تغمر الأجواء الروحانية المسلمين في شهر رمضان المبارك، وتجعل النفوس تهفو إلى زيارة بيت الله الحرام، خصوصاً أن عمرة العشر الأواخر من رمضان لها فضل عظيم، لكن كثيراً من المصريين الراغبين في أداء العمرة يعيشون حالة "اختيار" بين تلبية رغبتهم في زيارة بيت الله الحرام بعد عامين من إيقاف تأشيرات العمرة بسبب تداعيات فيروس كوفيد 19، وبين إمكانية التعرض لأزمة في مطار القاهرة ومنعهم من السفر بحجة مخالفة قانون بوابة العمرة الذي صدر في 20 يونيو/حزيران من العام الماضي 2021!
القصة تفجَّرت بعدما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تغريدات ومنشورات عن خلافات بين وزارة الحج السعودية ووزارة السياحة المصرية حول تأشيرات العمرة، حيث جاء قرار الوزارة السعودية بمنح تأشيرات العمرة للراغبين مباشرة عبر موقعها الإلكتروني، دون الحاجة للحصول عليها عبر شركات السياحة.
وهو الأمر الذي يتعارض مع الترتيبات التي وضعتها مصر من خلال قانون بوابة العمرة، كما أنه يضر شركات السياحة المصرية التي تعتمد غالبيتها على نصيبها من تأشيرات العمرة والحج السنوية لتحقيق أرباح خصوصاً في السنوات الأخيرة في ظل تراجع حركة السياحة الوافدة إلى مصر، ويضر وزارة السياحة نفسها التي تحصل على نسب من تلك الشركات.
منع السفر لمن لم يسجل على بوابة العمر..
مسؤول بمصلحة الهجرة والجوازات المصرية قال في اتصال هاتفي مع "عربي بوست" إن لديهم تعليمات بالفعل تم تعميمها على مختلف المنافذ الجوية والبرية والبحرية بمنع سفر أي مواطن مصري إلى المملكة العربية السعودية يحمل تأشيرة عمرة أو حج دون أن يكون معه الكود التعريفي "الباركود" الخاص ببوابة العمرة المصرية الذي يوضح بيانات المعتمر والشركة التي قامت بتسفيره، نافياً أن تكون هناك عقوبات على المعتمر الذي لا يحمل الكود التعريفي كما أشيع، خصوصاً أن القانون لم يحدد أي عقوبات من الأصل على الأفراد والمعتمرين، إلا في حالة واحدة هي تزوير الكود التعريفي، وهنا يقع المزور تحت طائلة القانون، واستبعد المسؤول قيام أحد المعتمرين بالتزوير، إذ كيف يقوم بالتزوير وهو ذاهب لزيارة بيت الله للاستغفار من ذنوبه؟!
تكلفة العمرة ذات الـ5 نجوم تصل إلى 150 ألف جنيه لمدة 15 يوماً!
عضو باتحاد الغرف السياحية قال في اتصال هاتفي مع "عربي بوست" إن المشكلة لها أكثر من وجه، أولها وأهمها أن رحلات العمرة والحج ظلت لعقود من الزمن هي المنفذ الأساسي لأغلب الشركات السياحية في مصر لتحقيق أرباح طائلة، لأن المسألة بالنسبة لها كانت في غاية السهولة أو مثلما نقول في مصر مثل طابع البريد الذي يجب على كل من يرسل خطاباً أن يشتريه.
فالكثير من المصريين يريدون أداء مناسك الحج أو العمرة، ومنذ أن عملت في هذا المجال قبل 30 عاماً وعدد الراغبين يزيد على عدد التأشيرات المسموح بها، ولهذا كانت الشركات تحصل أرباحاً هائلة تغطي تكاليف تشغيلها عن باقي السنة، لكن أغلب الشركات تعرضت لنكسة مخيفة عندما أصدرت السلطات السعودية قبل عامين قراراً بوقف تأشيرات العمرة والحج، وعندما أعادته كانت السلطات المصرية قد انتبهت لـ"الكنز" الذي يمكن أن تجنيه من وراء رحلات الحج والعمرة، فقررت الدولة استحداث قانون بوابة العمرة لتتمكن من جني الأموال من شركات السياحة التي اضطرت بدورها لرفع اسعارها لتغطية المصروفات التي تسددها للدولة ممثلة في وزارة السياحة من جهة، وكذلك تغطية النقص الواضح في أعداد تأشيرات العمرة التي حصلت عليها مصر والتي لم تزِد عن 20 ألف تأشيرة لعمرة رمضان.
