جاءت جريمة اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة ضمن سلسلة حلقات التحريض الإسرائيلي ضد الصحفيين بالقدس وضد وسائل الإعلام في الأراضي الفلسطينية، التي تشهد في الآونة الأخيرة حملة ممنهجة تقودها أذرع الأمن الإسرائيلية، بهدف طمس الرواية الفلسطينية، وإبقاء الرواية الإسرائيلية الحاضرة أمام الرأي العام المحلي والدولي.
وسبق حادثة الاغتيال أن أطلق وزير الدفاع بيني غانتس تهديداً باستهداف مصادر التحريض، عقب عملية "إلعاد"، التي وقعت في 5 من مايو/أيار 2022، والتي وصفها مسؤولون إعلاميون فلسطينيون بأنها دعوة صريحة من رأس هرم المؤسسة الأمنية الإسرائيلية للانتقام، لرد الاعتبار لصورة الاحتلال أمام جمهوره مهما كان الطرف المستهدف.
واتّهم النائب في الكنيست الإسرائيلي إيتمار بن غفير مراسلي الجزيرة، بأنهم يقفون بشكل مقصود وسط الاشتباكات التي يخوضها جنود الاحتلال أثناء اقتحامهم للمدن الفلسطينية، وأضاف أنا "أدعم جنود الجيش بشكل كامل"، وهو ما يعتبر بمثابة إعلان صريح عن دعم سياسي إسرائيلي لاستهداف الصحفيين الفلسطينيين.
بموازاة ذلك شهدت الآونة الأخيرة حملة تهديدات بالقتل والاعتقال طالت العديد من الصحفيين في الضفة الغربية، نقلها جيش الاحتلال عبر رسائل مباشرة لهؤلاء الصحفيين، تحذرهم فيها من مغبة تغطية أي اقتحامات أو اشتباكات قد تجري في الفترة القادمة، وفق ما نقلته شهادات صحفيين في حديثهم لـ"عربي بوست".
استهداف الصحفيين بالقدس
الصحفي عميد شحادة، مراسل التلفزيون العربي من مدينة جنين، قال لـ"عربي بوست" إن "دولة الاحتلال تنظر إلى الصحفيين أثناء اقتحامها للمدن الفلسطينية كخطر يجب استهدافه، فهي ليست مضطرة إلى إرسال تهديدات مباشرة بالقتل أو الاعتقال على هواتف الصحفيين أو عبر طرف ثالث، بل تقوم بتنفيذ حملات الاعتقال والقتل للصحفيين أثناء اقتحامها للمدن والمخيمات بشكل مقصود، وقد تعرضتُ لحالات اعتداء جسدي، وإطلاق قنابل الغاز على سياراتي بهدف إحراقها، أثناء الاقتحامات الأخيرة التي نفذها الجيش في مدينة جنين".
من جانبها أكدت الصحفية فيحاء شلش، من مدينة رام الله، أنها تلقت بجانب مجموعة من الزملاء قبل أسابيع رسائل من جهات أمنية إسرائيلية، تحذرهم فيها من مغبة تغطية أي نقاط اشتباكات في مدن القدس أو نابلس أو جنين، وإلا فإنهم سيكونون طرفاً مشروعاً للاستهداف.
وأكدت المتحدثة أنها مُنعت بجانب العديد من الزملاء من الوصول إلى مدينة القدس لتغطية فعاليات الاعتكاف في شهر رمضان الماضي، كما منعتها سلطات الاحتلال من إجراء مقابلات مع أهالي حي الشيخ جراح، وكان يتم إرجاعهم وإخضاعهم للتفتيش على الحواجز المنتشرة بين المدن، أو سحب المواد المصورة التي تمت قبل إرسالها للنشر لوسائل الإعلام.
تجدر الإشارة إلى أن الصحفية شذى حنايشة، التي نجت الأربعاء 11 مايو/أيار 2022، من محاولة اغتيال، كانت قد تعرّضت في وقت سابق، وتحديداً في 29 مارس/آذار 2022، لإطلاق نار من قبل جنود الاحتلال استهدف سيارتها، أثناء توجهها لمخيم جنين لتغطية أحد الاقتحامات للمخيم، وهو ما يؤكد فرضية التعمد الإسرائيلي باستهداف الصحفيين أثناء تغطيتهم لاقتحامات الجيش للمدن الفلسطينية.
