلامي معروف ومعروف باحترافيته وقوته التقنية، ولكن ما يحزنني أن يتم تسخير قدرات عالية لمثل هذه المحاولات الطفولية التي من المفترض تسخيرها لخدمة وطنها".
ثم عاد المستشار السعودي يوم الثاني والعشرين من يوليو/تموز الحالي لينشر على صفحته على فيسبوك منشوراً ثانياً مبهماً أيضاً جاء فيه: "أنا طيب واللي يقدم الطيب معاي ياخذ عينيا… اللي بيتذاكى أسيبه يجرب كل ألاعيبه وكل محاولات إبعاد المسافات… لكن لما يخلص ويكتشف إنه ما استفدش حاجه لازم أدفعه فاتورة بعد المسافة اللي حصل… عاوز أشوف آخرة كل حاجة".
قبل أن يعقبه مباشرة بمنشور ثالث يؤكد فيه أن ما قاله في منشوره الثاني لا علاقة له بالرياضة ولا الفن ولا الترفيه… "المقصود عارف القصد وإذا معرفش يكبر ويعرف".
كتب خبر تصفية ممتلكاته وأرسله للنشر في صحيفة لا تملكها المخابرات
عقب ذلك المنشور بيوم واحد نشرت صحيفة الفجر المصرية التي يرأس مجلس تحريرها الصحفي المعروف عادل حمودة، والتي تعد واحدة من صحف قليلة في مصر لم تستحوذ عليها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، خبراً عن قيام آل الشيخ بتصفية ممتلكاته في مصر، بصيغة مبهمة؛ حيث جاء الخبر في سطرين في بداية التقرير ثم عرج بعد ذلك على إعلان المستشار السعودي تنظيم احتفالية ضخمة في استاد باور هورس الميريا احتفالاً بفوز فريق المدينة المملوك لآل الشيخ بدوري الدرجة الأولى الإسباني في الموسم الماضي وتأهله إلى الليغا في الموسم الذي يبدأ بعد أسبوعين.
قرار تركي آل الشيخ قوبل بالترحيب من المصريين، مثلما كان متوقعاً؛ حيث لا يحظى الرجل بشعبية كبيرة منذ خلافاته الكبيرة مع محمود الخطيب، رئيس النادي الأهلي، والذي تضمن قيام تركي بنشر تفاصيل عن قبول الأخير هدايا ومبالغ مالية؛ ما اعتبرته جماهير الأهلي إساءة للنادي الأكبر شعبية في إفريقيا والشرق الأوسط، وتحول منذ ذلك الوقت إلى العدو الأول لتلك الجماهير، وانتشر وسم على تويتر #تركي_ال_الشيخ_يبيع_منزله في اليومين التاليين لإعلان عزمه تصفية ممتلكاته.
في المقابل، ورداً على الوسم السابق، انتشر بداية من يوم الثلاثاء السادس والعشرين من يوليو/تموز وسم #المخابرات_تبتز_تركي، يرجح أنه تم نشره بمعرفة لجان إلكترونية سعودية، كان أبرز ما لفت الانتباه في التغريدات التي أدرجت تحت هذا الوسم أنها وجهت اتهامات مباشرة للمقدم أحمد شعبان، مدير مكتب اللواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة الحالي، منذ أن كان الأخير مديراً لمكتب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأن شعبان هو الذي حاول ابتزاز تركي آل الشيخ، وعندما رفض الأخير أعلن عليه الحرب.
مفاجأة.. علاقة تركي آل الشيخ بالمخابرات بدأت قبل أن يرأسها اللواء عباس كامل
مسؤول سابق في جهاز سيادي علَّق على الأزمة المثارة في اتصال مع "عربي بوست" قائلاً إن المشكلة التي نتابعها حالياً ليست بين مصر والسعودية على الإطلاق، كما أنها ليست بين المخابرات كجهاز وبين تركي آل الشيخ أيضاً، ولكن يمكن تلخيصها في أنها انعكاس لما وصلت إليه الصراعات بين الأجهزة السيادية في مصر أو بين الأجنحة المتنافسة داخل كل جهاز.