وبالتالي وصل نصيب بعض الشركات الصغيرة إلى 15 تأشيرة فقط، مشيراً إلى أن وزارة السياحة والآثار حددت فئات الرسوم المقررة على كل شركة سياحية خلال موسم عمرة 1443 هجرية، وهي 2000 جنيه رسم اعتماد أو تصديق عقد الشركة السياحية إلكترونياً مع الوكلاء السعوديين على البوابة المصرية للعمرة، و500 جنيه رسم إصدار اسم مستخدم وكلمة مرور للبوابة، و500 جنيه رسم استخراج شهادة خاصة ببيانات الشركة السياحية على البوابة، أي أن كل شركة عليها أن تدفع 3 آلاف جنيه قبل أن تباشر عملها حتى بخلاف الرسوم التي تم دفعها في بداية الاشتراك في البوابة والتي تبلغ 7 آلاف جنيه.
يضيف: كما هي العادة في مصر تم تحميل كل هذه المصروفات على "الزبون" وهو هنا المعتمر، حيث ارتفعت أسعار عمرة العشر الأواخر من رمضان إلى حوالي 70 ألف جنيه لفئة الثلاثة نجوم والتي تعني سكناً في غرفة رباعية وسفراً على الدرجة السياحية، بينما تصل تكلفة العمرة ذات الخمسة نجوم إلى 150 ألف جنيه وتتضمن الطيران على الدرجة الأولى، وإقامة لمدة 15 يوماً في فنادق تطل على الحرم مباشرة ومطعم مفتوح 24 ساعة ومميزات أخرى، وهي أسعار خرافية مقارنة بما كان عليه الحال قبل سنوات حين كانت عمرة الـ3 نجوم لا تتجاوز 10 آلاف جنيه في حدها الأقصى!
تنظيم رحلات الحج والعمرة لعدد قليل من الأشخاص غير مجد مالياً لشركات السياحة
صاحب شركة سياحية صغيرة في ميدان التحرير بوسط القاهرة حكى لـ"عربي بوست" المصيبة- بحسب تعبيره- التي ألمَّت بالشركات الصغيرة هذا العام، فقبل ذلك كانت أغلب الشركات الصغيرة تحصل على عدد من تأشيرات العمرة أو الحج حسب مقومات كثيرة منها حجم الشركة وسمعتها والأهم وساطة بعض النافذين في وزارة السياحة أو السفارة السعودية في القاهرة، وكان أغلب أصحاب تلك الشركات يتفقون على تسليم التأشيرات لشركة واحدة منهم مقابل أن يحصل كل صاحب شركة على "عرقه" كما نقول في مصر أو مبلغ مالي مقطوع مثلما يحدث في المزادات الكبيرة حين يحصل أحد الراغبين في دخول المزاد على مبلغ مالي مقابل انسحابه من المزاد، ومقابل هذه المبالغ التي تدفعها الشركة التي جمعت التأشيرات من الشركات الأخرى يتاح لها تنظيم رحلات لعدد كبير من المعتمرين أو الحجيج بما يسمح لها بتعويض المبالغ التي دفعتها وتحقيق أرباح جيدة أيضاً، وكانت مسألة جمع التأشيرات تدور بين الشركات المختلفة، فمثلاً إذا حصلت شركتي على حصة التأشيرات هذا العام تحصل شركتك على نفس الحصة العام المقبل… وهكذا.
لكن بعد صدور قانون بوابة العمرة المصرية بات هذا الأمر مستحيلاً، لأن كل شركة حالياً لها كود تعريفي على البوابة، لا يمكن تغييره وإلا تعرضت الشركة وصاحبها للحبس مدة لا تقل عن سنة كاملة، وهذا جعل الشركات الصغيرة في ورطة، لأن تنظيم رحلات الحج والعمرة لعدد قليل من الأشخاص غير مجدٍ مالياً من الأصل، فما بالك الآن بعد أن أضيفت أعباء مالية جديدة ممثلة في رسوم تلتزم بدفعها الشركات الراغبة في تسجيل نفسها على بوابة العمرة، منها رسم اعتماد أو تصديق عقود الكترونية مع الوكلاء السعوديين بما لا يجاوز 5000 جنيه، ورسم إصدار اسم مستخدم وكلمة مرور للبوابة بما لا يجاوز 1000 جنيه، ورسم استخراج شهادة خاصة ببيانات الشركة السياحة على البوابة بما لا يجاوز 1000 جنيه، بخلاف الرسوم التي تتقاضاها في كل موسم للعمرة.
