لا تزال القرارات الحكومية التي اتخذتها وزارة الأوقاف الأردنية تجاه "أندية الطفل القرآني"، التابعة لجمعية المحافظة على القرآن الكريم، تُلقي بظلالها على الساحة الأردنية، وسط جدل واسع بين الناس والنخب الثقافية والفكرية في البلاد.
وكانت وزارة الأوقاف الأردنية أصدرت، في مارس/آذار الماضي، تعليمات جديدة لتنظيم عمل أندية الطفل القرآني، تضمنت مجموعة من الشروط، أبرزها تعيين مدير ومعلمين متفرغين، وتحديد فترة دوام لا تزيد على 9 ساعات أسبوعياً، وحصول المعلمين والمعلمات على إجازة في التلاوة من وزارة الأوقاف، وهو ما اعتبره أردنيون "تضييقات" على نشاط هذه الأندية، والتي ستؤدي في النهاية إلى إغلاقها، وليس مجرد تصويب عملها، كما تقول وزارة الأوقاف.
وتنتشر في الأردن أندية الطفل القرآني، التي تستهدف الأطفالَ من سن 3 إلى 5 سنوات، وتختص بتعليم وتحفيظ القرآن الكريم وقيم الإسلام العليا.
"عربي بوست" حاول تفسير السبب الحقيقي وراء اتخاذ هذه التعليمات الجديدة، وما الهدف الرئيسي منها، وما إذا كان بالفعل الهدف هو تصويب أوضاعها القانونية، كما تعلن وزارة الأوقاف.
إبعاد الإخوان والسلفيين
أوضحت مصادر مطلعة في وزارة الأوقاف الأردنية لـ"عربي بوست"، رفضت الكشف عن اسمها، أنّ الإجراءات الحالية وتوقيتها تعود بالدرجة الأولى إلى توجهات الدولة ورغبتها في إبعاد جماعة "الإخوان المسلمين" والتيارات السلفية عن المشهد الديني وتحجيم سيطرتها على الخطاب الديني في البلاد.
وتؤكدّ المصادر ذاتها أنّ مراكز الطفل، سواء المراكز الصيفية منها أو التعليمية، لا تزال أوضاعها معلقةً وغير واضحة؛ حيث تَواصَل "عربي بوست" مع عدد من المراكز التي أكدت -بدورها- أنّ تصويب أوضاعها وافتتاحها من جديد لا يزال غامضاً وقيد التعليق.
وفي هذا السياق، أوضح رئيس المنظمة الأردنية للتغيير، حسام العبدلات، لـ"عربي بوست"، أنّ الهدف الحقيقي من وراء التضييق على أندية الطفل التابعة لجمعية المحافظة على القرآن، يدخل في إطار التوجه لتغيير معالم الإسلام السُّني في الأردن، وعلى وجه الخصوص كبح جماح التيار السلفي، وجماعة الإخوان المسلمين.
وأوضح أن عملية التغيير بدأت بالفعل في المؤسسات الرسمية في الأردن، مثل وزارة الأوقاف، التي تمّ تغيير الكادر الموجود بها والهيكلية التنظيمية فيها؛ حيث تمّ إقصاء رموز وشخصيات من المشهد الديني من مسؤولين وخطباء وأئمة مقربين من السلفيين والإخوان ومن لديه ميول سياسية واستبدالهم بآخرين مقربين من التيار الأشعري، وتحديداً جماعة الأحباش التي تُظهر ميولاً أشعرية-صوفية في نفس الوقت.
"الأحباش" بديل التيارات الإسلامية التقليدية
ويوضح العبدلات أنّ الذي يدير الملف والمشهد الديني في الأردن حالياً هو مستشار الملك للشؤون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي له، الأمير غازي بن محمد، وهذا الأخير يسعى إلى تمكين التيارات والفرق الصوفية بكافة أشكالها وتنوعاتها، وعلى رأسها جماعة "الأحباش".
وأشار إلى أنّ هذا نفسه ما تهدف إليه الإجراءات الأخيرة بحق أندية الطفل القرآني التي تديرها جمعية المحافظة على القرآن والمقربة من جماعة "الإخوان المسلمين"؛ حيث تسعى تلك الإجراءات -بحسب رؤية العبدلات- إلى "تفريغ الإسلام من جوهره واستبداله بالإسلام الشكلي الذي يأخذ شكل الطقوس والدروشة والطرق الصوفية"، على حد وصفه.