وفسر كلامه بأن هناك جناحاً في المخابرات العامة يقف في الأغلب وراء التصعيد ضد تركي آل الشيخ ليس لشخصه ولكن في محاولة لإحراج رئيس الجهاز اللواء عباس كامل، الذي يرتبط بعلاقة قوية مع المستشار السعودي، والهدف كما قلت إحراج رئيس الجهاز أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وإظهار اللواء على أنه لا يستطيع السيطرة على الجهاز السيادي الهام الذي يديره.
وأضاف أن هناك حالة من النفور وعدم الرضا بين أولاد المخابرات العامة، كما يطلقون على أنفسهم، وهم المجموعة التي دخلت المخابرات منذ شبابها وكرست حياتها للجهاز، وبين المجموعة التي جاءت مع اللواء عباس كامل، وأغلبهم من المخابرات الحربية، حيث يرى أولاد المخابرات العامة أن الوافدين الجدد نزلوا على الجهاز بالباراشوت "المظلة"، كما نقول في مصر على الذين يأتون من الخارج على أي مكان ليحتلوا مناصب قيادية فيه، بينما يرى الوافدون من جهتهم أن اللواء عباس كامل استعان بهم بسبب عدم ثقته في كفاءة أبناء المخابرات العامة.
وكشف المسؤول عن مفاجأة تتمثل في أن علاقة تركي آل الشيخ مع جهاز المخابرات العامة لم تبدأ مع تولي اللواء عباس كامل مسؤولية الجهاز، وإنما سبقت ذلك، حيث ربطته علاقة يمكن وصفها بـ"الوثيقة" مع اللواء خالد فوزي رئيس الجهاز السابق، وهناك أقاويل تتردد بأن تلك العلاقة وتفاصيلها غير المعلنة كانت أحد أهم أسباب إبعاد اللواء خالد فوزي من منصبه، وتعيين كامل رئيساً للجهاز بالإنابة إلى جانب عمله مديراً لمكتب الرئيس قبل أن يتفرغ لإدارة الجهاز بشكل كامل.
وعن احتمال أن يكون انسحاب تركي آل الشيخ واجهة لخلافات سياسية بين البلدين أو أن يؤدي انسحابه إلى خلافات بين القاهرة والرياض، قال المسؤول إن الاحتمال الأول غير صحيح بالمرة، والاحتمال الثاني مستبعد؛ لأن ما يربط بين البلدين مصالح مشتركة أكبر ليس فقط من تركي آل الشيخ وعباس كامل، ولكن من كل المسؤولين، بدليل أن العقود الماضية شهدت حالات من المد والجزر بين مسؤولين في مصر والسعودية، لكن العلاقات استمرت ولم تتأثر كونها استراتيجية وجيوسياسية لا تتوقف على شخص أو مسؤول هنا أو هناك.
مؤسس شركة بريزنتيشن دفع منصبه ثمناً لإغضاب رئيس هيئة الترفيه
إعلامي ساهم في تأسيس شركة إعلام المصريين التي تحولت لاحقاً إلى الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية كشف لـ"عربي بوست" أن ما يحدث على الواجهة غير مفهوم بالنسبة له؛ كونه كان شاهداً على المعاملة التفضيلية التي كان يتمتع بها تركي آل الشيخ منذ ظهوره في مصر، مشيراً إلى أن محمد كامل مؤسس وصاحب شركة بريزنتيشن التي كانت تمتلك حقوق بث الدوري المصري كان أحد ضحايا المستشار السعودي.
حيث رفض كامل منح قناة بيراميدز (التي أطلقها آل الشيخ لعدة أسابيع ثم أغلقها) حقوق بث مباريات الدوري كاملة، حسبما طلب الأخير، وعرض منح القناة حقوق مباريات فريق بيراميدز الذي كان يملكه تركي أيضاً قبل أن يبيعه إلى مستثمر إماراتي هو سالم الشامسي، مع بعض مباريات الأهلي والزمالك، مما أغضب رئيس هيئة الترفيه واشتكاه إلى اللواء عباس كامل، وكانت النتيجة صدور تعليمات بإعفاء محمد كامل من إدارة شركة بريزنتيشن التي كانت الشركة المتحدة قد اشترت 51% من ملكيتها قبل ذلك.