وطالب الدولة بإلغاء أو خفض رسوم موسم العمرة، ورفع يدها قليلاً عن تنظيم رحلات العمرة والحج، خصوصاً أن أحوال العمل باتت غير مشجعة على الإطلاق، مشيراً إلى أن هناك أصحاب شركات يعرفهم يفكرون بجدية في الإغلاق أو تخفيض العمالة إلى أدنى مستوى، وهذا ما ينذر بمزيد من العاطلين في مصر يمكن أن يكونوا بمثابة قنابل موقوتة ضد الدولة مع غلاء المعيشة وصعوبة إيجاد عمل مناسب لهؤلاء!
مسؤول بوزارة السياحة: بعض المصريين يعشقون ترديد وتداول الشائعات بدلاً من البحث عن الحقيقة!
مسؤول بوزارة السياحة والآثار المصرية علق على الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي فقال في اتصال مع "عربي بوست" إن أغلبها لا أساس له من الصحة، مضيفاً أنه من المؤسف أن بعض المصريين يعشقون ترديد وتداول الشائعات بدلاً من تحري الحقيقة.
وضرب مثلاً بمن يتحدث عن أنه يمكن لأي مواطن مصري يملك تأشيرة سياحية للسعودية السفر بشرط دفع 3200 جنيه لبوابة العمرة المصرية، وهذا كلام غير صحيح لأكثر من سبب، أولها أن التأشيرات السياحية السعودية للمصريين موقوفة منذ فترة، والثاني أن بوابة العمرة لا تتعامل مع أفراد وإنما مع شركات، ومهمتها أن تقدم للراغبين في العمرة والحج كل التفاصيل عن الشركات المعتمدة، وتتلقى أية شكاوى من المواطنين في حالة وجودها من الشركات المسجلة على البوابة، والسبب الثالث والأهم أن قانون إنشاء البوابة المصرية الإلكترونية للعمرة قصر تنفيذ كافة برامج العمرة داخل البوابة وباستخدام "باركود" خاص لكل معتمر، على أن تُنظم تلك الرحلات بواسطة شركات السياحة المصرية.
ونفى المسؤول كذلك أن يكون الهدف من إنشاء البوابة تحصيل رسوم إضافية من الراغبين في أداء مناسك العمرة والحج، مؤكداً أن الهدف الأساسي للبوابة هو ضبط تنظيم تلك الرحلات التي كانت تعج بالفوضى بسبب سيطرة السماسرة، وكذلك منع ملايين الجنيهات المتداولة في هذا السوق دون أوراق قانونية، خصوصاً بين السماسرة وشركات السياحة الصغيرة، ما كان يهدر على الدولة ضرائب مستحقة تقدر بمئات الآلاف، وأخيراً حماية المواطنين من تلاعب الشركات في أماكن الإقامة، وحماية الشركات الجادة من السماسرة.
وأضاف المسؤول أنه في السنوات الأخيرة، ومع انحسار حركة السياحة، باتت غالبية شركات السياحة تعمل فعلياً في مجال تنظيم رحلات الحج والعمرة فقط التي توزع عليها حسب حجم أعمالها، وبالتالي أصبحت الشركات الصغيرة لا تستطيع المنافسة الحقيقية مع نظيراتها الأكبر، واضطرت بالتالي لبيع حصصها ما نتج عنه ظهور سماسرة من يحصلون في التأشيرة الواحدة على مبالغ تصل إلى ١٠ آلاف جنيه، مقابل تواصلهم مع الراغبين في أداء المناسك ودفعهم للتعاقد مع هذه الشركة أو تلك وإغرائهم بمزايا غير حقيقية تبرر ارتفاع الأسعار عن شركة أخرى، ولما رأت الدولة أن سيطرة السماسرة على هذا السوق تضر بالمواطنين وبمصلحة الدولة نفسها قررت استحداث قانون بوابة العمرة الذي يحمي حقوق المواطنين والدولة في آن واحد.
وحول الرسوم التي فرضتها الوزارة على الشركات والتي أدت إلى زيادة تكاليف رحلات العمرة هذا العام، قال المسؤول إن الرسوم تم فرضها على الشركات للتأكد من جديتها من ناحية، ولحفظ حقوق الدولة من ناحية أخرى، أما مسألة أن تلك الرسوم ساهمت في رفع الأسعار فأظن أن الأمر مبالغ فيه؛ لأن الأسعار سوف ترتفع بشكل أو بآخر مثلما يحدث في السلع مثلاً التي ارتفعت أسعارها في الفترة الأخيرة رغم أن الدولة لم ترفع الأسعار على التجار.