ويؤكدّ العبدلات أنّ الأمير غازي يُعد مسؤولاً عن ملفَّين أساسيين في الدولة الأردنية، هما ملف التعليم العالي الديني الذي تمثل في تأسيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية ويُعد رئيساً لمجلس أمنائها، كما يُعد مسؤولاً عن هندسة وزارة الأوقاف من ناحية الهيكل التنظيمي وتحديد المهام الموكلة للوزارة، إضافة إلى ذلك فهو يعدّ بمثابة حلقة الوصل بينها وبين الأجهزة الأمنية.
تنفيذاً لإملاءات خارجية
كان وزير الأوقاف الأردني عبَّر عن رؤيته تجاه موضوع أندية الطفل القرآني، بالاعتراض على تعليم الأطفال قبل سن الخامسة القرآن، وذلك من خلال التضييق على مراكز تحفيظ القرآن الكريم التابعة لجمعية المحافظة على القرآن الكريم.
هذه الإجراءات التي اتخذها الوزير تعود أسبابها، بحسب تأكيدات الباحث والمستشار القانوني الأردني حسين الدريدي، إلى التعليمات والإملاءات التي يتم فرضها على الأردن وغيرها من الدول، وذلك لحاجتها للمساعدات والقروض الأجنبية.
ويشير الدريدي، في تصريحات لـ"عربي بوست"، إلى أنّ تلك الجهات الخارجية تتمثل في البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والدول الغربية التي تقدم القروض والمنح والمساعدات للدول النامية؛ حيث أصبحت تربط هذه القروض والمنح والمساعدات بمحاربة الجهات والمؤسسات التي تدخل في منظومة "الإسلام السياسي" أو ما يسمى "التنظيمات المتطرفة"، على حد قوله.
من هنا يؤكد الدريدي أن الإجراءات الأخيرة التي تمت تجاه أندية الطفل القرآني جاءت بضغط مباشر على الحكومة الأردنية من الدول الغربية، لحاجة الحكومة للقروض والمنح.
وأوضح أن جماعة الأحباش تمكنت من السيطرة على مواقع القرار في وزارة الأوقاف في عهد وزراء الأوقاف السابقين؛ ليكونوا أداة طيعة في يد الحكومة، ينفذون ما تمليه عليهم، على حد تعبيره.
إجراء سياسي بالدرجة الأولى
من جانبه، استنكر الرئيس الأسبق لتحضيرية نقابة الأئمة والعاملين في المساجد، ماجد أمين العمري، القرار الأخير الذي تمّ اتخاذه بشأن أندية الطفل القرآني، مشدداً في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، على أنّ تلك الخطوة تستهدف ضرب القيم والثوابت الدينية في المجتمع الأردني، في ظل انتشار السلوكيات السلبية بين أوساط الفتيان والشباب.
وأشار إلى أنّ هناك آلاف الأطفال قد استفادوا من هذه الأندية وأسهمت بشكل حقيقي في تربية وتنشئة الكثير منهم، خصوصاً أنّ المناهج الدينية التي تقررها وزارة التعليم في المدارس غير مؤهلة وكافية لتربية وتنشئة جيل الأطفال والشباب في الأردن.
ويرى العمري أنّ الإجراء الأخير المتخذ بحق أندية الطفل القرآني هو إجراء سياسي بالدرجة الأولى، ويعود إلى حالة "السطوة الأمنية على وزارة الأوقاف، والتي كان من ثمارها إيقاف أكثر من 200 إمام وخطيب وواعظ عن العمل خلال السنوات الماضية"، على حد تعبيره.
وهذا يأتي -حسب رؤية العمري- إلى السياسات التي تتبعها الحكومات والأنظمة السياسية في العالم العربي تجاه المساجد والمؤسسات الخيرية ودور تحفيظ القرآن الكريم.
لكنّ العمري يؤكدّ أنّه رغم تلك الإجراءات المتبعة بحق جمعية المحافظة على القرآن وبحق أندية الطفل القرآني التابعة لها، فإنّ تلك الجمعية تبقى متجذرة في المجتمع الأردني، ومن الصعب إقصاؤها وإنهاؤها من المشد الديني؛ لأنّ الأردنيين ذاقوا ثمارها ونتائجها على أرض الواقع، ومنها المساهمة في نشر الثوابت الدينية، وغرس القيم والأخلاق الإسلامية، على حد قوله.