وتسبب القرار بإصابة محمد كامل بأزمة قلبية ودخوله العناية المركزة عدة أيام؛ ما دفع المسؤولين للتراجع وإقناع تركي آل الشيخ بعودة كامل لرئاسة الشركة مع وعد بمنح قناة بيراميدز كل مباريات الدوري، وهو ما حدث حتى توقفت القناة عن البث، لكن كامل حصد ثمار إغضاب المستشار السعودي لاحقاً، وتحديداً في فبراير/شباط من العام الماضي 2021 حين تمت الإطاحة به من شركة استادات التي أسسها تحت مظلة الشركة المتحدة وتعيين سيف الوزيري أحد المقربين من المستشار السعودي، والذي عمل معه في نادي بيراميدز حين كان الأخير مالكاً له.
إعلامي رياضي عمل في وقت سابق مع المستشار تركي آل الشيخ قال في اتصال مع "عربي بوست" إن رئيس هيئة الترفيه دفع ثمن خلافه مع النادي الأهلي ومجلس إدارته رغم انتهائه منذ عامين تقريباً، لكن غلطته الكبرى أنه لم يفهم عقلية المصريين خصوصاً مشجعي الأهلي الذين يرفعون شعار "الأهلي فوق الجميع"، لكنه تورط في الكشف عن تفاصيل مهينة لرئيس النادي، وكذلك محاولته تصدير مشهد أنه هو من يدير النادي وليس الخطيب، مثلما حدث في أزمة تجديد عقد اللاعب عبد الله السعيد الذي كان قد وقَّع للزمالك مقابل 40 مليون جنيه وسط صمت تام من مجلس إدارة الأهلي.
لكن تركي حضر إلى مصر ودفع للاعب المبلغ الذي حصل عليه من الزمالك ليعيده لهم ويجدد مع الأهلي، وهو الأمر الذي رفضه جمهور النادي؛ ما دفع مجلس الإدارة لاتخاذ قرار عرض اللاعب للبيع، وهو ما اعتبره المستشار السعودي إهانة له خصوصاً أن ما قام به من خطوات للإبقاء على السعيد كان بمباركة الخطيب ومجلسه، ومن هنا بدأت الخلافات.
وأضاف أن الأمر تفاقم مع تشهير تركي آل الشيخ بالخطيب ومجلسه رغم أن أغلب ما قاله كان صحيحاً؛ حيث إن الأخير تلقى منه مبالغ مالية كبيرة خلال الحملة الانتخابية الأولى له عام 2017 تحت مسمى تمويل الحملة، مقابل أن يمنحه الرئاسة الشرفية للنادي فور فوزه بالانتخابات، علماً بأن المهندس محمود طاهر رئيس الأهلي السابق اعتذر للمستشار السعودي عن إمكانية منحه الرئاسة الشرفية باعتبار أن لها معايير لا تنطبق عليه، لكن الجمهور الأهلاوي لم يغفر لرئيس هيئة الترفيه السعودية إهانته لرمز النادي بشكل علني ومن وقتها تحول إلى شخص مكروه في مصر.
وأشار إلى أن آل الشيخ وقع في بعض الأخطاء، مثل زواجه من آمال ماهر ثم طلاقه منها وما صاحبه من شائعات، وأيضاً إقدامه على شراء نادي بيراميدز لمنافسة الأهلي، وتحالفه لفترة مع رئيس نادي الزمالك الذي لا يحظى بشعبية كبيرة في مصر، وأخيراً احتضانه لعدد من المطربين الشعبيين في ذروة خلافهم مع نقابة الموسيقيين المصريين وإقامة حفلات لهم في المملكة، وتسببت هذه الأخطاء رغم قلتها في خلق حالة نفور منه لدى المصريين، وغطت على أفعاله الإيجابية واستثماراته في مصر التي يعشقها، كما يعرف ذلك من تعامل معه.