كما نفى المسؤول وجود خلافات بين مصر والسعودية حول مسألة تأشيرات الحج والعمرة، قائلاً إن الأمر كله لا يتعدى الإجراءات التنظيمية التي تتخذها كل دولة لحماية مصالحها، مؤكداً وجود تنسيق كامل بين وزارة السياحة المصرية ووزارة الحج السعودية في كل ما يتعلق بترتيبات سفر المعتمرين المصريين.
16 مادة في قانون بوابة العمرة تنظم كل تفاصيل أداء المصريين للمناسك
يتضمن قانون بوابة العمرة المصرية الذي صدق عليه الرئيس المصري في يونيو/حزيران من العام الماضي 2021، العديد من المواد منها "مع مراعاة القواعد المعمول بها في المملكة العربية السعودية في شأن منح التأشيرات التي تسمح بأداء العمرة تسري أحكام هذا القانون على طالبي الحصول على تأشيرات العمرة باستثناء تأشيرات الزيارة العائلية والتجارية ورجال الأعمال والمؤتمرات والترانزيت، وكذا تأشيرة الإقامة، والتأشيرات الممنوحة لحاملي جوازات السفر الرسمية الدبلوماسية والخاصة وجوازات المهمات، والتأشيرات الممنوحة للوفود الرسمية".
وفي المادة الرابعة: تتولى الغرفة المختصة تسجيل الشركات السياحية وكذا الشركات والمؤسسات والوكلاء السعوديون على البوابة، كما توثق العقود المبرمة بين الطرفين وتلتزم الشركات السياحية بوضع برامج العمرة التي تنظمها على البوابة موضحاً بها أسماء المعتمرين المسافرين من خلالها والرقم القومي لكل منهم، وتمنح الوزارة شركات السياحة الكود التعريفي الخاص بكل معتمر، ثم ترسل أسماء المعتمرين إلى شركات الطيران أو النقل البري أو البحري لإصدار تذاكر السفر لهم.
كما تقوم البوابة بربط الكود التعريفي الخاص بكل معتمر مع الإدارة العامة للجوازات والهجرة بوزارة الداخلية ثم إرسالها إلكترونياً لأقسام الجوازات بمنافذ الجمهورية.
وفي المادة الخامسة: "لا يجوز تنفيذ رحلات العمرة إلا من خلال الشركات السياحية المرخص لها بمزاولة النشاط وفقاً لأحكام القانون رقم ٣٧ لسنة ١٩٧٧، ويصدر بالقواعد والإجراءات المنظمة لتنفيذ الرحلات المشار إليها سنوياً قرار من الوزير المختص بالتنسيق مع غرفة شركات السياحة".
وفي المادة السادسة: تلزم الشركات السياحية بسداد تأمين مؤقت عن رحلات العمرة التي تنظمها ويصدر بتحديد قيمته وقواعد حسابه واسترداده قرار من الوزير المختص بعد أخذ رأي الغرفة المختصة، ويحصل التأمين نقداً أو بأي وسيلة من الوسائل المنصوص عليها بقانون تنظيم الدفع غير النقدي.
وفي المادة العاشرة: فإنه للوزير المختص بقرار مسبب إيقاف نشاط الشركة السياحية كلياً أو جزئياً عن ممارسة نشاط العمرة لمدة لا تجاوز عاماً في حالة مخالفة القواعد والإجراءات المشار إليها، وفي حالة تكرار المخالفة يلغى ترخيص شركات السياحة.
وفي المادة ١٢: يعاقب بغرامة لا تقل عن ٥٠٠ ألف جنيه، ولا تزيد عن ٢ مليون جنيه، كل من نفذ رحلات أداء مناسك العمرة بالمخالفة لهذا القانون، وفي حالة التكرار يضاعف الحدان الأدنى والأقصى للغرامة.
مادة ١٣ يعاقب بغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد عن ٣ ملايين جنيه كل من نفذ رحلات العمرة من غير شركات السياحة المرخص لها بمزاولة النشاط، ومن لم يلتزم من شركات الطيران والنقل البري والبحري بمطابقة البيانات الخاصة لكل معتمر مع البيانات المسجلة لدى البوابة قبل مغادرة المعتمر لأي من منافذ الجمهورية، وفي حالة التكرار يضاعف الحدان الأدنى والأقصى.
أما المادة ١٤ فيعاقب بالحبس كل من زور بنفسه أو بواسطة غيره الكود التعريفي المنصوص عليه في هذا القانون.
وفي المادة ١٦ تؤول حصيلة الرسوم المقررة في هذا القانون إلى موازنة الوزارة المختصة بشؤون السياحة، وتوزع مناصفة فيما بين وزارة المالية وصندوق السياحة، وذلك بهدف دعم وتمويل الأنشطة التي تعمل على تنمية السياحة وتطوير الخدمات والمناطق السياحية.