تعميم الرواية الإسرائيلية
ذكر أحد الصحفيين في حديثه لـ"عربي بوست" -أخفى هويته خشية من ملاحقته الأمنية- أنه "تفاجأ قبل أيام من رسالة وصلته عبر تطبيق التراسل الفوري "واتساب" من الإدارة المدنية الإسرائيلية، تطالبه بحذف مصطلح "مدينة عكا المحتلة" من أحد التقارير التي قام بإعدادها أثناء تغطيته مظاهرةً اندلعت في المدينة، كان قد نظمها فلسطينيو الداخل احتجاجاً على جرائم العنف والقتل في الوسط العربي داخل إسرائيل".
وأضاف: "خضعت للتحقيق 3 مرات لدى جهاز الشاباك، وطالبوني بالابتعاد عن تغطية الأحداث الميدانية والسياسية، وإلا فإنني سأكون هدفاً للاعتقال أو القتل، وهو ما أجبرني على العمل دون أن أذكر اسمي في التقارير التي أُرسلها للمواقع الإخبارية التي أعمل بها".
من جانبها تقول صحفية أخرى تعمل في قناة محلية، رفضت الكشف عن هويتها، إنها تلقّت تهديدات على حسابها عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك من حسابات وهمية تهددها بالقتل، في حال استمرت في الكتابة عن أحداث حي الشيخ جراح، والتي كانت من أبرز الصحفيين الذين عُنوا بتغطيتها ميدانياً، تقول إنها تعرضت للاستهداف بالرصاص أثناء اقتحام قوات الاحتلال للحي، رغم ارتدائها السترة الواقية فإنها تمكنت من تجاوز الاستهداف بأعجوبة.
وتُمارس إسرائيل تضييقاً على العمل الصحفي في الأراضي الفلسطينية، فيما تتنوع أشكال المضايقات من حظر وسائل الإعلام من العمل أو سحب التراخيص، رغم أنها ليست الجهة المخولة بذلك، كما تقوم سلطات الاحتلال باقتحام مقارّ المؤسسات الإعلامية ومصادرة المعدات، وتهديد الصحفيين بالاعتقال أو القتل في حال لم يستجيبوا للشروط الإسرائيلية الخاصة بالابتعاد عن تغطية الأخبار الميدانية التي تنفذها أذرع الأمن الإسرائيلية، سواء بعمليات الاقتحامات أو حالات الإعدام أو تفجير المنازل، أو التحقيق مع المواطنين بصورة مهينة.
ابتزاز في منع السفر والتنقل
وجه جديد للمضايقات الإسرائيلية في العمل الصحفي والإعلامي في الأراضي الفلسطينية، بدأ تطبيقه في الأشهر الأخيرة، هو منع عشرات الصحفيين من السفر أو التنقل إلى خارج مناطق السلطة، وفقاً لتقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي أكد أن سلطات الاحتلال تمارس سياسة العقاب الجماعي ضد الصحفيين.
ويشير التقرير الذي نقل شهادات من عشرات الصحفيين أن ضباطاً إسرائيليين أبلغوهم بأنه يمكن أن يُزال قرار منع السفر في حالة واحدة فقط، عبر تقديم معلومات أمنية عن الفلسطينيين، أو العمل كـ"عملاء" لدى جهاز الشاباك.
ويقبع في سجون الاحتلال قرابة 20 صحفياً، اعتقلتهم سلطات الاحتلال على مدار السنوات الأخيرة، جرى اعتقالهم إما عبر الحواجز المنتشرة في أرجاء الضفة الغربية أو بالاقتحام المباشر لمنازلهم، فيما أفاد نادي الأسير الفلسطيني أنه منذ مطلع العام 2022 وحتى منتصف أبريل/نيسان الماضي، بلغت حالات الاعتقال في الوسط الصحفي أكثر من 24 حالة اعتقال، تم الإفراج عن 18 منهم بعد تعهدهم بعدم تغطية أي أحداث تصفها إسرائيل بأنها تضر بالأمن القومي كالاقتحامات أو توثيق حالات الاعتقال وهدم المنازل.
نواف العامر، المدير السابق لمكتب قناة القدس الفضائية شمال الضفة الغربية، قال لـ"عربي بوست": إن السياسة الإسرائيلية التي تسبق تنفيذ جرائم أو مجازر بحق الفلسطينيين هي كتم صوت الحقيقة، عبر تهديد الصحفيين بالقتل أو الاعتقال أو ممارسة التعذيب النفسي بحقهم، لذلك يعد العمل الصحفي في الضفة الغربية معقداً، بسبب سهولة وصول الأمن الإسرائيلي إلى الصحفيين، كما أن المئات من الصحفيين تركوا مهنتهم بسبب إغلاق مقارّهم الإعلامية، ومن بينها قناة القدس الفضائية قبل عدة سنوات.